في الأسبوع الماضي، هُزم النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك جمال بومان في محاولته الترشح لولاية ثالثة في الكونجرس الأمريكي. وفي معرض تعليقها على هذه النتيجة، لم تتطرق عناوين الصحف الأمريكية ومحللو وسائل الإعلام إلا إلى الجانب السطحي في الحديث عن سبب وكيفية حدوث ذلك والعواقب التي قد تترتب على هذه المنافسة على الانتخابات الأمريكية المستقبلية.
ومن جانبها، حاولت الجماعات المؤيدة لإسرائيل، رغم اعترافها بأنها أنفقت ما مجموعه 25 مليون دولار لهزيمة جمال بومان، اللعب على الحبلين والعزف على وترين. فمن ناحية، قالوا إن مشاركتهم كانت دليلاً حاسما على »أن تكون مؤيداً لإسرائيل هو سياسة جيدة ومجزية«.
ومن ناحية أخرى، حاولت هذه الأطراف التقليل من دورهم، مشيرين إلى أن خسارة السيد جمال بومان كانت بسبب «راديكاليته»، حيث أظهر الناخبون تفضيلهم للمرشح الأكثر «وسطية»، وقارنوا بشكل سلبي بين شغف السيد بومان مع سلوك خصمه الأكثر ثباتًا وهو المدير التنفيذي لمقاطعة ويستتشستر، جورج لاتيمر.
وكانت الدروس التي استخلصتها وسائل الإعلام من كل هذا هي أن الجماعات المؤيدة لإسرائيل فازت بالفعل، وخسر التقدميون، وأن دعم الحقوق الفلسطينية قد يشكل نهجا انتخابيا محفوفا بالمخاطر، غير أن هذه الأطراف قد تجاهلت في الحقيقة القصة الأعمق التي ظهرت في هذه الانتخابات.
أولاً وقبل كل شيء، كان الأمر يتعلق بالمبالغ الضخمة من الأموال التي تم إنفاقها، ولماذا وكيف تم استخدامها، وتأثيرها على المسابقة. إن مبلغ الـ25 مليون دولار التي أنفقتها الجماعات المؤيدة لإسرائيل لهزيمة السيد جمال بومان كانت إلى حد بعيد هي الأكثر إنفاقًا على الإطلاق في الانتخابات التمهيدية للكونغرس، والتي تم استخدامها بشكل أساسي للإعلانات السلبية والهجمات البريدية المباشرة التي تشوه شخصية جمال بومان وتنتقد أسلوبه، ولم يتم ذكر إسرائيل تقريبًا في هذه الإعلانات الدعائية الانتخابية.
خلال بعض مراحل الحملة، تعرض الناخبون لأكثر من ستة من هذه الإعلانات الدعائية التي هاجمته. كان الانطباع الذي نشأ هو أن جمال بومان كان شخصًا معيبًا ومرشحًا غير جدير. وقال لي أحد المراقبين: «لو بقيت والدة جمال في المنزل تشاهد هذا الهجوم السلبي الذي استهدفه، لما صوتت لابنها أيضاً».
هذا هو دور الإعلانات الدعائية السلبية: إلحاق الضرر بالمرشحين الذين يتعرضون للهجوم بحيث يتم تعريفهم على أنهم معيبون لدرجة أن أنصارهم يتم تثبيطهم عن التصويت في يوم الانتخابات. وهذا التكتيك هو ببساطة شكل مكلف من أشكال قمع الناخبين.
وفي الواقع، فقد تفوق لاتيمر على بومان في «التطرف» من خلال الإدلاء بتعليقات مشينة ذات صبغة عنصرية كان من الممكن استخدامها ضده. لكن السيد بومان لم يكن لديه 25 مليون دولار لتحديد شخصية السيد لاتيمر أو تدميرها. وهكذا، نشأ الانطباع بأن السيد بومان كان مرشحا معيبا وأن السيد لاتيمر هو المرشح المسؤول.
من المؤكد أن العنصرية لعبت دورًا في كل هذا، حيث أصبحت المنافسة بين «الشاب الأسود الغاضب والمخيف مقابل الرجل الأبيض الأكبر سنًا الهادئ والمفكر». وهكذا فإن كيفية استخدام الأموال شيء، ولكن سبب جمعها شيء آخر يجب التمعن فيه.
لا شك أن بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل تخسر المناقشة العامة حول السياسة ــ وخاصة بين الديمقراطيين. ويعارض معظم الديمقراطيين بشدة السياسات الإسرائيلية الحالية في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما يريد غالبية الديمقراطيين وقف إطلاق النار وإنهاء المستوطنات، بالإضافة إلى وقف المزيد من شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.
ومع إدراك ذلك، فإن بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل لا تجعل حملاتها الانتخابية بمثابة استفتاء على إسرائيل. وبدلا من ذلك، فإنهم يميلون إلى التركيز على شخصية خصومهم. وعندما يفوزون، يزعمون أن ذلك كان انتصاراً لإسرائيل ودعماً لسياساتها، في حين أنه من المؤكد أنه لم يكن كذلك أبداً.
كان هناك عامل آخر في هذا السباق الانتخابي تجاهله المعلقون إلى حد كبير. فقد تمت إعادة تقسيم منطقة الكونجرس الأمريكي التي ينتمي إليها بومان في العام الماضي (من قبل لجنة على مستوى الولاية ضمت السيد لاتيمر).
أزالت المنطقة الجديدة العديد من المناطق التي كانت أكثر ملاءمة للسيد بومان وتضمنت مناطق جديدة كانت أكثر ملاءمة للسيد لاتيمر. وهذا ما جعل بومان عرضة للخطر وحد من فرصه، ما أتاح لبعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل الفرصة للعب في هذا السباق وجعل الأمر يبدو وكأنهم فازوا على أساس الجدارة.
تاريخيا، كانت هذه هي الطريقة التي يؤدون بها عملهم – ملاحقة المرشحين الضعفاء. ولهذا السبب تركوا وحدهم أعضاء آخرين في الكونغرس على نفس القدر من القوة المؤيدين للفلسطينيين، ولكن أقل عرضة للخطر. ومن ثم نجدهم بعد ذلك يتفاخرون بقدرتهم على دفع الآخرين إلى الاعتقاد بأنهم لا يقهرون.
وإذا أمعنا التفكير في المانحين الداعمين لهذه الحملات المؤيدة لإسرائيل، نجد أنه على الرغم من أنهم مؤيدون لإسرائيل إلى حد كبير، فإن العديد من كبار المساهمين هم من المليارديرات المنتسبين إلى الحزب الجمهوري.
إن استخدام «الأموال المعتمة» غير الخاضعة للتنظيم والتي تلعب دوراً متزايداً في الانتخابات التمهيدية لا بد أن يدق ناقوس الخطر. لقد حاولت مرتين وفشلت في إقناع الحزب الديمقراطي بحظر الصناديق التي تودع فيها مثل هذه الأموال وفشلت في ذلك. وكان تحذيري آنذاك هو أنه إذا كان من الممكن استخدام هذا التكتيك من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل الآن، فلماذا لن تستخدم جماعات الضغط القوية الأخرى هذا النهج في المستقبل؟
وإذا تركت الديمقراطية الأمريكية بلا ضوابط، فإن الديمقراطية الأمريكية، المشوهة بالفعل بفِعل هذه الأموال الضخمة، قد تتعرض للإغراق والتدمير على أيدي أصحاب المليارات الذين قد يجعلون من الانتخابات لعبتهم التي يستغلونها للتلاعب بالناخبين متى شاءوا.
هناك ملاحظة أخيرة موجهة أساسا إلى الديمقراطيين: في حين هُزم السيد بومان، فإن دعم الحقوق الفلسطينية مستمر في التنامي. كما أن استياء الناخبين الذين فضلوا بومان وغيره من أعضاء الكونجرس المستهدفين سوف يستمر في التزايد.
هذه هي الأصوات الديمقراطية التي سيحتاج الرئيس الأمريكي جو بايدن للفوز بها في نوفمبر. لذا، إذا لم يعالج الحزب هذه القضية، فقد يخسر عددًا كافيًا من قاعدته التي تشعر بالاستياء من فشل مؤسسة الحزب في وقف الحرب في غزة والدفاع عن الأبطال التقدميين مثل جمال بومان.
وفي ضوء ذلك، فإن «فوز إسرائيل» في الانتخابات وإلحاق الهزيمة بجمال بومان قد يؤثر سلباً على فرص الديمقراطيين في الفوز في شهر نوفمبر القادم.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك