العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المقاومة الفلسطينية وإسقاط نظرية «الحق التاريخي» للصهاينة

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الجمعة ١٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:17

نظرية‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭ ‬نظرية‭ ‬ابتدعتها‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬تاريخي،‭ ‬وهم‭ ‬يلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬دائما‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬اي‭ ‬سند‭ ‬ودلائل‭ ‬وثوابت‭ ‬تثبت‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬لا‭ ‬دينيا‭ ‬ولا‭ ‬تاريخيا‭. ‬والبديل‭ ‬لذلك‭ ‬خلق‭ ‬الحقائق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وجعلها‭ ‬وقائع‭ ‬لها‭ ‬قوة‭ ‬التاريخ‭ ‬والمعتقد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬حق‭ ‬تاريخي‭ ‬ثابت‭. ‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬المستوطنات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬المستوطنين‭ ‬وهذه‭ ‬الأرض‭. ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬مستقبلهم‭ ‬وبقائهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭. ‬وهذه‭ ‬النظرية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السرديات‭ ‬والمقولات‭ ‬أبرزها‭:‬

1-‭ ‬سردية‭ ‬أرض‭ ‬بلا‭ ‬شعب‭ ‬لشعب‭ ‬بلا‭ ‬أرض‭. ‬والرد‭ ‬على‭ ‬المقولة‭ ‬ليس‭ ‬صعبا‭ ‬بالتواجد‭ ‬التاريخي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بما‭ ‬يملكونه‭ ‬من‭ ‬حقائق‭ ‬تاريخية‭ ‬ومثبتة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأرض‭ ‬وعلى‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭.‬

2-‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬ومعناه‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬مسكونة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شعب‭ ‬وشعوب‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭. ‬ولإعادة‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إجلاء‭ ‬وطرد‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب،‭ ‬ولعل‭ ‬النكبة‭ ‬وتهجير‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬قراهم‭ ‬ومدنهم‭ ‬الأصلية‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه‭ ‬سياسة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬الهجرة‭ ‬القسرية‭ ‬بتدمير‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬قد‭ ‬فشلت‭ ‬ببقاء‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يغادروها‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقول‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬صفة‭ ‬شعب‭ ‬وانهم‭ ‬مجرد‭ ‬جماعات‭ ‬سكانية‭ ‬وفدت‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

‭ ‬3-‭ ‬تزوير‭ ‬النقوش‭ ‬الأثرية‭ ‬والتلاعب‭ ‬بها‭ ‬بالوثائق‭ ‬التاريخية‭ ‬كالبحث‭ ‬عن‭ ‬الهيكل‭ ‬بتدمير‭ ‬أي‭ ‬آثار‭ ‬فلسطينية‭ ‬وطمسها‭.‬

والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭ ‬طوال‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭. ‬والإجابة‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المرشحة‭ ‬فقط‭ ‬لهم‭. ‬هيرتزل‭ ‬حاول‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬موزمبيق‭ ‬أو‭ ‬الكونغو،‭ ‬ورشحت‭ ‬الأرجنتين‭ ‬وقبرص‭ ‬وأوغندا‭. ‬وبعدها‭ ‬حول‭ ‬هيرتزل‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬أمنية‭ ‬غلبتها‭ ‬العواطف‭ ‬وكان‭ ‬المؤتمر‭ ‬التأسيسي‭ ‬الأول‭ ‬للحركة‭ ‬عام‭ ‬1897‭ ‬وبقراءة‭ ‬نصوصه‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود‭ ‬هنا‭ ‬البعد‭ ‬الديني،‭ ‬ونص‭ ‬بأهمية‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬جاء‭ ‬لحل‭ ‬المشكلة‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬الاحتلال‭.‬

وهي‭ ‬نتيجة‭ ‬تحالف‭ ‬استعماري‭ ‬صهيوني‭ ‬لتؤدي‭ ‬إسرائيل‭ ‬وظائف‭ ‬كدولة‭ ‬بالوكالة‭ ‬للغرب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬أهم‭ ‬منطقة‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬هي‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والهدف‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التفكك‭. ‬ولتقوم‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬بعض‭ ‬المقولات‭ ‬وإحياء‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي،‭ ‬وتحقيقا‭ ‬لهذا‭ ‬الهدف‭ ‬كان‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وقتها‭ ‬ووضع‭ ‬فلسطين‭ ‬تحت‭ ‬سياسة‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬181‭ ‬بقيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬التبني‭ ‬الأمريكي‭ ‬وحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬لتقوم‭ ‬بالتمدد‭ ‬والتوسع‭ ‬بحرب‭ ‬1948‭ ‬وحرب‭ ‬1967‭ ‬وضم‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وكما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬لحماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتبرير‭ ‬حربها‭.‬

ورغم‭ ‬اعتراف‭ ‬المنظمة‭ ‬وتوقيع‭ ‬اتفاقات‭ ‬أوسلو‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬حكوماتها‭ ‬ترفض‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬لأنها‭ ‬تسقط‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي،‭ ‬وتتعامل‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ليس‭ ‬كشعب‭ ‬بل‭ ‬كجماعات‭ ‬سكانية‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق‭ ‬الاقتصادية‭.‬

والسؤال‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المقاومة‭ ‬ولماذا‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬برفض‭ ‬فكرة‭ ‬المقاومة‭ ‬ووصف‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬بالإرهاب؟‭ ‬والإجابة‭ ‬وأضحه‭ ‬وفقا‭ ‬لمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬المستمرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شعب‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬تسقط‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬نظرية‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭. ‬فهذا‭ ‬الحق‭ ‬يتطلب‭ ‬قبولا‭ ‬واستسلاما‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬الاحتلال‭.‬

وتاريخيا‭ ‬ومنذ‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يرفض‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ومن‭ ‬ثورة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ومن‭ ‬هبة‭ ‬جماهيرية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬منذ‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬السائد‭ ‬الذى‭ ‬تشهده‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والحروب‭ ‬والحصار‭ ‬الذى‭ ‬تمارسه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وسقوط‭ ‬الشهداء،‭ ‬فالفلسطينيون‭ ‬قدموا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭ ‬ومئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجرحى‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬وحدها‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الأربعين‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬جريح،‭ ‬وما‭ ‬الأسرى‭ ‬والمعتقلين‭ ‬إلا‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬فهي‭ ‬سقوط‭ ‬نظرية‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي،‭ ‬وتأكيد‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بقيام‭ ‬دولته،‭ ‬وهذه‭ ‬المقاومة‭ ‬تدعم‭ ‬الطلب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬عن‭ ‬ماهية‭ ‬الاحتلال،‭ ‬فالدليل‭ ‬القاطع‭ ‬ان‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬احتلال‭ ‬وتمارس‭ ‬العنصرية‭ ‬ضد‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬

وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬محاولات‭ ‬إسرائيل‭ ‬إجهاض‭ ‬المقاومة‭ ‬ولفشلها‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬وصفها‭ ‬بالإرهاب،‭ ‬فالمقاومة‭ ‬حق‭ ‬للشعوب،‭ ‬أما‭ ‬الإرهاب‭ ‬فتمارسه‭ ‬جماعات‭ ‬خارجه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فشلت‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭. ‬ويبقى‭ ‬انه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬أقامت‭ ‬دولتها‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬التاريخية‭ ‬وبدعم‭ ‬دولي‭ ‬فالأجدر‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬دولة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬الحق‭ ‬التاريخي‭ ‬والسياسي‭ ‬والحضاري‭ ‬والديني‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬شقها‭ ‬السلمي‭ ‬المدني‭ ‬الكامل،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬يعطي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الحق‭ ‬بالمقاومة‭ ‬حتى‭ ‬العسكرية‭ ‬الشرعية‭ ‬حتى‭ ‬يسقط‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويقيم‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا