لا أحب أن أدخل أو أتدخل في المشاكل الاجتماعية، فهذا الموضوع له ناسه ورجالاته وأهله، ولكن بعض الإخوة والأخوات يتصلون ويصرون أن أكون أنا الوسيط أو أن أقوم على الأقل بسماع مشاكلهم، فأجلس معهم لأستمع ثم بأسلوب (الكوتشينج) نحاول أن نتوصل إلى بعض الأمور أو الحلول التي تساعدهم على حل المشاكل التي يعانونها.
وبعض المشكلات ربما تكون بسيطة ويمكن حلها من جلسة واحدة، وبعضها تأخذ فترات طويلة، وبعض المشكلات لا تحتاج إلى حلول إذ إنها محلولة ولكن صاحب المشكلة يريد فقط أن يتحدث ويفضض، فهو أو هي تحتاج فقط إلى شخص يستمع. وسأحاول اليوم أن أنقل بعضا من تلك المشكلات التي آلمت بعض الرجال، ولكن بعد الاستئذان من أصحابها حتى تعم الفائدة إذ إن بعضها أو العديد منها تتكرر بطريقة أو بأخرى.
المشكلة الأولى: يقول صاحبها؛ عقدت عقد النكاح على فتاة محترمة، وفي الحقيقة كانت البنت محترمة جدًا وخلوقة جدًا، وكل شيء فيها جميل، ولكن بعد عدة أشهر اكتشفت أنها تحب سماع أنواع من الفرق الموسيقية الغربية والشرقية التي لا أستوعبها أنا، بل لا أستسيغها، وأشعر أن حب خطيبتي لهذه النوعية من الفرق الموسيقية منقصة من رجولتي وكرامتي، فماذا يمكنني أن أفعل حتى أجعل خطيبتي تترك هذه النوعية من الموسيقى والفرق وكل هذه الأمور التي لا أستسيغها؟
هذه المشكلة تتكرر بصور كثيرة وبطرق وأنواع مختلفة، ففي بعض الأحيان يكون الاختلاف في وجهات النظر في أمور نعتقدها تافهة مثل أي لون تفضل وأي لون هو يفضل، وبعض الأحيان يكون الاختلاف في الآراء والأفكار، فقد وجدت ذات يوم أن الفتاة تطلب من أهلها أن يبلغوا الرجل أو الزوج أو الخطيب أن يحب فريد الأطرش لأنها تحب فريد الأطرش وإلا فإنها لن توافق على الزواج، وكذلك بالنسب للفرق الرياضية وما إلى ذلك.
الغريب في الموضوع، أن كل تلك الاختلافات لا تكون في جوهر الموضوعات، وإنما هي قشور، وأنه يمكن أن تُحل مثل هذه الاختلافات بسهولة ومن غير أي تعقيد. إذ إنها يمكن أن تنتهي بمجرد الحوار والنقاش على تحديد أولويات الحياة بدل الدخول في مثل هذه الأمور البسيطة، فالحياة التي سوف يعيشونها أكثر تعقيدًا ومشقة من كل هذه الأمور، وهذا هو دور الوالدين وحتى الزوج والزوجة.
المشكلة الثانية: يقول صاحبها؛ عقدت على فتاة مدة 6 أشهر، كنا خلالها نخرج ونذهب إلى المطاعم ونتنزه وما إلى ذلك، ونفعل كل ما يحلو للخطيبين أن يفعلا، وبعد تلك الفترة طلبت الطلاق من غير مقدمات، ووجدت أنني لا أستطيع محادثتها، إذ إنها حظرت رقم تليفوني بحيث لا يمكنني أن أحادثها أبدًا، ذهبت إليها في مكان العمل، ولكن من غير فائدة، حاولت محادثتها، ومحادثة إخوانها، والدها، وكل الأقربين ولكن لا فائدة، والمهم في الموضوع أنني لا أعرف السبب.
وبعد مدة اتصلت بي، فرحت، إلا أنها فتحت عليّ مدفع رشاش، فصارحتني بكل عيوبي وكل المشاكل التي افتعلتها، وكل تفاصيل الشهور الستة التي مضت، وحاولت أن أقاطعها أثناء حديثها عدة مرات إلا أنها لم تعطني فرصة للتحدث، وعندما انتهت أغلقت هاتفها، ومرة أخرى حظرت رقم هاتفي.
ذهبت إلى بيت والدها ودخلت، لكنها لم تحضر، جلس والدها معي وقال: «لا يوجد نصيب، نحن بانتظار ورقة الطلاق»، ذهلت، ماذا أفعل؟
عندما جلست مع هذا الشخص، سألته: هل ما قالته لك في الهاتف حقيقة، بمعنى أنك كنت تتسبب في افتعال المشاكل وأنك صاحب عيوب، كما ذكرت هي؟
قال: أقسم بالله أني لا أعرف أن كل هذه أخطاء، فأنا لا أعرف حتى كيفية التعامل مع النساء، ربما كانت أخطاء ولكن أنا لم أكن أعرف أنها أخطاء، أنا غليظ نوعًا ما في تعاملي، ليس مع النساء فحسب وإنما مع كل الناس، حتى – في بعض الأوقات – مع اخوتي وأخواتي ووالديّ.
ثم سكت لحظة، وقال: ولكني أريدها.
قمت بالاتصال ببعض الإخوة والأخوات الذين يقومون بعمل دورات في الشؤون الزوجية التي تقام عادة للعرسان الجدد حتى يلتحق بواحدة من تلك الدورات، وبالفعل انتهت مشكلته وعادت إليه خطيبته، وهو اليوم أب لطفلين.
المشكلة الثالثة: يقول صاحبها؛ طلبت زوجتي الطلاق بعد زواج دام 15 سنة، عشنا معظمها خارج البلاد، وبعد انتهاء كل تلك الأعمال التي قضيتها خارج البلاد، عدنا إلى الوطن وأنا في غاية السعادة، إذ إنني سأتمكن من العيش بهدوء وسكينة بعد سنوات الغربة.
وذات يوم عدت إلى المنزل بعد أن غادرته صباحًا، لم أجد زوجتي ولا أولادي، قلت في نفسي: «حتمًا أنها ذهبت إلى منزل والدها». جرى الوقت، وجاء وقت المغرب إلا أنها لم تتصل، فبادرت بالاتصال بها، إلا أنني وجدت هاتفي محظورا ولا يمكن الاتصال بها، استغربت.
فاتصلت بوالدها، فقال لي والدها إن «زوجتك تطلب الطلاق»، صاعقة ونزلت على رأسي، وبعد أن ذهبت من هول المفاجأة قلت «يا عمي، لا تمزح، فمثل هذه الأمور لا مزاح فيها»، وفي الحقيقة أنا أعرف أن والد زوجتي لم يكن من أهل المزاح، فطلبتها على هاتف والدها إلا أنها رفضت أن تحادثني، فأغلق الخط.
يقول صاحب المشكلة، جلست على أقرب أريكة، وأنا أفكر في حياتي، شريط سينمائي طويل يمر أمامي، «لم أكن سيئًا معها، لم أكن مقصرًا لا عاطفيًا ولا ماديًا، كانت كل طلباتها مجابة، لم أكن من أهل السهر إذ أخرج للسهر مع أصدقائي وأتركها مع العيال، وإنما كنت أشاركها كل صغيرة وكبيرة، فقد كرست كل حياتي سواء عندما كنا خارج البلاد أو عندما نعود إلى البلاد في الإجازات، لقد كانت سعيدة معي، هي كانت تقول ذلك، هل كانت تمثل السعادة، أم كانت سعادتها مزيفة؟ لا أعرف».
هذه المشكلة كانت مستعصية جدًا، إذ إننا لم نجد السبيل للدخول مع الزوجة في حوار، لأنها أغلقت كل منافذ الهواء، حتى لا يستطيع هذا الرجل أن يعرف ما بها، وما الأسباب التي دعتها أن تقوم بذلك.
طلبت من الرجل أن يتريث ويترك الموضوع عدة أيام، ويحاول أن يتجاهل طلب أسرة زوجته الطلاق، ولكن تلك الأيام استمرت عدة أشهر، وفي الأخير اتصل والد الزوجة بالرجل ليهدده إن لم (يطلق) فإنهم سيلجؤون للمحاكم، فقلت له: هذا هو المطلوب على الأقل سنعرف لماذا تريد الطلاق.
إلا أنهم لم ينفذوا التهديد، فذهبنا نبحث في أعماق الموضوع من هنا وهناك، فتبين أن الزوجة أثناء فترات الغربة تعرفت على (سيدة) من البلاد نفسها، وكانت تلك السيدة تحرض الزوجة على التمرد على زوجها حتى يقدم لها المزيد والمزيد، ومن تلك المطالب أن يسجل البيت الذي يسكنون فيه باسمها، وإلا فإنها ترفض العودة إلى المنزل ببعض الحجج، مثل أنها تكرهه وما إلى ذلك من أمور.
وبعدما انكشف المستور، وجدنا الحل.
المشكلة الرابعة: يقول صاحبها؛ رجعت ذات يوم إلى المنزل، فوجدت جارتي الأرملة واقفة في الشارع مع أولادها الأربعة، وكأن مصيبة وقعت عليهم، وكان الوقت الظهيرة، والشمس قاسية على الأطفال. فسألتها عن الموضوع استفهم، فقالت، إنها وأبناؤها كانوا خارج المنزل لأسباب معينة، وعندما وصلوا الى المنزل قام ابنها الكبير – وهو ليس بالكبير كفاية – بمحاولة فتح الباب، إلا أن المفتاح انكسر في القفل، وهو الآن لا يفتح، ولا تعرف ماذا تفعل.
فهدأت من روعها، ثم طلبت منها أن تدخل منزلي بعد أن استأذنت من زوجتي، وبعدها ذهبت إلى صاحب ورشة نجارة فشرحت له الموضوع، ولكنه اعتذر لأنه ليس لديه خبرة في مثل موضوع المفاتيح وما إلى ذلك، لكنه أرشدني إلى إحدى الورش التي يمكنها القيام بذلك.
وبالفعل اتفقنا، وانتهى العمل وفتح الباب، ودفعت له المبلغ المطلوب فغادر، اتصلت بزوجتي عبر الهاتف المحمول وقلت لها أن تقول للجارة إن المشكلة قد حلت، وأنها تستطيع أن تعود إلى منزلها، وبالفعل جاءت وقدمت لها المفاتيح الجديدة، وانتهى الموضوع.
دخلت المنزل، ولكني وجدت أن زوجتي قد قلبت البيت رأسًا على عقب، وكل كلامها ينحسر في «لماذا تساعد هذه المرأة؟ هل بينك وبينها علاقة؟ اعترف».
وبدأت غيرة النساء، فوالله اني ساعدتها لوجه الله، فأنا لا أريد منها أي شيء، جارة في مشكلة، فمن الشهامة أن أقوم بمساعدتها، وخاصة أن زوجها المتوفى كان جارا وصديقا، فهل أخطأت؟ وهل يحق لها أن تزعل؟
هذه المشكلة ليست شائعة، وخاصة في عصرنا الذي لا يعرف فيه الجار جاره، ولكنها تحدث بصورة أو بأخرى.
واستكمالاً للمشكلة، خرجت الزوجة من بيت زوجها، فطلبت من والدها أن يطلب الطلاق من زوجها، فذهبت أنا كصديق مع الرجل لزيارة الأب الذي من الطبيعي أن يقف في صف ابنته، إذ إنه سمع نصف الحقيقة، وعندما قام الرجل أو الزوج بشرح الموضوع بكل جوانبه، همّ الأب فابتسم، وقال للرجل: «غادر أنت الآن، واترك لي الموضوع».
وبالفعل صدق الأب، فبعد عدة أيام اتصل بي الرجل وقال: شكرًا لك، انتهت المشكلة.
وقلت في نفسي: يا ليت كل الآباء هكذا.
المشكلات لا تنتهي، لكنها فقط تحتاج إلى بعض الروية والهدوء للبحث عن بعض الحلول، وخاصة إن كان الطرفان يريدان الحل، فالذين لا يريدون الحل لن يجدوا الحل.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك