استضافت شبكة «سي إن إن» بأتلانتا، في 27 يونيو، أول مناظرة رئاسية متلفزة، بين مُرشحي الرئاسة الأمريكية 2024، بين الرئيس الحالي جو بايدن، وسلفه الذي بات منافسًا له دونالد ترامب، والتي وصفها المراقبون السياسيون على نطاقٍ واسع، بأنها انعكاس كبير لآمال ترامب لإعادة انتخابه، ووصف ديفيد جراهام من مجلة أتلانتيك أداء الديمقراطي بايدن، 81 عامًا، في المناظرة بالـ«كارثة»، فيما ذكر أنتوني زورشر مراسل شبكة بي بي سي، أن بايدن قدّم إجابات غير متماسكة، وغير منطقية على عديد من الأسئلة، وحتى مع تراجع سقف التوقّعات بشأنه، إلا أنه تعثّر بشكلٍ سيء.
ومع تقرير صحيفة فاينانشال تايمز بتملّك المسؤولين الديمقراطيين حالة من الذعر، بسبب محاولة السيطرة على الأضرار التي لحقت بحملتهم، فإن سوزان جلاسر من صحيفة نيويوركر، هي واحدة من عدّة مُعلّقين تساءلوا مباشرةً، عما إذا كان الأداء الكارثي المحتمل في المناظرة الأولى، يمثّل بداية النهاية لرئاسة بايدن.
ويبدو أن الهجوم الشخصي والخطاب العدواني، الذي ميّز المناظرات النارية بين بايدن وترامب، قبل انتخابات 2020، قد تكرّر بعد أربع سنوات، وشمل ذلك مسائل السياسة الخارجية، حيث كتب البروفيسور جيريمي سوري من جامعة تكساس، إن التناقض بين أممية بايدن وانعزالية ترامب، أضحت أكثر وضوحًا، من أي وقتٍ مضى في تاريخ المناظرات الرئاسية المتلفزة.
وعلى الرغم من إعراب كلا المرشحين عن دعمهما الحازم لإسرائيل، فإن وصف ترامب لمنافسه بأنه فلسطيني سيئ، جذب اهتمامًا خاصًا؛ حيث فُهم أنه محاولة لوصم الرئيس الديمقراطي، كزعيم أمريكي محتمل بقطع الدعم المالي والعسكري والاقتصادي الأمريكي لإسرائيل.
ومع وقوف بايدن إلى جانب حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، على الرغم من حملة القصف التي شنتها على غزة، والتي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، وتسبّبت في كارثة إنسانية هائلة، وإزاء رد ترامب بأنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، سيسمح للجيش الإسرائيلي بإنهاء مهمة تدمير حماس، بغض النظر عن الأضرار المادية التي لحقت بها؛ فإن المناظرة الرئاسية أكّدت فقط كيف أن حكومة الولايات المتحدة -سواءً كانت ديمقراطية، أو جمهورية- ليست مستعدة لتحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاك القانون الدولي، أو استعدادها لاتخاذ موقف يسمح لها بأن تكون وسيطًا نزيهًا، في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبالنظر إلى كيفية تطوّر المناظرات بين ترامب وبايدن في 2020، بحسب وصف جلاسر من مباراة صراخ، في لقائهما في كليفلاند بولاية أوهايو آنذاك، كدليلٍ قوي على أسوأ مناظرة رئاسية على الإطلاق، بالنظر إلى حجم الهجوم الشخصي والمقاطعات المستمرة، فقد رأت جلاسر؛ أن صراخ رجلين مسنين غاضبين في وجه بعضهما البعض مرة أخرى، مجرد تأكيد على ضحالة جاذبية الخيارات المتاحة أمام الناخب الأمريكي، في 2024.
على الرغم من إدانة الأخير بجرائم تتعلّق بالتمويل، قبل المناظرة الأولى 2024، فقد تفوّق ترامب بفارقٍ ضئيل على بايدن، في استطلاعات الرأي الوطنية، 48% إلى 44%، وِفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، و49% إلى 45%، وِفقًا لجامعة كوينيبياك من ولاية كونيتيكت.
ومع معاناة الديمقراطيين من حملة متعثّرة، أشارت صحيفة فاينانشال تايمز؛ إلى كيف أن مستشاري الرئيس تحركوا لإجراء مناظرة رئاسية مبكرة غير مسبوقة، في يونيو، في محاولةٍ لتذكير الناخبين بأسباب اختيارهم لـ بايدن دون ترامب، في 2020.
ومع ذلك، في هذه الحالة، بدلًا من أن يشهدوا عدم ملاءمة ترامب للمنصب، فإن ما يقرب من 60% من الناخبين الأمريكيين، ممن شاهدوا المناظرة، رأوا أن نظيره يخطئ مرارًا وتكرارًا في الإجابات المتلعثمة، على أسئلة مدير المناظرة، والهجوم المُتكرر لترامب، وتطرّقت جلاسر كيف أن السؤال الذي طرحه المتفرجون، مُنذ بداية المناظرة، لم يكن ما إذا كان بايدن يخسر، بل مدى ما قد يلحقه من ضرر بحملة إعادة انتخاب الرئيس؟
وخصوصًا، فإن المخاوف بشأن سن بايدن، هي التي أثّرت في سمعة رئاسته، حيث أعرب 6 من كل 10 بالغين أمريكيين، مسبقًا، عن عدم ثقتهم في القدرة العقلية لرئيس الولايات المتحدة، للعمل كقائد أعلى بفعالية، حيث يرى ديمتري ميلهورن، مستشار ممولي حملات المرشحين الديمقراطيين؛ أن المناظرة لم تؤد إلا إلى تعزيز المخاوف بشأن عمره، وهو أكبر نقاط ضعفه الانتخابية.
حتى إن هذه الكارثة أثارت تساؤلات حول مدى ملاءمة بايدن للترشح لإعادة انتخابه، وإمكانية اختيار الديمقراطيين مرشحا آخر رسميًا، ومع إظهار استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس، قبل المناظرة، أن أكثر من نصف الناخبين الديمقراطيين 55%، يعتقدون أن أداء ترامب كان بالغ الأهمية، أو مهمًا جدًا، بالنسبة إلى آمال إعادة انتخابه، يرى مارك ليبوفيتش، من مجلة أتلانتيك، أن الوقت حان ليتنحى بايدن جانبًا، من أجل كرامته، ومصلحة حزبه، وكذلك لمستقبل البلاد.
على الرغم من أن كريستال هايز، وهولي هونديريش، من هيئة الإذاعة البريطانية الـ بي بي سي، أوضحا أن بايدن لم يقدّم أي إشارة إلى أنه يفكّر في التنحي، وأصرّا على أنه يعتقد أنه أبلى بلاءً حسنًا، في مناظرته ضد أكاذيب ترامب. ولعل إجباره على الخروج من عباءة الحزب الديمقراطي هو سيناريو أقل عقلانية في الوقت الراهن، وكذلك حقيقة أن هناك جدلا واسع النطاق في وسائل الإعلام الغربية، حول إمكانية استبداله بشخصيةٍ سياسية أخرى أكثر ثقلًا؛ يحد نوعًا ما من ما أشارت إليه جلاسر، بأن المناظرة كانت ليلة كارثية للديمقراطيين، الذين يأملون في إيقاف عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عام 2025.
وفي حالة ترامب، فإن على الرغم من أن جلاسر رأت أنه ليس هناك بطل صريح لتلك المناظرة في حد ذاتها، بعد أن كرّر عباراته المألوفة والمعتادة، والتي غالبًا ما تكون خارج السياق، أو غير صحيحة تمامًا، والتي اقتبسها من المسيرات الاحتجاجية، ومواقع التواصل الاجتماعي، فأكّدت جلاسر أن خطابه المشوه وغير المتماسك، كان أكثر قوة بشكلٍ أكبر بكثير من تصريحات بايدن السياسية الخافتة، التي غالبًا ما تفقد التسلسل في طرح الأفكار، ليهتم فحسب بالتسابق في الردود، والإجابات.
وهكذا، على الرغم من أن ترامب، كما لاحظت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تهرّب مرارًا وتكرارًا من أسئلة مشرفي المناظرة، حول ما إذا كان سيقبل نتيجة انتخابات هذا العام، أشارت جلاسر أنه بالنسبة إلى المشاهدين الأمريكيين في النهاية، بدا أكثر صحة وقوة وأكثر ملاءمة من منافسه، لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة.
وأفادت كريستينا لو، وريشي إينجار، من مجلة فورين بوليسي الأمريكية، بأنه كان من المتوقّع أن تهيمن القضايا المحلية، مثل الأوضاع الاقتصادية، على المناظرة، إلا أن الأدوار المهمة التي تلعبها الولايات المتحدة في الحروب المستمرة، في غزة وأوكرانيا، أظهرت الحاجة الملحة إلى مناقشتها في مدينة أتلانتا الأمريكية.
أما ما يتعلّق بالأوضاع الاقتصادية، فعلى الرغم من أن هذه القضية لم تحظ سوى بضع دقائق من الاهتمام في المناظرة، لاحظ موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن هناك تحديات أمام القيادة الدبلوماسية الأمريكية المحتملة لتلك الحروب، والتي تجلّت بوضوحٍ أمام كل من بايدن وترامب.
وقد أوضح لو وإينجار كيف أن كلا المرشحين كما هو متوقّع، أصدرا تأييدًا كاملًا لإسرائيل، مع التزام كل منهما بإتاحة دعمهما الأقصى، لاستمرار تلك الحربين، فيما أصرّ بايدن على أن حماس قد تمّ إضعافها إلى حدٍ كبير فعلًا، ولكن يجب القضاء عليها تمامًا قبل انتهاء حرب غزة، إلا أن ترامب رد على ادعاء بايدن، بأن الطرف الوحيد الذي يريد أن تستمر الحرب هو حماس، من خلال اعتراف بأنه في الواقع، إسرائيل هي التي تريد استمرار الحرب.
ومع ذلك، فإنه بدلًا من استخدام هذا الادعاء للإشارة إلى أن الإدارة الجمهورية العائدة للرئاسة حال تنصيبها، ستمارس المزيد من الضغط على حكومة نتنياهو، لوقف قصف واحتلال الأراضي الفلسطينية، دعا ترامب حكومة الولايات المتحدة إلى السماح لإسرائيل بإنهاء مهمة تدمير حماس، بغض النظر عن الخسائر المدنية للفلسطينيين.
وفي تصعيد لجهودهما لتصوير أحدهما للآخر، بأنه قائد غير مسؤول أمام الشعب الأمريكي، الذي لا يزال متعاطفًا مع إسرائيل، أشار ترامب -دون تفسير- أن بايدن بدا في تلك الحرب، مثلما لو كان فلسطينيًا، ولكنه ظهر كمواطن سيئ جدًا، وضعيف على حد وصفه، ومن ثَم، عندما سأله مدير المناظرة عما إذا كانت إدارة ترامب المحتملة، حال فوزها، ستدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أراد الرئيس السابق المراوغة، مكتفيًا بالقول إنه عليه أن يرى وينظر في هذا الأمر قبل إقراره.
ولم يشر بايدن ولا ترامب إلى المعاناة الإنسانية الهائلة في غزة، وبدلًا من ذلك سعى إلى دعم أولئك الأمريكيين، الذين ما زالوا ملتزمين بتزويد إسرائيل بالدعم العسكري، والاقتصادي، لمواصلة حربها، ومع تقدّم ترامب في استطلاعات الرأي الحالية، ومع احتمال اتساع دائرة تقدّمه بعد المناظرة الأولى، فإن احتمال تحول واشنطن إلى دعمٍ أكثر علانية لإستراتيجية نتنياهو، لتدمير غزة، وإنهاء احتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة، أصبح أكثر احتمالًا، مع اقتراب حسم الانتخابات الرئاسية.
ومن المؤشرات أيضًا على السياسة الخارجية، التي لا يمكن التنبؤ بها، والتي ستتبعها إدارة ترامب الثانية حال فوزها؛ التعليقات التي تمّ الإدلاء بها بشأن الحرب في أوكرانيا، وبينما دافع بايدن عن تزويد الولايات المتحدة لكييف، بما يقرب من (175 مليار دولار) من المساعدات العسكرية، مُنذ فبراير 2022، قال ترامب: إن الإدارة الديمقراطية شجعت روسيا على الغزو، بسبب الانسحاب الكارثي الذي قادته الولايات المتحدة من أفغانستان، قبل عام، والذي سمح لـ طالبان باستعادة كابول كليًا.
وأضاف أن: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا، لو كان يقود الولايات المتحدة رئيسًا حقيقيا، يحظى باحترام نظرائه المعاصرين.
ومن هذا المنطلق، تعهّد المرشح الجمهوري بتسوية الحرب، حتى قبل إعادة تنصيبه، على الرغم من أنه أصبح من المعتاد في تصريحاته الصاخبة، عدم تقديم أي تفسير، أو تفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك، في المناظرة الثنائية.
كما خلصت جلاسر؛ أنه على الرغم من أن ترامب أدلى بالعديد من تصريحاته التحريضية المعتادة، بما في ذلك ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأمريكية، فإن أبرز الأخبار خلال المناظرة الرئاسية الأولى 2024، كانت تتعلّق تمامًا بـ بايدن، والسؤال العالق والمحير، حول ما إذا كان ببساطة، الأخير بات كبيرًا في السن، بحيث لا يمكنه السعي لإدارة فترة تمتد إلى أربع سنوات أخرى، في المكتب البيضاوي.
ومن الواضح أن هذا السؤال شغل فكر العديد من المعلّقين والمحللين السياسيين فعلًا، وكان ديفيد أكسيلرود المستشار السابق لباراك أوباما، من بين أولئك الذين اعترفوا، بأن هناك الآن مناقشات جدية، حول ما إذا كان ينبغي لبايدن الاستمرار من عدمه، ورغم أنه من غير المرجح أن تقرّر اللجنة الوطنية الديمقراطية الهيئة الحاكمة للحزب الديمقراطي، استبدال مرشح آخر بالرئيس بايدن، قبل نوفمبر القادم.
فلا يمكن إنكار أن الأداء الضعيف جدًا في أتلانتا، جعل احتمال عودة ترامب أكثر ترجيحًا، وستكون لمثل هذه النتيجة تداعيات هائلة، ليس فحسب على السياسة الداخلية الأمريكية، ولكن أيضًا على الحرب في غزة، حيث أعرب ترامب عن دعمه الكامل لاستمرار حرب إسرائيل، والتدمير الكامل لحماس، وهو الهدف الذي قد يكون محل شك، وسيؤدّي حتمًا إلى المزيد من الدمار المادي الهائل، وخسارة آلاف من أرواح المدنيين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك