كان إسلامه نصرًا، وكانت هجرته فتحًا، وكانت خلافته رحمة.
وقالوا عنه: حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت.. يا عمر!
ولقد حرص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أن ينوه بفضل أصحابه، وخاصة الرعيل الأول منهم، وخاصة خلفاءه الأربعة: أبابكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عَفَّان، وعلي ابن أبي طالب (رضوان الله تعالى عنهم).
واليوم نحن على موعد مع أبي حفص، عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي كثيرًا ما أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى العديد من فضائله، وتميزه على باقي الصحابة (رضي الله عنهم).
كان عمر بن الخطاب شخصية متفردة قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم إسلامه: إنه « الفاروق» لأن الله تعالى قد فرق به بين الحق والباطل، وفِي رؤيا رآها له قال: لم أر عبقريًا يفري فريه!، بل هناك ما هو أكثر من ذلك حين قال عنه الرسول (صلى الله عليه وسلم): إن الشيطان ليهابك يا عمر!. . هذه الشخصية العظيمة والمتميزة كان أكثر الصحابة اجتهادًا حتى في وجود الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينهم حيث كان رضي الله عنه يعلن رأيه أو فهمه الذي قد يكون مخالفًا لبقية الصحابة، وكان رضي الله تعالى عنه لا يدخر وسعًا، ولا يمنع فهمًا رزقه الله تعالى عن المسلمين، وخاصة حين علم أن جميع الأوامر والنواهي ليست كلها وحي من السماء لا يتقدم عليها المسلمون ولا يتأخرون، فأعمل عقله ورشده في تدبر النص من قرآن وسَنَة، ولَم يكتف بهذا، بل أعلن رأيه أو فهمه على المسلمين دون حرج، فإذا خالف فهمه جماعة المسلمين خضع لإجماعهم ولقد حدث هذا في أسرى بدر حين خالف عمر إجماع الصحابة، فنزل على رأيهم رغم الخلاف معهم، ولقد شجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصحابة على الاجتهاد في فهم النصوص الدينية من قرآن وسَنَة، ليس هذا فحسب، بل شجعهم على إعلان فهمهم وإن خالف جماعة المسلمين، فإن رأوا رأي عمر صوابًا أخذوا به، وإن رأوا رأيه غير بعيد عن الصواب أخذوا برأي الجماعة، وخاصة حين يكون رأي الرسول (صلى الله عليه وسلم) في صفهم، ويكفي عمر بن الخطاب شرفًا وعلو قَدر أنه وافق القرآن في أكثر من موضع، مثل: أسرى بدر، واتخاذ من مقام إبراهيم مصلى، وأيضًا في حجاب زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلم الصحابة (رضوان الله تعالى) أن ما يتعلق بأمور الدنيا لهم أن يجتهدوا فيه، وأما ما يتعلق بالوحي، فعليهم أن يصدقوه ويسارعوا إلى العمل به، وأن يعلنوا ذلك بقولهم: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
ومن الاجتهادات التي عمل بها وأعلنها للناس ما يتعلق بنصيب المؤلفة قلوبهم حين علق العمل به بحجة أن الإسلام لم يعد في حاجة إلى تأليف قلوبهم بعد أن قوي الإسلام وإذا احتاج الإسلام فيما بعد إلى تأليف قلوبهم، فمن الممكن إعادة العمل بهذا النص.
ومن الاجتهادات التي رآها رضي الله تعالى عدم تقسيمه لأرض السواد باعتبارها آخر ما حققه المسلمون، وحفظها تأمينًا لمستقبل أبناء المسلمين وعلى الرغم من رفض كبار الصحابة لهذا القرار إلا أنه وافقه جمع كبير من الصحابة، وكان اجتهادًا مباركا وموفقًا.
واجتهاده في وقف حد السرقة لوجود شبهة أن من يسرق قد يكون له عذر، والحدود تدرأ بالشبهات كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة» البخاري.
ولقد كان هناك شبه إجماع على أقضية عمر بن الخطاب حتى أن عمر ابن عبدالعزيز لما آلت إليه الخلافة مختارة طلب من أخواله أن يأتوه بأقضية عمر لتكون له مرجعًا في أقضيته حين تتشابه علة ما يرفع إليه من قضايا والعلة التي أصدر بموجبها هذه الأقضية العمرية.
إذًا، فقد صار عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وأحكامه جزءًا من الشريعة وخاصة أنها جاءت عن طريق مصدر من مصادر الشريعة وهو الإجماع.
هذا هو عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين.. فاروق هذه الأمة وعبقريها.. الرجل الصالح الذي استفاد من مستجدات العصر ونقلها إلى دولة الإسلام في جرأة يحسد عليها، ويعتبر المؤسس الحقيقي لدولة الإسلام الراشدة المباركة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك