إيران انتخبت رئيسا جديدا، وبحسب المراقبين، ينظر إليه كرئيس معتدل يمثل الجناح الإصلاحي. ولكن ما معنى الديمقراطية الإيرانية في ظل هيمنة ولاية الفقيه وسيطرة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على القرار السياسي؟
مرشح المحافظين المتشدد سعيد جليلي ومرشح الإصلاحيين مسعود بزشكيان انتقلا من الجولة الأولى إلى الجولة الثانية وهي الأخيرة التي تمكن من خلالها بزشكيان من أن يكون رئيسا جديدا للجمهورية الإيرانية.
بالتأكيد هناك مسافة تفصل بين رئيس محافظ ورئيس إصلاحي. ولكن تلك المسافة تصغر وتكبر حسب الزاوية التي يتم النظر من خلالها. فتجربة رئيس إصلاحي ليست جديدة على إيران. كان هناك حسن روحاني وهو إصلاحي معمم. وحين زار روما اضطرت إدارة متحفها إلى تغطية التماثيل الأثرية الرومانية العارية بناء على رغبة الرئيس الذي زار المتحف.
بعد أكثر من أربعين سنة على هيمنة الولي الفقيه ومؤسساته على مقاليد الحكم صار الإيرانيون على دراية بأساليب اللعبة الديمقراطية في بلادهم. فلا فرق بين محافظين وإصلاحيين إلا على مستوى الخطاب الموجه إلى العالم الخارجي. وهو خطاب يتسم بالكثير من الخداع والكذب إذا ما كان إصلاحيا وبالمناورة والتضليل إذا ما كان محافظا.
ولكن الرئيس سواء كان محافظا أو إصلاحيا لا بد أن يكون مؤمنا بخط الإمام الخميني القائم على مبدأ تصدير الثورة الذي يتولى الحرس الثوري شؤونه. وهو ما يعني أن مؤسسة الرئاسة هي أدنى مرتبة من مؤسسة الحرس الثوري التابعة مباشرة إلى المرشد الأعلى.
يبدو الرئيس الإيراني مغلوبا على أمره ولكنه ليس كذلك عمليا. كل الذين حكموا إيران في سياق ديمقراطيتها كانوا معادين للعالم العربي كما لو أن قدسهم ليست جزءا من ذلك العالم. في ذلك يكمن أحد أهم المؤشرات على خضوعهم التام والطوعي لتعليمات الولي الفقيه. فالعداء للعالم العربي يشكل واحدة من أهم مفردات الثورة التي جاءت بنظام حكم الملالي في إيران.
ذلك العداء هو ما كشفت عنه التنظيمات المسلحة التي نشرتها إيران في العالم العربي؛ «حزب الله» في لبنان والحوثيون في اليمن والحشد الشعبي في العراق. كل تلك التنظيمات إنما وُجدت من أجل القفز على العروبة كما لو أنها لم تكن. لذلك فإن التفكير برئيس إيراني إصلاحي باعتباره أملا في استقرار المنطقة هو نوع من الخيال الساذج.
الشعب الإيراني اليائس من رئاسته لن ينتخب إلا رئيسا عدوّا للعرب. ذلك هو الخيار الوحيد أمامه وهو بحكم تربيته الوطنية والطائفية لن يرى شرا فيما يفعل. سيكون ذلك فعلا ثانويا.
لا يثير العداء للعرب هواجس الإيرانيين العاديين. ما يخيفهم حقا درجة العداء للعالم الخارجي. ولقد كشف النظام الإيراني عن موهبة عالية في التحكم بتلك الدرجة من خلال سلوك حرباوي تصعيدي متلوّن.
يلين القرار السياسي الإيراني حين يشتد حزم المجتمع الدولي ممثلا بالغرب، أما حين تنخفض حدة الصوت الغربي فإن النظام الإيراني يتشدد. وفي الحالين يعرف صناع القرار في الغرب أن القرار الأخير بيد المرشد الأعلى وأن مَن يفاوضونهم مجرد دمى محشوة بكلام، كل الهدف منه شراء الوقت.
لا ينظر العالم باهتمام إلى الانتخابات الرئاسية في إيران كما يفعل مع الانتخابات في دول تعرف شعوبها أن هناك قيمة لأصواتها في إحداث التغيير. ليست الديمقراطية في إيران فرصة للتغيير. فالرئيس هناك سواء كان محافظا أم إصلاحيا لا يفكر أصلا في التغيير بقدر ما يفكر في إثبات ولائه لمبادئ الثورة وإخلاصه لها.
رضا الولي الفقيه هو الغاية التي لا يتم الوصول إليها إلا عن طريق التصالح مع مؤسسة الحرس الثوري وهي عبارة عن أخطبوط يمد أذرعه إلى الدولة بسياستيها الداخلية والخارجية وإلى الاقتصاد بصادراته ووارداته، وإلى المجتمع باعتباره مختبرا لتطبيق قوانين الدولة الدينية التي يقوم الحرس بحمايتها.
وسط ذلك النشاط المحتدم والمحكم تحل مفردة «إصلاح» بطريقة شاذة. علينا هنا أن نتأمل طويلا مفهوم الإصلاح على الطريقة الإيرانية وإن كان ذلك التأمل يغلب عليه اليأس. يضع الإصلاحيون في أجندتهم مسألة إصلاح النظام وهو نظام يغلب عليه الفساد بسبب هيمنة الحرس الثوري عليه. تلك عملية ترقيع لا غنى عنها في محاولة خداع الرأي العام الإيراني الذي سبق له وأن عبر عن استيائه من كبت الحريات العامة وبالأخص حرية المرأة.
وليس من باب التشاؤم القول إن الرئيس الإيراني الجديد، رغم كونه إصلاحيا لن يجرؤ على إطلاق الحريات العامة، فهو شخصيا لا يعمل بحرية. الرئيس سجين مؤسسة يحكم المرشد الأعلى قبضته عليها.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك