لقد بات من المعروف اليوم –كما قلنا سابقًا– أن إدارة التميز الإداري والتنظيمي سمة المؤسسات التي تعمل وفق منهجية تنظيمية مستدامة أو في بيئة تنافسية، الأمر الذي يتطلب منها التطوير الدائم والمستدام، حيث إنه السبيل الوحيد للبقاء في طور المنافسة. ولقد وجدنا –أيضًا– أن امتلاك المؤسسة لمقومات وقواعد إدارة التميز وتفعليها يساعدها على البقاء والاستدامة في عالم اليوم القائم على الحركة السريعة والتطوير المستمر.
ونحن نعرف اليوم أيضًا وجود علاقة طردية ما بين (إدارة الجودة الشاملة) و(إدارة التميز الإداري والتنظيمي)، فلا يمكننا أن نرتقي بإدارة التميز المؤسسي إلا بوجود وتنفيذ إدارة الجودة الشاملة، فقد رصدت دراسة تطبيقية في الولايات المتحدة أن تبني المؤسسات الحكومية حزما من البرامج الهادفة لتحسين الجودة قد أسهم في نمو الإنتاجية وخفض الكلفة، والحصول على مساندة ودعم المواطنين والقطاع الخاص، وحماية القواعد الاقتصادية للدولة. كذلك في دراسة مسحية طبقت على عينة واسعة من المؤسسات الحكومية العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية حول انعكاسات الالتزام بتطبيق إدارة الجودة الشاملة، أظهرت النتائج تحسنا واضحا في الإنتاجية، وملاقاة تطلعات متلقي الخدمات، إضافة إلى خفض النفقات المالية في المؤسسات التي طبقت هذا الأسلوب. وهي الأمور التي أدت الى انتشار مفهوم (إدارة الجودة الشاملة) بمعدل لم يسبق له مثيل في كل من القطاعين العام والخاص، حيث يوفر الالتزام بمعايير الجودة في مجال تقديم الخدمات الحكومية العديد من المنافع والوفورات.
وحتى ننهي موضوع التميز الإداري والتنظيمي، وجدنا أنه ينبغي أن نطرح بعض المنهجيات لنماذج التميز الإداري والمؤسسي، ولكن قبل ذلك علينا أن نتعرف إلى أهداف التميز الإداري والتنظيمي.
أهداف التميز الإداري والتنظيمي
تتمثل أهداف إدارة التميز في تحقيق التفوق والتميز في الأداء وتحقيق رضا العملاء والموظفين. وتتضمن هذه الأهداف تحقيق المرونة والابتكار وتطبيق الممارسات المثلى في العمليات الداخلية للمؤسسة. كما تسعى إدارة التميز لتحقيق تحسين مستمر وتطوير القدرات والمهارات لدى الفريق العامل، حيث تعتبر إدارة التميز أساسية لنجاح المؤسسات في سوق الأعمال المتنافسة. وتهدف إدارة التميز إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية لضمان تفوق وتميز المؤسسة، وفيما يلي تفاصيل توضح بعض أهم أهداف إدارة التميز:
تحقيق الجودة العالية: تهدف إدارة التميز إلى تحقيق معايير عالية في الجودة في جميع جوانب العمل، وتسعى المؤسسة لتقديم منتجات وخدمات متميزة تلبي احتياجات وتوقعات العملاء.
رضا العملاء: تسعى إدارة التميز لتحقيق رضا العملاء الكامل من خلال تقديم تجربة مميزة ومرضية، ويتضمن ذلك فهم احتياجات العملاء وتوفير حلول مبتكرة وملائمة لها.
تحسين الكفاءة والإنتاجية: تهدف إدارة التميز إلى تحسين كفاءة العمليات وزيادة الإنتاجية، ويتم ذلك من خلال تحليل العمليات وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين وتطبيق تقنيات وأدوات تحسين الأداء.
التفوق التنافسي: تهدف إدارة التميز إلى تحقيق التفوق التنافسي عن طريق تقديم منتجات أو خدمات تتفوق على تلك المقدمة من قبل المنافسين، ويتطلب ذلك التركيز على الابتكار والتطوير المستمر.
تعزيز الثقة والسمعة: تهدف إدارة التميز إلى بناء ثقة العملاء والشركاء والمجتمع بأكمله، ويتم ذلك من خلال تقديم منتجات وخدمات موثوقة والالتزام بالمعايير الأخلاقية والاجتماعية.
تحسين رضا الموظفين: تهتم إدارة التميز أيضًا برضا الموظفين وتحفيزهم على تقديم أفضل أداء، وتشمل الاهتمام بالموظفين توفير فرص التدريب والتطوير وبيئة عمل ملائمة تشجع على الإبداع والابتكار.
تحقيق الاستدامة: تهدف إدارة التميز إلى تحقيق الاستدامة الشاملة في الأعمال، وتشمل ذلك مسؤولية المؤسسات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
إن تحقيق هذه الأهداف يسهم في نمو وازدهار المؤسسة وتحقيق التفوق على المستوى الشخصي والمؤسساتي، وتتطلب إدارة التميز الالتزام القوي من قبل القيادة العليا والعمل الجماعي والتحسين المستمر للعمليات والاستفادة من التقنيات والأدوات المناسبة.
نموذج إدارة التميز المؤسسي الأوروبي (RADAR)
استعرضنا في عدة مقالات سابقة بعض نماذج إدارة التميز المؤسسي، ومنها النموذج الأوروبي (EFQM-2020)، والذي وجدناه أن يشمل (7) معايير رئيسية، يتم توزيعها إلى ثلاثة محاور رئيسية. ولا نريد إعادة طرح هذا النموذج إلا أننا اليوم سنتطرق إلى نموذج آخر وهو من النماذج المنتشر استخدمها على المستوى العالمي وهو ما يعرف بنموذج (RADAR). ما هذا النموذج؟
يتكون نموذج (RADAR) من الحروف الأولى من الكلمات:
تحديد النتائج المطلوبة [(R) Review]؛ وهذه النقطة تجيب عن سؤال مهم: ماذا نريد أن نحقق من خلال هذا المشروع أو الأمر الذي ننشد تحقيقه؟ بمعنى تحديد الأهداف.
تخطيط وتطوير مجموعة من المنهجيات المتكاملة [(A) Approach]؛ وهذه تعني الإجابة على السؤال التالي: ما المنهجيات والخطط التي وضعناها لتحقيق النتائج السابقة؟ هل لدينا خطط أم أننا نحتاج إلى وضع الخطط؟
تطبيق وتفعيل المنهجيات المتكاملة [(D) Deployment]؛ وتجيب على السؤال التالي: كيف سنطبق وننفذ الخطط والمنهجيات التي تحقق النتائج المرجوة؟ أي أن نضع الخطط التي وضعت في مرحلة سابقة في موضع الحركة والتشغيل والانطلاق.
تقييم ومراجعة النتائج وتطورها [(A&R) Assess & Review]، وأخيرًا نعني: هل سنقوم بتقييم ومراجعة الأداء والكشف عن الانحرافات أو البعد عن النتائج المستهدفة، ومن ثم تتخذ الإجراءات لتصحيحها وتحسين الأداء المستمر والبحث عن فرص التحسين، أي تتم عملية التعلم والابتكار.
إلا أن العملية لا تنتهي عند هذا الحد، وإنما تأتي بعد ذلك عملية ذات أهمية بمكان وهي (آلية التقييم)، حيث لا يمكن التأكد من صحة تنفيذ هذا النموذج إلا من خلال وضع آلية لتقييم التنفيذ، والتي عادة تتم بتقسيم النموذج إلى قسمين: تقييم النتائج لوحدها في جهة، وتعرف بتحليل وتقييم النتائج، وبقية الأمور التالية يتم تقييمها مع بعضها البعض وتعرف بتحليل الممكنات أو الوسائل.
أولاً - آلية التقييم الرادار (RADAR) للممكنات أو الوسائل: يتم استخدام مصفوفة الممكنات لتحليل المنهجيات الخاصة بمعايير الممكنات، وهي تشمل التالي:
* القيادة.
* الاستراتيجية.
* العاملون.
* الشراكات والموارد.
* العمليات والمنتجات والخدمات.
ثانيًا - آلية التقييم الرادار (RADAR) على النتائج: يتم استخدام مصفوفة النتائج لتحليل النتائج الخاصة بمعايير النتائج، وهي تشمل التالي:
* نتائج المتعاملين.
* نتائج العاملين.
* نتائج المجتمع.
* النتائج الرئيسة.
وكذلك لا يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما من المنهجية العلمية للتقييم أن يتم كل هذا وفق جداول ومؤشرات محددة وواضحة، ومن خلال مساطر قياس المؤشرات وما إلى ذلك، فهي ليست عملية عشوائية وإنما منظمة ومحددة وموضوعية حتى تتمكن المؤسسة من تقييم نفسها وتقييم أداءها وتقيس نسبة التميز التنظيمي الذي قامت به خلال المرحلة الماضية، أو الفترة الزمنية التي وضعتها للتنفيذ. ومن ثم هناك آليات لاحتساب النتائج وفقًا لأرقام معينة حتى تكون نتائج التحليل أكثر دقة وموضوعية.
جائزة الملك عبدالعزيز للجودة المؤسسية (اتقان)
أنشئت في عام 27/11/1420 هجريًا (مارس 2000)؛ وهي عبارة عن جائزة سنوية معنوية تمنحها الحكومة السعودية للمؤسسات لكي تحفزها على تنفيذ رؤية المملكة لعام 2030. وتُعد الجائزة وسيلة للتميز في الأعمال، وتساعد في توفير إطار كامل متناسق يحث على التعاون بين الهيئات والإدارات المختلفة.
الأهداف الاستراتيجية للجائزة
يكمن الهدف الرئيسي للجائزة في الحث على تعزيز الاقتصاد من جميع الجوانب وذلك وفقًا لرؤية 2030 التي تهدف إلى جعل المملكة العربية السعودية من أفضل الدول العالمية، علاوة على ذلك توجد أهداف استراتيجية فرعية أخرى تزيد من قيمة جائزة التميز المؤسسي منها:
التوعية ونشر ثقافة التميز بين مؤسسات الدولة وحث تلك المؤسسات على تقديم أفضل جودة في الخدمات التي تصل للمواطن.
تعمل الدولة من خلال منح الجائزة على حث المؤسسات على رفع مستوى الجودة وتهدف الى تحقيق الإبداع وبالتالي تتحقق الرؤية الاستراتيجية.
تحث الدولة المنظمات والمؤسسات والمنشآت على الالتزام بالمعايير الدولية للإنتاج وبالتالي تساهم في الارتقاء من مستواها بشكل تصاعدي.
تحرص الدولة على تبادل الممارسات بواسطة المنشآت والارتقاء بالمستوى العامة للخدمات والمنتجات المطروحة في الأسواق.
حصول أي مؤسسة على الجائزة سوف يكون له أثر إيجابي على المنشآت الجديدة والمنافسة وبالتالي سوف يظهر التحسن في جميع أجزاء الدولة دون حائل.
- معايير الجائزة
تستند الجائزة إلى نفس معايير نموذج التميز المؤسسي السعودي الذي يعد من النماذج الشاملة التي تركز على جميع جوانب الأداء، وهي كالتالي:
تستند جائزة التميز في الأعمال إلى معيار القيادة ويركز على الالتزام بالتميز وتوضيح الرؤى والقيم، كما أنه يقيس مدى فاعلية القيادة الأخلاقية والاستراتيجية لأفضل المؤسسات.
معيار الاستراتيجية من معايير جائزة الملك عبدالعزيز للتميز المؤسسي الهامة للغاية، وذلك لأنه يقيس مدى قدرة المؤسسة على إنشاء استراتيجية واضحة وتنفيذها بدون حدوث مشكلة.
يتم قياس قدرة المؤسسة على تلبية احتياجات العملاء وذلك من خلال معيار العملاء الذي يتضمن فهم العملاء وقياس رضاهم عن الخدمات التي تقدم لهم.
الابتكار من المعايير التي تستند إليها الهيئة المانحة للجائزة وتقيس من خلاله القدرة على الابتكار والإبداع وحل المشكلات بطرق غير مألوفة.
بالإضافة إلى المعايير السابقة توجد معايير أخرى منها؛ العمليات والتعلم والنمو والمسؤولية الاجتماعية. وتركز كافة المعايير على قياس جميع جوانب الأداء وبناءً على ذلك يتم اختيار أفضل مؤسسة من المؤسسات العامة والخاصة.
ربما تنتهي رحلة مقال التميز المؤسسي والتنظيمي عند هذا الحد، إلا أنه يجب أن يكون معلومًا أن رحلة التميز الإداري والتنظيمي ليست مجرد كلام نظري، وإنما هو عملية تطبيقية تنفيذية، حتى إن لم يكن الأمر متعلقا بجائزة.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك