العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اقتراح بوضع علامات تحذيرية على منصات التواصل الاجتماعي

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ١٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:16

أدوات‭ ‬ووسائل‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬يبدأ‭ ‬استخدامها‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الغنية‭ ‬والمتقدمة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬باختراعها‭ ‬وتطويرها‭ ‬وطرحها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القطري‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬ولذلك‭ ‬هي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تكتوي‭ ‬أولاً‭ ‬بنارها‭ ‬وبإساءة‭ ‬استخدامها،‭ ‬والوقوع‭ ‬في‭ ‬سلبياتها،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين،‭ ‬فتكون‭ ‬هي‭ ‬الفريسة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬ضحية‭ ‬سهلة‭ ‬لهذه‭ ‬الأدوات‭ ‬والتقنيات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭.‬

واليوم‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬تقنية‭ ‬حديثة‭ ‬ظهرت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وتطورت‭ ‬سريعاً‭ ‬بدرجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وانتشرت‭ ‬كانتشار‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتطبيقاتها‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬إلى‭ ‬منازلنا،‭ ‬ومدارسنا،‭ ‬وجامعاتنا،‭ ‬ومكاتبنا،‭ ‬ودور‭ ‬حكوماتنا‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬حياتنا‭. ‬فهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬إيجابياتها‭ ‬وتسهيلها‭ ‬لحياة‭ ‬الناس‭ ‬اليومية،‭ ‬وربطها‭ ‬قلوب‭ ‬ونفوس‭ ‬الناس‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬بدأت‭ ‬تنكشف‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬بعض‭ ‬سلبياتها‭ ‬الخطيرة‭ ‬المهددة‭ ‬والمفسدة‭ ‬لعقول‭ ‬ونفوس‭ ‬مستخدميها،‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬فئة‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬والشباب‭. ‬

ونظراً‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬انكشفت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬على‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادنا‭ ‬وقرة‭ ‬أعيننا‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬وحذر‭ ‬من‭ ‬الإفراط‭ ‬وسوء‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬والإدمان‭ ‬عليها،‭ ‬فدعا‭ ‬إلى‭ ‬تقنين‭ ‬وتنظيم‭ ‬استخدامها‭ ‬عاجلاً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفلت‭ ‬الزمام‭ ‬من‭ ‬أيدينا،‭ ‬وتخرج‭ ‬عن‭ ‬سيطرتنا‭ ‬والتحكم‭ ‬فيها،‭ ‬فتتجذر‭ ‬بصماتها‭ ‬السيئة‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬برمته‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحها‭ ‬وعلاجها‭.‬

فقد‭ ‬حذر‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬،‭ ‬فيفك‭ ‬ميرثي‭ (‬Vivek‭ ‬Murthy‭) ‬في‭ ‬17‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬افتتاحي‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬النيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬الأمريكية،‭ ‬حيث‭ ‬دعا‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬سريعاً‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سن‭ ‬قانون‭ ‬يلزم‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى‭ ‬المنتجة‭ ‬لهذه‭ ‬الأدوات‭ ‬الحديثة،‭ ‬مثل‭ ‬جوجل،‭ ‬وفيس‭ ‬بوك،‭ ‬ومنصة‭ ‬أكس،‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬ووضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية،‭ ‬وملصقات‭ ‬توجيهية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬والتطبيقات،‭ ‬ومنصات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ومن‭ ‬العبارات‭ ‬التحذيرية‭ ‬التي‭ ‬يقترحها‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬صحة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬هي‭: ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بوقوع‭ ‬أضرار‭ ‬جسيمة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬للمراهقين‮»‬‭. ‬فوجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬تدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر،‭ ‬تُلفت‭ ‬عناية‭ ‬ورعاية‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬برمته،‭ ‬وتوقظ‭ ‬الآباء،‭ ‬وأوليا‭ ‬الأمور،‭ ‬والمسؤولين‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬وغيرهما‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬إدراكهم‭ ‬ووعيهم‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬هبَّة‭ ‬جماعية‭ ‬مجتمعية‭ ‬لمكافحة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ولج‭ ‬إلى‭ ‬بيوت‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬وخلق‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬كبيرة‭ ‬وطارئة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية‭ ‬للأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬والمراهقين،‭ ‬بل‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭. ‬

كما‭ ‬أصدر‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بياناً‭ ‬استشارياً‭ ‬صحياً‭ ‬توضيحياً‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬المتفشية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وخاصة‭ ‬سقوط‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬والشباب‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬الأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أسبابها‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

وقد‭ ‬نُشر‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬الاستشاري‭ ‬الصحي‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والصحة‭ ‬العقلية‭ ‬للشباب‮»‬،‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬أبواب،‭ ‬منها‭ ‬الفصل‭ ‬حول‭ ‬سلبيات‭ ‬وايجابيات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين،‭ ‬ثم‭ ‬يُقدم‭ ‬الأدلة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬المخاطر‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمحتوى‭ ‬التواصل‭ ‬والتهديدات‭ ‬المتزايدة‭ ‬للإفراط‭ ‬وسوء‭ ‬الاستخدام‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬يقدم‭ ‬بعض‭ ‬الإحصائيات‭ ‬حول‭ ‬انتشار‭ ‬استخدام‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬95%‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬إلى‭ ‬17‭ ‬يستخدمون‭ ‬منصات‭ ‬التواصل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المراهقين‭ ‬يقضون‭ ‬معدل‭ ‬4‭.‬8‭ ‬ساعات‭ ‬يومياً‭ ‬مع‭ ‬صحبة‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وخاصة‭ ‬يوتيوب،‭ ‬وتيك‭ ‬توك،‭ ‬وإنستجرام،‭ ‬وسناب‭ ‬تشات،‭ ‬وإكس‭. ‬

جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬اليوم،‭ ‬لكنها‭ ‬تتفاقم‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬وتظهر‭ ‬مؤشراتها‭ ‬المهددة‭ ‬للصحة‭ ‬العقلية‭ ‬والنفسية‭ ‬للشباب‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة،‭ ‬ولذلك‭ ‬نبه‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬وأصدر‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2023‭ ‬وثيقة‭ ‬الاستشارة‭ ‬الصحية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أزمة‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭: ‬تأثير‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العقلية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬وصف‭ ‬عندها‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬صحة‭ ‬عامة‭ ‬عاجلة‮»‬،‭ ‬وأنها‭ ‬أزمة‭ ‬إدمان،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬مع‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التطبيقات‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الموجودة‭ ‬بداخله‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬تحذيرات‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬نُشر‭ ‬كتابٌ‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬2024‭ ‬ونال‭ ‬شرف‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬الكتب‭ ‬مبيعاً‮»‬‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬النيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬العريقة،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الجيل‭ ‬القلق‭: ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬التجديد‭ ‬الكبير‭ ‬للطفولة‭ ‬يسبب‭ ‬وباء‭ ‬المرض‭ ‬العقلي‮»‬‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬‮«‬جوناثون‭ ‬هيدت‮»‬‭.‬‮ ‬فهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يتناول‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الحيوية‭ ‬المصيرية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وتتفاقم‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭ ‬وتزيد‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬سرعتها‭ ‬ونطاق‭ ‬ودائرة‭ ‬تأثيرها‭ ‬عاماً‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يمس‭ ‬أهم‭ ‬فئة‭ ‬عمرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬بدون‭ ‬استثناء،‭ ‬وهي‭ ‬فئة‭ ‬فلذات‭ ‬أكبادنا‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬والشباب،‭ ‬فهي‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬القاعدة‭ ‬الأساسية‭ ‬الصلبة‭ ‬للبناء‭ ‬والنمو‭ ‬المستدام‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭. ‬فهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يشير‭ ‬باختصار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬وما‭ ‬يحتويه‭ ‬من‭ ‬تطبيقات‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬بين‭ ‬الشباب،‭ ‬ويبين‭ ‬بالأدلة‭ ‬بأن‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تتمحور‭ ‬وتتمركز‭ ‬حول‭ ‬الألعاب‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬والمدرسة‭ ‬والحديقة‭ ‬قد‭ ‬استبدلت‭ ‬الآن‭ ‬باللعب‭ ‬بالهاتف‭ ‬النقال‭. ‬

ولكن‭ ‬هل‭ ‬سينجح‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بسهولة‭ ‬وبسرعة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬تشريع‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العملاقة‭ ‬والمتنفذة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والمسيطرة‭ ‬على‭ ‬توجهات‭ ‬وقرارات‭ ‬رجال‭ ‬التشريع‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ؟

فهذه‭ ‬الشركات‭ ‬لن‭ ‬تقف‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬الجديدة‭ ‬لوضع‭ ‬ملصقات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬منتجاتها،‭ ‬وهذه‭ ‬الشركات‭ ‬لن‭ ‬ترفع‭ ‬العلم‭ ‬الأبيض‭ ‬مستسلمة‭ ‬لهذا‭ ‬الطلب‭. ‬فوضع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العبارات‭ ‬والملصقات‭ ‬التي‭ ‬تُحذر‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬تطبيقات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يعني‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬انخفاض‭ ‬أرباحها‭ ‬ونفور‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬شركات‭ ‬قائمة‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬والكبير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬أرباحها‭ ‬مهما‭ ‬كان،‭ ‬سواء‭ ‬صحة‭ ‬الشعب‭ ‬عامة،‭ ‬أو‭ ‬صحة‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬خاصة‭.‬

ولذلك‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬الحرب‭ ‬الضروس‭ ‬الماراثونية‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬لوبي‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬المنتفعة‭ ‬والمستفيدة‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬المعنية‭ ‬بالصحة‭ ‬العامة‭. ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬تُذكرني‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تدخين‭ ‬السجائر‭ ‬ووضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬علب‭ ‬السجائر‭. ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬في‭ ‬1964‭ ‬التقرير‭ ‬التاريخي‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬فيه‭ ‬مخاطر‭ ‬التدخين‭ ‬الصحية‭ ‬وعلاقته‭ ‬بسرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬واقترح‭ ‬أيضاً‭ ‬وضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬علب‭ ‬السجائر‭. ‬فعندها‭ ‬بدأت‭ ‬الحرب‭ ‬الشرسة‭ ‬بين‭ ‬لوبي‭ ‬وشركات‭ ‬السجائر‭ ‬والجهات‭ ‬الصحية،‭ ‬واستمرت‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬تُراوح‭ ‬وتدور‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم،‭ ‬حتى‭ ‬اضطرت‭ ‬شركات‭ ‬السجائر‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬ومعتدل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم،‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬عبارات‭ ‬مخففة‭ ‬وغير‭ ‬كافية‭ ‬لمنع‭ ‬التدخين،‭ ‬فكان‭ ‬الملصق‭ ‬الأول‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬تحذير‭: ‬تدخين‭ ‬السجائر‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬خطراً‭ ‬لصحتك‮»‬‭. ‬ولم‭ ‬تنته‭ ‬الحرب‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬غير‭ ‬المجدية‭ ‬وغير‭ ‬القوية‭ ‬حول‭ ‬أضرار‭ ‬التدخين،‭ ‬فاستمرت‭ ‬المعارك‭ ‬على‭ ‬أشدها‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬الشر‭ ‬وقوى‭ ‬الخير‭ ‬حتى‭ ‬انتصر‭ ‬الخير‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬فألزمت‭ ‬شركات‭ ‬التبغ‭ ‬بوضع‭ ‬عبارات‭ ‬واضحة‭ ‬وقوية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬التدخين‭ ‬قاتل‭ ‬ويسبب‭ ‬عدة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬السرطان‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬الحتمي‭. ‬

ولذلك‭ ‬فبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ففي‭ ‬تقديري،‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬سيمر‭ ‬بالمراحل‭ ‬العقيمة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬مرَّ‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التبغ،‭ ‬وسيواجه‭ ‬العقبات‭ ‬والمعوقات‭ ‬نفسها،‭ ‬وستكون‭ ‬هناك‭ ‬حتماً‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬المحتدمة‭ ‬القاسية‭ ‬بين‭ ‬شركات‭ ‬التقنيات‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا