العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عوامل تآكل الثقة بالولايات المتحدة في الشرق الأوسط.. نظرة تحليلية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

ساندت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ورفضت‭ ‬لاحقًا‭ ‬العدول‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬التسعة‭ ‬التالية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬استشهاد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬38‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ ‬فلسطيني،‭ ‬وإصابة‭ ‬86‭ ‬ألفا‭ ‬آخرين‭ -‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭- ‬وتدميرها‭ ‬لمنازلهم‭ ‬وبنيتهم‭ ‬التحتية،‭ ‬واختارت‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعمها؛‭ ‬سياسيًا،‭ ‬واقتصاديًا،‭ ‬وعسكريًا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬حمايتها‭ ‬دبلوماسيًا‭ ‬من‭ ‬الإدانة‭ ‬والاستنكار‭ ‬الدوليين‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتهم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ألحق‭ ‬بالغ‭ ‬الضرر‭ ‬بسمعتها‭ ‬دوليا‭. ‬

ونتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬السياسات،‭ ‬انعكس‭ ‬الضرر‭ ‬على‭ ‬مصداقية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهي‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬سجل‭ ‬فيها‭ ‬ستيفن‭ ‬والت،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬وحلفاءها،‭ ‬قد‭ ‬أججوا‭ ‬بها‭ ‬نار‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وانعدام‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سياسات‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري،‭ ‬وتغيير‭ ‬الأنظمة،‭ ‬وشن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والالتزام‭ ‬الانتقائي‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مصالحهم‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭.‬

وتفصيلا،‭ ‬طُرحت‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬أفيرز،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬لثلاثة‭ ‬باحثين‭ ‬مشاركين‭ ‬في‭ ‬الباروميتر‭ ‬العربي‭ -‬منظمة‭ ‬بحثية‭ ‬تجري‭ ‬استطلاعات‭ ‬رأي‭ ‬نصف‭ ‬سنوية‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭- ‬وهم‭ ‬مايكل‭ ‬روبنز،‭ ‬وأماني‭ ‬جمال،‭ ‬ومارك‭ ‬تيسلر،‭ ‬والذين‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬تخسر‭ ‬مصداقيتها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬جراء‭ ‬سياساتها‭ ‬وأفعالها‭ ‬الداعمة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬والأراضي‭ ‬المحتلة‭. ‬ومع‭ ‬مواجهة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬انخفاضات‭ ‬حادة‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬شعبيتها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة،‭ ‬أشار‭ ‬الباحثون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬منافسي‭ ‬أمريكا،‭ ‬مثل‭ ‬الصين،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬يجنون‭ ‬الفوائد‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحهم‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الطويلة‭ ‬المدى‭.‬

وبشكل‭ ‬واضح،‭ ‬يمكن‭ ‬تأكيد‭ ‬فرضية‭ ‬روبنز،‭ ‬وجمال،‭ ‬وتيسلر،‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تفقد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬بسرعة،‭ ‬من‭ ‬بيان‭ ‬موقف‭ ‬بايدن،‭ ‬ومعاونيه،‭ ‬وأبرزهم‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية،‭ ‬ولويد‭ ‬أوستن،‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬وجيك‭ ‬سوليفان،‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بجولة‭ ‬منتظمة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬فاشلة‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬مواتية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬مصداقية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬وصف‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بغزة،‭ ‬بأنه‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬لعلاقات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬أشار‭ ‬الباحثون‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬تحول‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬ضد‭ ‬واشنطن‭. ‬ووثقت‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬توصلت‭ ‬إليها‭ ‬الباروميتر‭ ‬العربي،‭ ‬أنه‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬كانت‭ ‬المواقف‭ ‬تجاه‭ ‬أمريكا‭ ‬قد‭ ‬تحسنت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬عقب‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الاستطلاع‭ ‬رأيًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬تجاهها؛‭ ‬لكن‭ ‬بحلول‭ ‬وقت‭ ‬إجراء‭ ‬الاستطلاع‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬وأوائل‭ ‬2024،‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬سمعتها‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وغير‭ ‬مفاجئ‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬دعمها‭ ‬لإسرائيل‭.‬

وذكر‭ ‬روبنز،‭ ‬وجمال،‭ ‬وتيسلر،‭ ‬كيف‭ ‬انخفضت‭ ‬شعبية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬51%‭ ‬إلى‭ ‬28%‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬ومن‭ ‬60%إلى‭ ‬31%‭ ‬في‭ ‬موريتانيا،‭ ‬ومن‭ ‬42%‭ ‬إلى‭ ‬27%‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬ومن‭ ‬40%‭ ‬إلى‭ ‬10%‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬مع‭ ‬انخفاض‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬يعتقدون‭ ‬امتلاك‭ ‬بايدن،‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬‮«‬جيدة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬12%‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬و9%‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬و8%‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬و6%‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬و5%‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭. ‬وفيما‭ ‬يعتقد‭ ‬2%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأردنيين‭ ‬أن‭ ‬واشنطن،‭ ‬ملتزمة‭ ‬بحماية‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬شملهم‭ ‬الاستطلاع‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ملتزمة‭ ‬بحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬للإسرائيليين‭.‬

وتتزامن‭ ‬خسارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لسمعتها‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬مصداقيتها‭ ‬الدبلوماسية‭. ‬وأشار‭ ‬الباحثون‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وبدء‭ ‬مفاوضات‭ ‬نحو‭ ‬تسوية‭ ‬دائمة،‭ ‬فإنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬شراكة‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تشكك‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬دافعت‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬تصرفات‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ورفضها‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬غالبية‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الإدانة‭ ‬الصريحة‭ ‬للعنف‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين؛‭ ‬يبقى‭ ‬وجود‭ ‬تأثير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭. ‬وأشار‭ ‬دانييل‭ ‬ليفي،‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭/‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬أصبحت‭ ‬فلسطين‭ ‬وغزة‭ ‬تمثل‭ ‬الصورة‭ ‬الرمزية‭ ‬للتمرد‭ ‬ضد‭ ‬النفاق‭ ‬الغربي،‭ ‬والنظام‭ ‬العالمي‭ ‬غير‭ ‬المقبول،‭ ‬الذي‭ ‬تدافع‭ ‬فيه‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬تصرفات‭ ‬حلفائها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تُدين‭ ‬فيه‭ ‬بشدة‭ ‬تصرفات‭ ‬خصومها‭. ‬

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬قد‭ ‬نشأ‭ ‬بالأساس‭ ‬بسبب‭ ‬سياسات‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإجبار‭ ‬نتنياهو،‭ ‬على‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬سلام‭ ‬ينهي‭ ‬الحرب،‭ ‬ويحدد‭ ‬ملامح‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية؛‭ ‬حاول‭ ‬بلينكن،‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬للموافقة‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬إسرائيل‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ستستمر،‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬الحركة‭ ‬لخطة‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬بلاده،‭ ‬وأن‭ ‬الهجمات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬البلدات‭ ‬والمدن‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لن‭ ‬تتوقف،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقنع‭ ‬وغير‭ ‬مفاجئ‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭.‬

ولم‭ ‬ينته‭ ‬الأمر‭ ‬بتأثر‭ ‬مصداقية‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬أدوارها‭. ‬وأشار‭ ‬رويري‭ ‬كيسي،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬بسبب‭ ‬دعم‭ ‬حكومتها‭ ‬لأهداف‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬

ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬المصداقية‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬الغرب‭ -‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬نتاجا‭ ‬لدعم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬رغم‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الصارخة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭- ‬قد‭ ‬مثلت‭ ‬فرصة‭ ‬لمنافسي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاستغلالها‭. ‬ومع‭ ‬فشل‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬أشار‭ ‬باتريك‭ ‬وينتور،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬بها‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬دور‭ ‬الوساطة،‭ ‬لتعزيز‭ ‬سمعتها،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أمريكا‭. ‬وعليه،‭ ‬أوضح‭ ‬روبنز،‭ ‬وجمال،‭ ‬وتيسلر،‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬تعد‭ ‬المستفيد‭ ‬الرئيسي‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬سمعة‭ ‬واشنطن‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬ازدادت‭ ‬نسبة‭ ‬التأييد‭ ‬والدعم‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭ ‬نقطة‭ ‬مئوية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوضح‭ ‬تغير‭ ‬طبيعة‭ ‬حال‭ ‬استمر‭ ‬نصف‭ ‬عِقد‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الدعم‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

ودعما‭ ‬لهذا‭ ‬التقييم،‭ ‬أكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬تأييد‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬لنهج‭ ‬الصين‭ ‬تجاه‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬مقارنة‭ ‬بالنموذج‭ ‬الأمريكي‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العرب‭ ‬أكثر‭ ‬تشككًا‭ ‬في‭ ‬نوايا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأقل‭ ‬ثقة‭ ‬بها،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬سياساتها‭ ‬الداعمة‭ ‬لإسرائيل؛‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬الباحثون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بيانات‭ ‬الاستطلاع‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشك‭ ‬غير‭ ‬مقترن‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭ ‬تتبنى‭ ‬الحياد،‭ ‬أو‭ ‬تنسحب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بصورة‭ ‬كلية‭. ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬الأصوات‭ -‬بنسبة‭ ‬21‭ ‬نقطة‭ ‬مئوية‭ ‬بين‭ ‬الأردنيين،‭ ‬و18‭ ‬نقطة‭ ‬لدى‭ ‬المغاربة،‭ ‬و17‭ ‬لدى‭ ‬اللبنانيين‭- ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأولوية‭ ‬الإقليمية‭ ‬القصوى‭ ‬لبايدن‭ ‬بالمنطقة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فقد‭ ‬رأوا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬تريد‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

ومع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالأهمية‭ ‬المستمرة‭ ‬للقوة‭ ‬السياسية،‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬والعسكرية،‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬حدد‭ ‬روبنز،‭ ‬وجمال،‭ ‬وتيسلر،‭ ‬الوسيلة‭ ‬المثلى‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين‭ ‬لاستعادة‭ ‬مصداقيتها،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬الدفع‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وزيادة‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬رفض‭ ‬بلينكن،‭ ‬قبول‭ ‬الاعتراف‭ ‬بفشل‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬المفاوضات،‭ ‬والتزام‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬باستخدام‭ ‬رصيف‭ ‬بحري‭ ‬لتوصيل‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬الطرق‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬القطاع،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬ستيفن‭ ‬سيملر،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فن‭ ‬الحكم‭ ‬المسؤول،‭ ‬بأنها‭ ‬مسرحية،‭ ‬هدفها‭ ‬صرف‭ ‬الانتباه‭ ‬عن‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الخطيرة‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬تشير‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لن‭ ‬تغير‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والمعاناة؛‭ ‬أن‭ ‬الاقتراحات‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬إصلاح‭ ‬سمعتها،‭ ‬واسترداد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬هي‭ ‬اقتراحات‭ ‬عقيمة‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أصر‭ ‬الباحثون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬سيهدد‭ ‬دورها‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سُيسمح‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الصين،‭ ‬بمزاحمة‭ ‬دورها‭. ‬وعليه،‭ ‬يبدو‭ ‬واضحًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وألمانيا،‭ ‬أن‭ ‬التزامها‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية،‭ ‬يأتي‭ ‬ضمن‭ ‬أولوياتها‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا