الديمقراطية من القضايا الأساسية والمهمة التي شغلت حيزا كبيرا من تفكير أهل السياسة والأدباء والمفكرين العرب ولا تزال قضية مطروحة منذ استقلال الدول العربية في النصف الأول من القرن الماضي؛ حيث يرى بعض المفكرين أن أحد أسباب تأخر العرب في اللحاق بالدول المتقدمة هو عدم أخذهم بالنظام الديمقراطي كأساس للحكم في بلدانهم. ولهذا يذهب معظم المفكرين العرب في ملتقياتهم ومؤتمراتهم وندواتهم إلى التأكيد أن الديمقراطية هي الحل لكل مشكلات الدول العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهي حجر الأساس في نهضة الأمم وتقدمها.
من هنا يمكن القول بأن موضوع الديمقراطية في الوطن العربي من الموضوعات القديمة الجديدة في الساحتين الفكرية والسياسية العربية، كما أن طرح هذا الموضوع يتجدد في الأوساط السياسية والإعلامية والصحفية كلما استجد طارئ على بعض التجارب الديمقراطية في بعض الأقطار العربية، كما حصل مؤخراً في دولة الكويت، بعد أن قام أميرها الجديد سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح بحل مجلس الأمة الكويتي وتعليق بعض مواد الدستور. بالمناسبة تُعد التجربة الديمقراطية الكويتية من التجارب العربية الناصعة في فضاء الوطن العربي بالرغم من الشوائب التي تخللتها. ولذلك كان من الطبيعي أن يلقى قرار حل مجلس الأمة الكويتي ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والإعلامية ليس على صعيد الساحة الكويتية فحسب، وإنما في الشارع العربي عامة والخليجي.
ولهذا سيتركز حديثي حول موضوع الديمقراطية وفي بعض التساؤلات التي تم طرحها وهي: هل نحن بالفعل –أقصد المجتمعات العربية- لا تصلح لنا الديمقراطية؟ وهل الديمقراطية بدعة غربية تتنافى مع قيمنا الاسلامية وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، كما يصرح البعض بذلك؟ وهل يمكن نقل الديمقراطية كنظام من الدول الغربية وتعريبها؟ بمعنى نقل الديمقراطية الغربية إلى البيئة العربية مع إدخال بعض التغييرات والتعديلات عليها لتتناسب مع ثقافة المجتمعات العربية. أسئلة عديدة يتم طرحها من حين إلى آخر وفي مناسبات عدة.
قبل الإجابة عن تلك التساؤلات دعونا نتوقف برهة عند فكرة الديمقراطية كما أشارت إليها الأدبيات التي تتناول هذا الموضوع؛ فالديمقراطية كنظام أساسي ظهرت في الدول الغربية وتعني أن «يحكم الشعب نفسه بنفسه» وهي عبارة عن نظام حكم متكامل لا يمكن اختزالها في بعض الإجراءات أو الآليات مثل صناديق الاقتراع، بل يشمل بالإضافة إلى ذلك مبادئ النظام الديمقراطي وقيمه مثل الحريات العامة، وفصل السلطات، والتعددية السياسية إلى غير ذلك من مبادئ وقيم.
الديمقراطية التي نتحدث عنها هنا هي كما جاءت في التعريف الآنف الذكر وهي المطبقة في الدول الغربية وليست الديمقراطية المطبقة في بعض الدول العربية بعد نيلها الاستقلال والتي جاء تطبيقها من بعض زعماء بعض النظم السياسية العربية كمحاولة منهم لتجميل صورتهم أمام العالم فهم ركبوا هذه الموجة وأخذوا بالنظام الديمقراطي كأسلوب للحكم فقط ليقال عنهم إنهم يسيرون في حكمهم على طريق الحداثة ولكن في قرارة أنفسهم غير مقتنعين بهذه الفكرة وإن أخذوا بها فهي من باب «مكره أخاك لا بطل»، حيث إن هذه الفكرة من مقومات الدولة الحديثة فلا بأس من وضعها كديكور ما دمنا نريد أن نسير على طريق التحضر والتقدم، التي بدونها لا يمكن تجميل صورتنا أمام دول العالم المتحضر.
ونتيجة لذلك، ذهب بعض الكتاب العرب وهم معروفون في الأوساط الأدبية والفكرية إلى القول: إن الديمقراطية لا تصلح للبلدان العربية، وان العالم العربي غير جاهز للديمقراطية قطعا وإن العالم العربي بحاجة إلى مستبد مستنير وحكم رشيد، وبعدئذ تجيء الديمقراطية على مراحل تدريجية، بعد أن يستنير الشعب.
في المقابل، هناك عدد ليس قليلا من المفكرين والأدباء والكتاب العرب يرون العكس من ذلك، إذ يؤكدون في مقارباتهم للموضوع أن الديمقراطية هي الحل لكل المشكلات التي يعاني منها الوطن العربي، ويذهبون في كتاباتهم إلى التأكيد أن الديمقراطية المطلوبة لبلداننا هي نفسها التي تطبق في الدول المتقدمة.
في اعتقادي، إذا كانت الديمقراطية قد فشلت في بعض البلدان العربية فهذا لا يعني إطلاقاً أن العيب في الديمقراطية كنظام مع اقرارنا بأنها تحمل في ثناياها عددا من العيوب ولكن تظل في مجملها من أفضل ما توصلت إليه البشرية، بحسب رأي معظم منظري النظم السياسية.
وعلى هذا الأساس لا أتفق مع الرأي الذي ذهب إلى القول بأن الديمقراطية لا تصلح لنا، فهي بكل تأكيد تصلح لمجتمعاتنا العربية مثلما تصلح لأي مجتمع بشري آخر في العالم. لكن السؤال الذي يقفز إلى الذهن هو، لماذا فشلت الديمقراطية في بعض بلداننا العربية؟ أو بمعنى آخر لماذا انحرفت عن مسارها كما يحلو للبعض أن يقول؟
إن الاجابة عن هذا السؤال تتطلب منا أن نلقي نظرة على النظام الديمقراطي في بعض بلداننا العربية وسنكتشف ببساطة أن الديمقراطية في بعض النظم العربية تحمل بعض الملامح الأولية لنظام ديمقراطي، لكنها لا ترقى إلى تلك التي نشاهدها في الدول الديمقراطية العريقة، فهي مازالت تحتاج إلى عملية إصلاح وإن بقيت على وضعها الحالي ستظل قاصرة.
صحيح أن بعض الدول العربية لديها دساتير متوافق عليها وطنياً، وفي نصوصها تحمل أسس بناء الدولة المدنية الحديثة، أي دولة مؤسسات وقانون ومواطنة متساوية في الحقوق والواجبات، لكن تظل بعض هذه النصوص جوفاء وغير مفعلة على أرض الواقع وكثيرا ما يتم مخالفتها وتجاوزها ونتيجة لذلك يبقى الدستور مجرد ديكور للتباهي والتفاخر.
وصحيح أيضاً أن لدى بعض الدول العربية بعض الآليات الديمقراطية مثل الانتخابات العامة وصناديق الاقتراع، لكن النظام الانتخابي في بعض الدول تشوبه الهنات في أعين المراقبين السياسيين سواء في آلية التصويت أو الممارسات الانتخابية.
ولو تعمقنا أكثر في النظام الديمقراطي في بعض البلدان العربية، فسنجد أن بعض المكملات الديمقراطية غير متوافرة في الحدود المتعارف عليها في النظم الديمقراطية خذ مثلا سقف الحريات فهو مازال منخفضاً في معظم البلدان العربية، كما أن تنظيم العمل السياسي تنقصه الأسس المدنية والوطنية، ونتيجة لذلك تجد أن من يخوضون الانتخابات ويصلون إلى مقاعد البرلمان هم أفراد ليس لهم باع كبير في ممارسة العمل السياسي او العمل البرلماني ولا يربطهم أي برنامج سياسي في معظم الأحيان، كما أنه ليس بإمكانهم سن تشريعات او قوانين تحتاج إليها الدولة والمجتمع.
في ضوء ما سبق، هل يحق للرافضين للديمقراطية تحميلها وزر اي تعثر في مسار التنمية في مجتمعاتنا العربية وترديد أن الديمقراطية لا تصلح لمجتمعاتنا وأنها بدعة غربية. أم أن المطلوب منهم هو إعادة النظر في قراءة أصول الديمقراطية وتطبيقاتها. من ناحيتي فأنا أردد «إن حل معظم مشكلاتنا التنموية يكمن في تعميق الديمقراطية».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك