جاء التسجيل المسرب لوزير المالية في حكومة نتنياهو (بتسلئيل سموتيريتش) ليقدم إثباتا جديدا على ما حذرت منه القيادة الفلسطينية مرارا، بأن حكومة بنيامين نتنياهو تخطط لابتلاع الضفة الغربية، بالتوازي مع عملية تهويد القدس الشرقية، لتحقيق هدف منع قيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا، عبر تقطيعها بالاستيطان اليهودي، والمواقع والحواجز العسكرية الثابتة، وإضعاف مؤسسات دولة فلسطين، بقرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، والسطو على أعمدة الاقتصاد الفلسطيني، ونهب الثروات الطبيعية من أرض الدولة الفلسطينية المعترف بها بقرارات الشرعية الدولية، وذلك في ضوء حملة إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني، بلغت ذروتها الدموية في قطاع غزة.
اللافت في الأمر أن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نشرت مضمون التسريب، حيث بات الجمهور الأمريكي على علم بمخططات حكومة نتنياهو وإجراءاتها العملية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، ومدى تعارضها مع الموقف الرسمي الأمريكي المعلن باعتبارها «أرضا محتلة» لكننا نعلم أن الإدارات الأمريكية المتتابعة لا تريد تجسيد موقفها عمليا، وتحويله إلى قرارات، وقوانين نافذة في الكونجرس الأمريكي، نظرا إلى عقلية الدولة الاستعمارية العميقة المسيطرة على هياكل الولايات المتحدة الأمريكية السيادية، والناظمة لسياساتها الخارجية تحديدا!
أما رقم واحد الحاكم والمقيم في البيت الأبيض، فإنه يعلم بشتى الوسائل ليس بمخططات حكومات إسرائيل وحسب، بل نوايا وزرائها ورؤساء أحزابها، وسيكون مضحكا تصريح الإدارة الأمريكية بمنطق المفاجأ! أو القلق من تداعيات خطة حكومة نتنياهو الثعبانية لابتلاع الضفة بصمت!
ذلك أن سعي ثالوث الصهيونية الدينية والسياسية (نتنياهو وبن غفير وسموتيريتش) سرا وعلنا للالتفاف والتحايل على القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، ليس فقط بات واضحا وحسب، لكنهم يعملون بكل جدية لتجديد الاحتلال العسكري والاستيطاني (الاستعمار) والسيطرة على كامل فلسطين التاريخية والطبيعية.
حمل التسريب تفاصيل اجتماع لسموتيرتش مع مستوطنين بالضفة يوم 9 يونيو 2024، حيث اعترف بدعم نتنياهو لخطة تقضي بسيطرة مدنية إسرائيلية في الضفة، بحسب «نص الاتفاق الائتلافي بين الليكود والصهيونية الدينية» وأن هدف الخطة التي وصفها «بالحدث الدراماتيكي الكبير، هو: «منع يهودا والسامرة –أي الضفة الغربية- من أن تكون جزءا من دولة فلسطينية مستقبلية» عبر: «نقل صلاحيات من الجيش إلى جهات مدنية تتبع لبن غفير بوزارة الأمن» أي تتبع الضلع الثالث في ثالوث الصهيونية الدينية وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير.
وفعلا: «أنشئت منظومة مدنية منفصلة لذلك».. ولنا أن نتخيل كيف تمت التعمية على هذا المخطط وتنفيذه وراء غطاء من دخان (خلافات مصطنعة) بين أركان الصهيونية الدينية ووزير الحرب الإسرائيلي (يوآف جالانت) فهل يعقل أن معلومات واشنطن عن أعمال وقرارات (جالانت) هي صفر؟! بالتأكيد لا، لكن الخداع متأصل، حتى بنيامين نتنياهو ذكر مكتبه بعد التسريب: «إن الوضعية النهائية للضفة سيحددها الطرفان من خلال المفاوضات المباشرة، وهذه السياسة لم تتغير».
كشف سموتيريتش تفاصيل ملف الاحتيال على العالم - وهو المكشوف سلفا- بقوله: «إن الخطة ستسهل علينا ابتلاع الأمور على الصعيد الدولي والقانوني، حتى لا يقولوا إننا نضم المنطقة. فالجيش حاليا لا يزال في قلب إدارة الصلاحيات في الضفة الغربية المحتلة.
لذلك فإن جهات مدنية تعمل في وزارة الأمن ولا تعمل لدى ضباط بالجيش، ستشرف على معظم عملية توسيع البناء الاستيطاني في الضفة، ومصادرة الأراضي وشق الشوارع».
لم تكن سياسة نتنياهو تجاه حماس في غزة قبل العدوان الراهن إلا بهدف تعميق الانقسام الفلسطيني باعتبار ذلك مصلحة استراتيجية لإسرائيل وفي سياق تحقيق هدف منع قيام دولة فلسطينية، واليوم بعد تدمير قطاع غزة وإخراجه بالمجازر والتدمير الشامل عن منطق الحياة والعيش الكريم، يستكمل نتنياهو خطته القديمة المحدثة في الضفة الغربية، بعد اطمئنانه أن بايدن لن يلغي قرار سلفه ترامب باعتبار القدس عاصمة موحدة للدولة القائمة بالاحتلال والاستيطان وهي دولة «الكيان الصهيوني».
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك