تتصادف الإجازة المدرسية السنوية مع بدء موسم الصيف وما يرافقه من حرارة عالية تتراوح في بعض الأحيان بين 45 و50 درجة مئوية، إضافة إلى ارتفاع الرطوبة التي تصل أيضا في بعض الأحيان إلى 100% والتي تستمر إلى نهاية شهر سبتمبر، بل حتى بعد شهر سبتمبر مما يخلق مشاكل عديدة بالنسبة إلى مئات الآلاف من طلبة المدارس والجامعات في ظل استحالة الاستفادة من الفضاءات المفتوحة مثل الحدائق العامة والشواطئ البحرية القليلة، مما يضيق من الحركة والاستمتاع بأوقات الفراغ الطويلة.
ويواجه أولياء الأمور في الغالب معضلة كبيرة في التعامل مع هذا الوضع خاصة أن الفترة تطول من منتصف شهر يونيو حتى نهاية شهر سبتمبر أي أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر، كما أسلفنا من جلوس أبنائهم في البيوت من دون برامج تشغل وقت فراغهم بالمفيد من الأنشطة، ولذلك يندفع الطلبة في الغالبية العظمى منهم إلى استخدام الأجهزة الإلكترونية أو الإبحار عبر الإنترنت في عوالم لا تكون في الغالب مفيدة بل تكون مضرة بشكل كبير على أبنائهم وعقولهم ونفسياتهم، إضافة إلى الاستخدام المفرط للتليفون مما يجعل هؤلاء الأبناء خلال أشهر عدة عرضة لحالات أصبحت توصف نفسيا بأنها قد تتسبب في ردود أفعال أقرب إلى التوحد وقد أثبتت العديد من الدراسات التربوية والنفسية ذلك.
صحيح أن هنالك مجالات وفضاءات مفتوحة للاستفادة من الإجازة الصيفية مثل الأنشطة التي تنظمها المجمعات التجارية والسينما، لكنها تكون ذات كلفة مادية عالية لا يقدر عليها كل أولياء الأمور خاصة الألعاب التي تكلف الكثير من المال مما يؤدي إلى إحجام العديد من أولياء الأمور عنها.
ويعاني كذلك الطلبة من فئة الشباب المراهقين في فصل الصيف من الفراغ وعدم الاستمتاع الأمثل من الإجازة بما يجعل الإجازة كابوسا عليهم وعلى أسرهم فهؤلاء الشباب طاقات كبيرة وحيوية تحتاج إلى مجالات وقنوات مثل الأنشطة والفعاليات والألعاب والسفر، وهذا طبعا غير متاح للجميع ولهذا يعاني الكثير منهم من هذا الفراغ القاتل الممتد لعدة أشهر وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة المشاكل التي يواجهها المراهقون، وخاصة في ظل محدودية الإمكانيات أو محدودية البرامج والأنشطة المتاحة بالرغم مما تبذله الجهات الرسمية والأهلية من جهود كبيرة لوضع برامج وفعاليات وأنشطة تجذب الشباب والأطفال أغلبها مجانية، وهي جهود مشكورة ومقدرة لمواجهة الفراغ وتوجيه طاقة الشباب والأطفال نحو الجوانب الإيجابية مثل الرياضة والمسابقات وحفظ القرآن الكريم وتنظيم الفعاليات الكشفية التي يشارك فيها الطلبة من مختلف المراحل.
إن أضرار الفراغ على الأطفال والشباب وعلى الأسرة وعلى المجتمع، كما هو معروف، كبيرة لأن غالبا ما يؤدي الفراغ إلى جنوح عدد من هؤلاء أو إغراقهم في متاهات عالم الإنترنت وما يحمله من مصائب ومخاطر نفسية وعقلية ووجدانية خاصة عندما يواجه هؤلاء الشباب أسرهم بأنه لا حل أمامه سوى هذه الإمكانيات المتاحة في ظل الفراغ وصعوبة الخروج خارج البيت في ظل الحرارة العالية، حيث يجد الطفل نفسه بلا هدف وبلا ملاحظة لحياته اليومية بعد أن تغلق المدارس والجامعات أبوابها فإنه يواجه حالة نفسية صعبة في الغالب.
ومن هنا يأتي دور الاسرة الذي يجب أن يسند الجهود الرسمية والأهلية والأندية من خلال عمل خطة لأبنائهم من أجل سد وقت الفراغ قدر الإمكان حتى لا يشعر الطفل بالملل وحتى لا يترك للفراغ مجالا في حياة الأبناء والبنات، ولا بد للأسرة أيضا أن تضع خطة في الإجازة الصيفية تتكيف مع احتياجات الأبناء وأولوية رعايتهم والاهتمام بهم، وخاصة أن الشباب منهم بوجه خاص قادرون على الدخول في دروس اجتماعية وثقافية وفنية ليكون دور الأسرة مساندا لدور الدولة ودور الجمعيات الاهلية، كما أسلفنا وذلك لتوظيف الإمكانيات التي تقدمها الدولة لخدمة الشباب والأطفال وبالتالي إيجاد برامج لطلبة المدارس لسد الفراغ خلال الإجازة الصيفية قدر الإمكان، وخصوصا أن مثل هذه الأنشطة الرياضة والفنية تحديدا لا تحتاج إلى موارد مالية كبيرة فهي موجودة في المدارس والأندية والحمد لله.
إذن هنالك حلول والمطلوب فقط حسن التنظيم وتضافر الجهود لتحويل الإجازة الصيفية إلى فرص لتنمية وتعزيز الإبداع وتنمية المهارات والقدرات بدلا من أن تكون الإجازة الصيفية فرصة للنوم والكسل والوقوع في مستنقع البرامج الرقمية المضرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك