عندما خلق الحق سبحانه وتعالى الوجود أقامه على الميزان القسط، وربط ذلك بقوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9) والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام (10)) الرحمن.
وربط الميزان بالسماء التي خلقها الله تعالى، والتي بغير عمد نراها يثير الكثير من التساؤلات المشروعة، والتي ما فتئ الإنسان يطلب أجوبة شافية عنها، وهي تساؤلات يسعى الإنسان جاهدًا إلى فهم الوجود من خلالها يقول تعالى، وهو يتحدث عن الخلق والمخلوقات والعلاقة فيما بينهم، يقول سبحانه: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم(39) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (10) يس.
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن لكل خلق من هذه المخلوقات مكانا خاصا به، وفلكا لا يشاركه فيه مخلوق غيره، فإذا قامت الساعة، وأذن الله تعالى للقيامة أن تقوم، وللأموات أن تُبعَث، وتنصب الموازين بالقسط، فعلى الإنسان وقبل أن تقوم قيامته أن يحرص أشد الحرص على استقامة الموازين، ولنقرأ قوله تعالى وهو يحذرنا ونحن في الدنيا من فساد هذه الموازين وزيغها عن الحق، يقول جل جلاله: (ويلٌ للمطففين (1) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين (6)) المطففين.
إذًا، فعلى الإنسان أن يستحضر ذلك اليوم العظيم.. يوم البعث والنشور، وأن يكون الإنسان في كامل وعيه ويقظته بما سيؤول إليه أمره، إما إلى نعيم خالد، وإما إلى جحيم دائم، ولقد حذر الله تعالى من ذلك اليوم وأهواله، وبَيَنَ بعض علاماته، ويسر السبيل إلى تجاوز عقباته، والقرآن العظيم حين يقص علينا أنباء ذلك اليوم وأهواله لا يقصها لمجرد التسلية وقضاء الوقت، بل هو سبحانه يسوقها في معرض الموعظة والدرس، ويجب على الإنسان أن يستقبلها بما توحيه إليه من دروس وعبر، يقول جل جلاله: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) يوسف / 3.
ولما اختلف الناس في فتية أهل الكهف، وما حدث لهم، والحكمة من قصصهم، قال تعالى: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (13) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططا (14)) الكهف.
ومن موازين الحضارة الإسلامية وسطيتها، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة/ 143.
ومن موازين الحضارة الإسلامية أيضًا رعايتها لحسن الجوار، وحفظ الحقوق قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (9)) الممتحنة.
وفي هذا البيان الإلهي المعجز يتبين لنا أن الإسلام لا يسوي بين الناس المسالم منهم والمحارب لأن في ذلك ظلما كبيرا لا يرتضيه الإسلام.
ومن سمات الحضارة الإسلامية، وصفاتها التي لا تنفك عنها المساواة في الكرامة الإنسانية، يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء/70.
هذه هي الحضارة الإسلامية في ميزان الإسلام، وهذا هو التزام المسلمين بما أوحاه الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) من مكارم الأخلاق، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الإمام مالك، وصدق الله العظيم حين قال عن رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم): (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء/10
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك