هَسْبَرَة أو هاسبارا كلمة عبرية تعني «الشرح والتفسير»، وتشير إلى جهود العلاقات العامة لنشر «المعلومات» الإيجابية في الخارج، أو الدعاية لـ«دولة إسرائيل» وشرح سياساتها وتبرير أفعالها، وتستخدم من قبل الحكومة الإسرائيلية ومؤيديها كـ«تقنية دبلوماسية» لربط حرب المعلومات بالأهداف الاستراتيجية لـ «دولة إسرائيل»، ولوصف الجهود التي تقوم بها وأنصارها من الصهيونيين والمتصهينين لتوضيح وجهة نظرها، وتعزيزها في مواجهة ما تعتبره بالإعلام «السلبي»، ومواجهة ما تعتبره محاولات نزع الشرعية عن «إسرائيل» ومعاداتها واستهدافها في جميع أنحاء العالم. كما هي تهدف اساساً إلى تكوين صورة إيجابية لإسرائيل على المسرح العالمي، من خلال خطوات وبرامج موظفة للتأثير على الشعوب الأجنبية والرأي العام.
لطالما اعتمدت «إسرائيل» على استراتيجية «الدبلوماسية الشعبية العامة» في تبييض صفحتها والتلاعب بالرأي العام. ومع تصاعد اعتداءاتها المختلفة على الفلسطينيين، يستمر تأطير الرواية السائدة التي يتم تداولها غالبًا في وسائل الإعلام الغربية بشكل يصب في صالح الرواية الإسرائيلية، والتي تصور «إسرائيل» على أنها جهة فاعلة عقلانية وبريئة، يثيرها «تهديد إرهابي وجودي غير عقلاني»، مما يجعل أي انتقاد لأفعال وجرائم إسرائيل بمثابة اعتذار فعلي عن الإرهاب.
وفي اللحظة الراهنة، تسعى «إسرائيل» إلى الموازنة بين آلة الحرب العسكرية المستعرة في حصد أرواح آلاف الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة التي لها –برأيها– ما يبررها باعتبارها «عملية دفاع عن النفس» ردا على الهجمات التي شنها الفلسطينيون واستخدامهم المدنيين كدروع بشرية! ولطالما اهتمت آلة الحرب الإعلامية الصهيونية المرتبطة ببناء «سردية خاصة» حول «الأحداث» لكسب تعاطف المجتمع الدولي وحشد أكبر دعم ممكن. حيث لا تقل «حرب السرديات» أهمية عن الحرب العسكرية.
تدرك «إسرائيل» جيدا أنه لا يمكنها أن ترتكب جرائم «حرب آمنة» مع الإفلات من العقاب، إلا إذا كانت هناك آلة دعاية قوية يمكنها النشر والتجييش –عند الطلب– لمواجهة الإدانة العامة الحتمية المفترضة والتضامن الدولي مع الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، ولإنجاز مهمتها، تستهدف «الهزبرة» الدبلوماسيين والسياسيين والرأي العام من خلال الاتصالات المباشرة ووسائل الإعلام، ومن خلال عديد المعاهد والوكالات الحكومية، ومراكز الأبحاث والجامعات والمنظمات غير الحكومية وجماعات الضغط.
وتقدم «إسرائيل» –على سبيل المثال– زمالات ومنحا دراسية لتعزيز الدعوة المؤيدة لها، في حين يعمل عديد الصحفيين والمدونين لتكوين صورة إيجابية عن «الدولة» لدى شعوب الدول الأخرى عن طريق توظيف تكنولوجيا الاتصال الحديثة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يبدو أنه ربط للعلاقة العملية بين ممارسة العلاقات العامة الدولية والدبلوماسية الشعبية.
وعبر (الهزبرة)، تستمر «إسرائيل» في تسويق روايتها عن نفسها على أنها الضحية البريئة للإرهاب الفلسطيني، التي يجب منحها حق الدفاع السيادي ضد «الاعتداء الوجودي»!! هذا، على الرغم من حقيقة احتلالها ومتابعة اعتداءاتها وتصعيدها في كل مرة، وامتلاكها قوة جوية متقدمة ضد خصم لا يملكها، وتفريغها مئات أطنان القنابل على رؤوس السكان العزل! ومع كل انتشار لصور الدمار وجثث المدنيين الأبرياء الفلسطينيين (والعرب) الممزقة أوصالهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يضطر مؤيدو «الهزبرة» إلى مضاعفة جهودهم في حملات العلاقات العامة المنظمة جيدًا، وتبرير أي استخدام غير متكافئ للقوة!
لقد استخدمت «إسرائيل» وتستخدم مفهوم معاداة السامية، التي تعني التحيز ضد الشعب اليهودي والتعامل معه استنادًا إلى أحكام مسبقة، لحماية نفسها من المساءلة، ولإخفاء حقيقة الاحتلال، وإنكار السيادة الفلسطينية. كما أن المفهوم نفسه يستخدم اليوم لتبرير عدوان إسرائيل على قطاع غزة (والضفة الغربية) وإسكات الانتقادات داخل المجتمع الدولي، وكذريعة لارتكاب المزيد من جرائم حرب بقصد الإبادة الجماعية.
ونظن –وليس كل الظن إثما– أنه مازال في جعبة أو ترسانة مهندسي «الهزبرة» العديد من الاستراتيجيات التي سيلجؤون إليها عاجلا أم آجلا لاستعادة «الصورة الزاهية» للدولة الصهيونية ما قبل السابع من أكتوبر ولمحو صورتها القبيحة التي تشكلت بعده.
وربما كان «التكتيك» الأكثر شيوعًا هو الإمعان في ربط أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية، سواء انتهاكات حقوق الإنسان أو الاستعمار/ الاستيطان غير القانوني للأراضي الفلسطينية، أو أي شكل من أشكال العدوان أو الجرائم ضد الإنسانية، بـتهمة «معاداة السامية» المعلبة والجاهزة.
والحال كذلك، وعلى درب تكريس عملية تحول «الهزبرة» الإسرائيلية الى «زعبرة» مكشوفة عالمياً، هل نسارع، من الآن، إلى إقامة مؤسسة إعلامية تستفيد اساساً من الإنجازات الإعلامية المتحققة فلسطينياً وتقوم بتجنيد (والاهم: مأسسة) الصورة الإسرائيلية القبيحة التي تكرست منذ السابع من أكتوبر، وكذلك مأسسة السردية الفلسطينية وما تتضمنه من المعاناة الطويلة والحقوق المسلوبة على قاعدة وقف تلك المعاناة واسترداد تلك الحقوق؟ ذلكم هو التحدي الكبير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك