سعدتُ للغاية بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي اختيار أحد أبناء جيلي لتولي منصب وزير الخارجية المصري في التشكيل الوزاري الجديد، وهو السفير الدكتور بدر عبدالعاطي، والذي عمل في الفترة الأخيرة سفيرًا لمصر في كلٍّ من ألمانيا ثم في الاتحاد الأوروبي ببروكسل.
والدكتور بدر عبدالعاطي زميلُ دراسة وجمعتنا علاقة صداقة وطيدة خلال فترة الدراسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في الثمانينيات.
وهناك حقائقُ موضوعيَّة يكرسها وصولُ الدكتور بدر عبدالعاطي إلى رئاسة الدبلوماسية المصرية في المرحلة الراهنة.
فمن حيث المبدأ يُعد تعيينه بمثابة تكريم لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي كان لها دورٌ كبير في إعداد وتخريج الآلاف من الكوادر الدبلوماسية المصرية والعربية على مدى أكثر من 60 عاما متواصلة، ليكون أول وزير للخارجية من خريجيها فقد لعبت هذه الكلية العريقة دورًا علميًّا وأكاديميًّا بارزًا في التأصيل للعلوم السياسية والعلاقات الدولية وإقامة مدرسة عربية متميزة في هذه العلوم بحيث باتت مرجعًا عربيًّا ودوليًّا في معرفة المبادئ والقيم التي تحكم التوجهات العربية في المجالات الدبلوماسيَّة والسياسيَّة والعلاقات الدوليَّة، فضلا عما حققته أيضا في علوم الاقتصاد والإحصاء والإدارة العامة.
ومن جانب آخر، فإن تعيين الدكتور بدر عبدالعاطي وزيرا للخارجية يفتح آفاقًا واسعة لعودة الدبلوماسية المصرية للعب دورٍ بارزٍ في القضايا العربية.. فالدكتور عبدالعاطي معروف عنه توجهاته القومية وحماسه لقضايا التكامل والوحدة العربية منذ أن كان طالبًا في مقاعد الدراسة.
فالدكتور عبدالعاطي هو من مواليد محافظة أسيوط في صعيد مصر، وكل أبناء أسيوط يفخرون بأن محافظتهم قدمت للأمة العربية الزعيم العربي التاريخي جمال عبدالناصر ابن قرية بني مر التابعة لأحد مراكز محافظة أسيوط، ومعروف للجميع الدور التاريخي الذي نهض به جمال عبدالناصر في جعل فكرة القومية والوحدة العربية حلمًا يراود الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.
ولذلك كان اعتزاز الدكتور عبدالعاطي بالتوجهات القوميَّة لعبدالناصر أمرًا يزهو به باستمرار في كل الحوارات والمناقشات التي جمعتنا في مناسبات عديدة.
ولعل هذه التوجهاتِ القوميَّة قد انعكست على مسيرة الدكتور عبدالعاطي خلال عمله الدبلوماسي، فقد تولى إدارةَ فلسطين في الخارجية المصرية، وهي واحدةٌ من أهم الإدارات في وزارة الخارجية المصرية، كما عمل فتراتٍ طويلة في فريق وزارة الخارجية المنخرط في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل، بهدف إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وفي هذا الإطار يُعد أحد خبراء الخارجية المصرية في ملف عملية السلام والقضية الفلسطينية.
وعندما يأتي تعيينه لرئاسة الدبلوماسية المصرية في الوقت الذي تشهد فيه القضية الفلسطينية تطوراتٍ تاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي في ضوء حرب الإبادة الهمجية التي تشنها إسرائيلُ ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وانكشاف مشاريعها التوسعية لضم الضفة الغربية ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة إحياء مشروع الوطن البديل بتهجير الفلسطينيين إلى شرق الأردن والقضاء تماما على فكرة إقامة دولة فلسطينية في إطار صيغة «حل الدولتين»، فإن تعيين الدكتور عبدالعاطي ليقود الدبلوماسية المصرية في هذا الوقت يُعد أمرًا بالغ الأهمية يعكس الأولوية الكبرى التي تعطيها القيادة المصرية للقضية الفلسطينية في هذه الأوقات الفاصلة من الصراع مع إسرائيل.
ومن هذه المنطلقات يمكننا التأكيد أن الدكتور عبدالعاطي سيبذلُ جهودًا كبيرة لإعادة الفاعلية والوهج لدور الدبلوماسية المصرية وخاصة في القضايا العربية وقد ظهر ذلك جليًّا في أول تصريحاته الإعلامية بعد أداء اليمين الدستورية، حيث أكد أنه يدرك عظمَ المسؤولية الملقاة على عاتقه في تعزيز فاعلية دور الدبلوماسية المصرية في المرحلة المقبلة وحماية مقدرات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في الوقت الراهن وخاصة في المحيط الإقليمي، في ضوء استمرار عدة أزمات ملتهبة في الجوار الجغرافي في فلسطين والسودان وليبيا، بالإضافة إلى ملف أزمة مياه النيل المستمرة منذ سنوات مع إثيوبيا.
وقد جاءت تصريحات الوزير عبدالعاطي في مؤتمر «القوى السياسية والمدنية السودانية» بالقاهرة والتي أكد فيها أن مصر ستبذل كلَّ ما في وسعها لوقف نزيف الدم في السودان ووضع نهاية للأزمة السودانية لتؤكد رؤيته القومية في التصدي لمعالجة كل القضايا القومية، وإعادة الاعتبار لمحورية الملف السوداني في توجهات الأمن القومي المصري وللتحركات الدبلوماسية المصرية في الإطار العربي.
وإذا كانت الدبلوماسيَّةُ المصرية قد عرفت طوال تاريخها رجالا تركوا بصمات واضحة ذات توجه عربي قومي بارز مثل السيد محمود رياض والوزير عمرو موسى وكلاهما قد شغل موقع أمين عام الجامعة العربية، فإننا نتوقع أيضا أن الدكتور بدر عبدالعاطي بتوجهاته العروبية وحماسه لنصرة القضايا العربية، سيلعب دورًا مهما في تعزيز العمل العربي المشترك وإعادة الفاعلية والتنسيق بين وزراء الخارجية العرب لتعظيم فاعلية الدور العربي في الساحة الدولية، وخاصة أن التحولات العالمية في الوقت الراهن مع انهيار مصداقية أمريكا والغرب وخاصة في ضوء الانحياز غير الإنساني وغير الحضاري لإسرائيل في عدوانها على غزة، وبروز الدور الصيني والروسي في مواجهة التحدي الغربي، هي عوامل تجعل من الممكن للعرب بمزيد من التنسيق والثقة والفاعلية استعادة القدرة على التأثير في المشهد السياسي العالمي.
وختامًا، ونحن نهنئ الزميل والصديق الدكتور بدر عبدالعاطي بثقة القيادة السياسية، نتمنى له التوفيق والنجاح في تحقيق التطلعات المصرية والعربية في مواجهة التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصر والوطن العربي في مرحلة فاصلة من تحولات النظام العالمي في ضوء الاتجاه الحتمي من عالم تحكمه القطبية الواحدة بزعامة الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك