العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى» والتهديد الوجودي للاحتلال

بقلم: إحسان الفقيه

الجمعة ٠٥ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬العالم‭ ‬الموسوعي‭ ‬الراحل‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬المسيري‭: ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬حركة‭ ‬قامت‭ ‬باقتلاع‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬أوطانهم،‭ ‬ونقلتهم‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬معادية‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعات‭ ‬تُكن‭ ‬لهم‭ ‬البغض‭. ‬لذا،‭ ‬لجأت‭ ‬الصهيونية‭ ‬إلى‭ ‬العقيدة‭ ‬اليهودية‭ ‬لتحل‭ ‬مشكلة‭ ‬المعنى‭ ‬للمادة‭ ‬البشرية‭ ‬المنقولة‮»‬‭.‬

فدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬الإحلال‭ ‬والتبديل‭ ‬والتهجير‭ ‬والاستيطان،‭ ‬عندما‭ ‬أدخلت‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬اليهودية‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬اليهودي،‭ ‬وهي‭ ‬القومية‭ ‬اليهودية،‭ ‬وقامت‭ ‬باقتلاع‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬التي‭ ‬نبتوا‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬لها‭ ‬سكانها‭ ‬وتاريخهم‭ ‬وثقافتهم،‭ ‬كما‭ ‬انتزعتهم‭ ‬من‭ ‬لغاتهم‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العبرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اندثرت‭ ‬معالمها‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الأول‭ ‬الميلادي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬إقامة‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بالأساس‭ ‬تواجه‭ ‬معارضة‭ ‬من‭ ‬المتدينين،‭ ‬الذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬شتات‭ ‬اليهود‭ ‬إرادة‭ ‬إلهية‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬مخالفتها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يرفضون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لليهود‭ ‬دولة‭ ‬تجمعهم‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬الصعبة‭ ‬ارتدت‭ ‬الصهيونية‭ ‬عباءة‭ ‬اليهودية،‭ ‬وجمعت‭ ‬اليهود‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬المركزية‭ ‬الدينية‭ ‬وهي‭ ‬أرض‭ ‬الميعاد،‭ ‬وفكرة‭ ‬أخرى‭ ‬محفزة‭ ‬وهي‭ ‬أرض‭ ‬اللبن‭ ‬والعسل،‭ ‬أي‭ ‬خيرات‭ ‬فلسطين‭ ‬والمستقبل‭ ‬الواعد‭ ‬للمهاجرين‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬رغد‭ ‬العيش‭.‬

الوجود‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬مرتبط‭ ‬بالكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬اليهودية‭ ‬لأن‭ ‬قوميتهم‭ ‬المزعومة‭ ‬بالأساس‭ ‬قومية‭ ‬بلا‭ ‬أرض،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يؤرق‭ ‬الحكومات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬هو‭ ‬خطر‭ ‬الهجرة‭ ‬العكسية،‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬خطورتها‭ ‬في‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التكوين،‭ ‬ولم‭ ‬تتشبع‭ ‬بالأفكار‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬مهدها،‭ ‬فهي‭ ‬أجيال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يهمها‭ ‬رفاهية‭ ‬العيش‭ ‬والأمان‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ولذلك‭ ‬يهرع‭ ‬المستوطنون‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬مع‭ ‬نشوب‭ ‬الأزمات‭.‬

وتعد‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أبرز‭ ‬أسباب‭ ‬هجرة‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬المنشأ‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وغيرها،‭ ‬وجاءت‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر،‭ ‬لتعزز‭ ‬من‭ ‬مخاوف‭ ‬الاحتلال‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬يتهدده،‭ ‬حيث‭ ‬زادت‭ ‬الهجرة‭ ‬العكسية‭ ‬بشكل‭ ‬حاد،‭ ‬بعد‭ ‬إخلاء‭ ‬المستوطنات‭ ‬حول‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المستوطنين،‭ ‬واستهداف‭ ‬صواريخ‭ ‬المقاومة‭ ‬المدن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬قبل‭ ‬الماضي‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬غادروا‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬إلى‭ ‬900‭ ‬ألف،‭ ‬وبعد‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬هاجر‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف،‭ ‬ففي‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬للمعركة‭ ‬هاجر‭ ‬140‭ ‬ألفا،‭ ‬ثم‭ ‬ارتفع‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬مهاجر،‭ ‬وأخذ‭ ‬العدد‭ ‬في‭ ‬الزيادة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬سكانه‭ ‬اليهود‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬بعد‭ ‬استثناء‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬الاحتلال‭.‬

يعقد‭ ‬الأمر‭ ‬لدى‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬غادروا‭ ‬خلال‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬مطلوبون‭ ‬للتجنيد‭ ‬ويرفضون‭ ‬العودة،‭ ‬رغم‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إليهم‭ ‬بسبب‭ ‬تصاعد‭ ‬أعداد‭ ‬قتلى‭ ‬ومصابي‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

لم‭ ‬تؤثر‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الهجرة‭ ‬العكسية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وقفت‭ ‬حجر‭ ‬عثرة‭ ‬أمام‭ ‬الدعايات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬اليهود‭ ‬بدول‭ ‬العالم‭ ‬للقدوم‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وبذلك‭ ‬فقدت‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬رافدًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لتعويض‭ ‬الهجرة‭ ‬العكسية‭ ‬وتجنب‭ ‬الخطر‭ ‬الديموغرافي‭ ‬الناشئ‭ ‬بسبب‭ ‬تزايد‭ ‬مواليد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خلافًا‭ ‬للإسرائيليين‭.‬

مع‭ ‬طول‭ ‬أمد‭ ‬المعركة،‭ ‬يتناقص‭ ‬عدد‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قتلى‭ ‬ومصابين‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬ومغادرين‭ ‬بالهجرات‭ ‬العكسية،‭ ‬ويترتب‭ ‬عليه‭ ‬زيادة‭ ‬اعتماد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬الاحتياطية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭.‬

المعارك‭ ‬لا‭ ‬يألم‭ ‬لها‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬عدوها‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كذلك‭ ‬يألم،‭ ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬الصمود‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬والمقاومة،‭ ‬تزداد‭ ‬مخاوف‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬الوجودي،‭ ‬والله‭ ‬غالب‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬ولكن‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭.‬

{ كاتبة‭ ‬من‭ ‬الأردن

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا