نظرية الحق التاريخي نظرية ابتدعتها الحركة الصهيونية التي تقوم على حق اليهود في فلسطين وأن هذا الحق تاريخي، وهم يلجؤون إلى إحياء هذه النظرية دائما لأنهم لا يملكون اي سند ودلائل وثوابت تثبت هذا الحق لا دينيا ولا تاريخيا. والبديل لذلك خلق الحقائق على الأرض وجعلها وقائع لها قوة التاريخ والمعتقد، ومن ثم تحويلها إلى حق تاريخي ثابت.
هذا ما نراه اليوم في إنشاء المستوطنات على الأرض وخلق حالة من الارتباط بين المستوطنين وهذه الأرض. والربط بين مستقبلهم وبقائهم في هذه الأرض. وهذه النظرية تقوم على عدد من السرديات والمقولات أبرزها:
1- سردية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. والرد على المقولة ليس صعبا بالتواجد التاريخي للشعب الفلسطيني بما يملكونه من حقائق تاريخية ومثبتة في قلب الأرض وعلى سطح الأرض.
2- التطهير العرقي ومعناه أن الأرض التي يتم الحديث عنها مسكونة من قبل شعب وشعوب أخرى لا تملك هذا الحق. ولإعادة الحق التاريخي لا بد من إجلاء وطرد هذه الشعوب، ولعل النكبة وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم الأصلية دليل على هذا النهج الذي تقوم عليه سياسة إسرائيل وما نراه اليوم في حرب غزة التي تعمل على الدفع نحو الهجرة القسرية بتدمير كل مقومات الحياة، حيث إن هذه المقاربة قد فشلت ببقاء السكان الأصليين في أرضهم التي لم يغادروها تذهب إلى إسرائيل لقول إن هؤلاء لا يملكون صفة شعب وانهم مجرد جماعات سكانية وفدت للعيش في إسرائيل.
3- تزوير النقوش الأثرية والتلاعب بها بالوثائق التاريخية كالبحث عن الهيكل بتدمير أي آثار فلسطينية وطمسها.
والسؤال المهم هنا لماذا لم يظهر هذا الحق التاريخي طوال القرون الماضية. والإجابة ببساطة أن فلسطين لم تكن المرشحة فقط لهم. هيرتزل حاول الحصول على مكان في موزمبيق أو الكونغو، ورشحت الأرجنتين وقبرص وأوغندا. وبعدها حول هيرتزل فلسطين إلى قضية أمنية غلبتها العواطف وكان المؤتمر التأسيسي الأول للحركة عام 1897 وبقراءة نصوصه على إنشاء وطن قومي لليهود هنا البعد الديني، ونص بأهمية التحالف الدولي لتحقيق هذا الهدف، وهذا ما يؤكد لنا أن قيام إسرائيل جاء لحل المشكلة اليهودية في أوروبا على حساب شعب آخر تحول إلى الاحتلال.
وهي نتيجة تحالف استعماري صهيوني لتؤدي إسرائيل وظائف كدولة بالوكالة للغرب في قلب أهم منطقة استراتيجية في العالم هي المنطقة العربية والهدف أن تبقى في حالة من التفكك. ولتقوم الدولة العبرية كان لا بد من تبني بعض المقولات وإحياء الحق التاريخي، وتحقيقا لهذا الهدف كان وعد بلفور المدعوم من الولايات المتحدة وقتها ووضع فلسطين تحت سياسة الانتداب البريطاني وصولا إلى القرار الأممي 181 بقيام إسرائيل كدولة ومن بعدها التبني الأمريكي وحماية إسرائيل بالفيتو الأمريكي لتقوم بالتمدد والتوسع بحرب 1948 وحرب 1967 وضم كل الأراضي الفلسطينية، وكما رأينا في توظيف الفيتو الأمريكي في حرب غزة لحماية إسرائيل وتبرير حربها.
ورغم اعتراف المنظمة وتوقيع اتفاقات أوسلو على أن تقوم دولة فلسطينية في عام 1999، إلا أن إسرائيل عبر كل حكوماتها ترفض فكرة الدولة لأنها تسقط الحق التاريخي، وتتعامل مع الفلسطينيين ليس كشعب بل كجماعات سكانية لها بعض الحقوق الاقتصادية.
والسؤال عن نظرية المقاومة ولماذا تقوم إسرائيل برفض فكرة المقاومة ووصف ما يقومون به بالإرهاب؟ والإجابة وأضحه وفقا لمبادئ القانون الدولي أن المقاومة المستمرة من قبل شعب تحت الاحتلال تسقط كل مقومات نظرية الحق التاريخي. فهذا الحق يتطلب قبولا واستسلاما من الشعب الذي يرفض الاحتلال.
وتاريخيا ومنذ وعد بلفور والشعب الفلسطيني يرفض كل أشكال الاحتلال، ومن ثورة إلى أخرى ومن هبة جماهيرية إلى أخرى منذ عشرينيات القرن الماضي وصولا إلى الوضع السائد الذى تشهده الأراضي الفلسطينية، والحروب والحصار الذى تمارسه إسرائيل، وسقوط الشهداء، فالفلسطينيون قدموا أكثر من مائة ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى في حرب غزة وحدها ما يقارب الأربعين ألف شهيد وأكثر من مائة ألف جريح، وما الأسرى والمعتقلين إلا دليل آخر على المقاومة، وهذا إن كان له دلالة تاريخية وسياسية فهي سقوط نظرية الحق التاريخي، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني بقيام دولته، وهذه المقاومة تدعم الطلب الفلسطيني للمحكمة الدولية عن ماهية الاحتلال، فالدليل القاطع ان إسرائيل دولة احتلال وتمارس العنصرية ضد المقاومة الشعبية التي يمارسها الشعب الفلسطيني.
وهذا يفسر لنا محاولات إسرائيل إجهاض المقاومة ولفشلها تذهب إلى وصفها بالإرهاب، فالمقاومة حق للشعوب، أما الإرهاب فتمارسه جماعات خارجه، وهذا ما فشلت فيه إسرائيل. ويبقى انه إذا كانت إسرائيل قد أقامت دولتها وهي لا تملك من الحقوق التاريخية وبدعم دولي فالأجدر ان تقوم دولة الشعب الفلسطيني الذي يملك الحق التاريخي والسياسي والحضاري والديني.
في هذا السياق تبرز أهمية المقاومة الفلسطينية، وخصوصا في شقها السلمي المدني الكامل، وإن كان القانون الدولي يعطي للشعب الفلسطيني الحق بالمقاومة حتى العسكرية الشرعية حتى يسقط الاحتلال ويقيم دولته المستقلة.
{ أكاديمي فلسطيني مختص في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك