لا تخلو الآن أي برادة صغيرة كانت أم كبيرة من منتجات غذائية وغير غذائية مكتوب عليها «منتج عضوي»، وفي البرادات الكبيرة بشكلٍ خاص تُشاهد رُكناً خاصاً، أو رفوفاً محددة تُوضع عليها فقط مثل هذه المنتجات التي تُميزها عن المنتجات التقليدية القديمة المعروفة لدى الجميع منذ عقود، وتكون هذه المنتجات العضوية الجديدة عادة الأغلى والأعلى سعراً مقارنة بالمنتجات التقليدية المماثلة لها.
وهذه المنتجات تم إطلاق كلمة «عضوية» عليها لإعطائها وصفاً خاصاً ومميزاً بأنها «طبيعية»، أي أنها غير مُحورة جينياً، وأنها خالية من جميع أنواع الشوائب غير المرغوبة فيها، ولا تحتوي على مواد كيميائية صناعية كالأسمدة الكيميائية وحمئة مياه المجاري، والمواد الحافظة والملونة والمانعة للتأكسد والتلف، أو التي تُغَير من لون المنتج ليزيد من جاذبيته وجماله وتحسين مظهره الخارجي. كما أن هذه المنتجات العضوية الطبيعية لم تصل إليها المبيدات بكافة أنواعها الحشرية، والفطرية، ومبيدات الأعشاب والطفيليات، إضافة إلى عدم ادخال أي نوع من المضادات الحيوية وهرمونات النمو في هذه المنتجات.
ومن أجل تحقيق هدف صناعة «المنتج العضوي»، أو المنتج الطبيعي، تدَّعي بعض الشركات الزراعية الكبرى التي تُنتج المحاصيل الزراعية من خضراوات وفواكه وألبان ولحوم، أو التي تنتج المواد الغذائية الطازجة والمعلبة من هذه المحاصيل، أن جميع أعمالها وممارساتها اليومية، وكافة مراحل إنتاجها للمنتج العضوي يتفق مع أنها فعلاً من «الطبيعية» وإلى الطبيعة، ومن دون استخدام المواد الصناعية في أي مرحلة من مراحل الإنتاج.
ولكن الواقع البيئي المرير الذي نعيش فيه اليوم من تشبع جميع مكونات بيئتنا بشتى أنواع الملوثات، وانتشارها في كل موقعٍ قريب أو بعيد من كوكبنا، يؤكد أن تحقيق هذا الهدف يكون كالظمآن الذي يلحق السراب ظناً منه أنه ماء، فعندما يقترب منه لا يجده شيئاً، ولذلك في تقديري فإن تحقيق هذا الهدف بشكلٍ شامل وكامل وهمٌ لا يمكن الوصول إليه، مهما فعلنا واتخذنا من احتياطات وإجراءات احترازية.
فعلى سبيل المثال، من أول أساسيات المنتج العضوي النباتي والحيواني أن يكون المحصول قد ارتوى بأساس الحياة، أي بمياه نقية عذبة زلال لا توجد بها أي ملوثات، مهما كان نوعها أو تركيزها. ولكن من الناحية العملية الواقعية فإنه من المستحيل جداً الحصول على هذه النوعية الصافية من المياه الخالية كلياً من الشوائب، حتى لو كان هذا ماء المطر الذي ينزل من السماء، والذي من المفروض أن يكون خالياً من الملوثات ومن أية مواد غريبة. ففي عصر التلوث الذي نحن نعيش فيه، فإن الملوثات بجميع أنواعها دخلت إلى جميع مكونات بيئتنا الحية وغير الحية، سواء في البيئات الحضرية والمدن المكتظة بمصادر التلوث، أو في الأرياف والقرى النائية البعيدة عن التلوث.
فمصادر التلوث التي لا تعد ولا تحصى تُطلق الملوثات الخطرة والمسرطنة إلى الهواء الجوي، ثم يرتفع بعضها إلى السماء العليا فيختلط مع السحب ويدخل في تكوين قطرات ماء المطر، حيث ينزل على الأرض ماء ملوث، كالمطر الحمضي المعروف، أو الأمطار الملوثة بالمواد الكيميائية الأخرى مثل الميكروبلاستيك، ومركبات الفلور العضوية. وهذه الأمطار المشبعة بالملوثات تُسمم التربة الزراعية وغير الزراعية، ومنها تنتقل إلى جذور النبات، ثم إلى الساق والورق، فيأكل الإنسان هذا «المحصول العضوي» الملوث بالمواد الكيميائية التي انبعثت من المصانع والسيارات ومحطات توليد الكهرباء. وفي المقابل أيضاً هذا المطر الملوث يسمم الأرض الواسعة الخصبة بالأعشاب والحشائش الطبيعية الفطرية التي ترعى وتتغذى عليها الأبقار والأغنام وغيرهما من الحيوانات الأليفة التي تمثل حجر أساس المنتجات الغذائية العضوية. وهذا يعني أن جميع هذه المنتجات الغذائية التي تعتمد عليها ونُطلق عليها بالمنتجات العضوية تكون قد تلوثت بكميات من السموم، حتى لو كانت منخفضة في تركيزها.
وعلى الرغم من هذه السلبية الرئيسة، فإن هذه المنتجات بشكلٍ عام تكتسب في الكثير من الدول شعبية عالية، ويقْدُم الكثير من الناس على شرائها واستهلاكها، وذلك رُبما اتباعاً للحكمة القائلة: «أخف الضررين، وأهون الشرين». فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2022، أكثر من 15% من مبيعات الخضراوات والفواكه كانت من منتجات تُصنَّف بأنها عضوية، وعليها الختم الرسمي، أو العلامات الخاصة بها المعترف بها من قبل وزارة الزراعة الأمريكية التي تعطي شهادة لهذه المنتجات، كذلك فإن مبيعات المنتجات العضوية الغذائية في أمريكا بلغت 61.7 مليارا في عام 2022، بحسب المنشور من «جمعية التجارة العضوية» في 10 مايو 2023.
والخلاصة، أن المنتجات العضوية في تقديري أفضل بشكلٍ عام من المنتجات التقليدية التي تُصنَّع وتُنتج بكميات ضخمة جداً، وعلى نطاق واسع ولا تأخذ في الاعتبار المحذورات الصحية العامة، ولا تتحرى الدقة في تنفيذ الإجراءات البيئية الآمنة لمكونات البيئة وجودة المنتج، وبالتالي فمن الأفضل شراء المنتجات العضوية الغذائية بدلاً من المنتجات الغذائية التقليدية.
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك