مازالت المنصات الإعلامية الكبرى (الرسمية وغير الرسمية) في الولايات المتحدة تلعب دورها في محاولتها صد التحول الامريكي الجاري داخليا (بالوقوف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني وإدانة الإبادة الجماعية المستمرة على يد الكيان الصهيوني في قطاع غزة) وذلك عبر التأثير على الرأي العام وتوجيهه للعودة إلى ممارسات العهود السابقة شبه المتصهينة، كون الرأي العام الأمريكي بأغلبيته داعما للكيان الصهيوني.
ولقد روج هذا الإعلام على مدار عقود للبروباجندا الصهيونية، قبل حدوث التغيير الكبير بابتعاد فئة الشباب عن الشاشات الكبرى المشتراة سياسياً، والتفاعل - حصراً تقريباً- مع مواقع التواصل الاجتماعي والجماهيري التي بثت، بالصوت والصورة، الحقائق كما هي على الأرض كاشفة جرائم الإبادة الجماعية في القطاع.
في تغطيتها للاحتجاجات الطلابية في حرم الجامعات الأمريكية، لم تختلف سياسة شبكات الإعلام الرسمية في الولايات المتحدة عن خطها السابق المتصهين الا قليلاً، إذ لا تزال هذه الشبكات في الأغلب الأعم مستمرة بشيطنة الفلسطينيين وتبرير الحرب الإبادية التي يشنها الكيان الصهيوني.
ومع ذلك، فشلت هذه الشبكات في تجاهل الحركة الطلابية الأمريكية المناصرة للفلسطينيين التي اكتسحت شوارع الولايات المتحدة، فلجأت أيضاً إلى شيطنة الحركة الطلابية، بزعم اتهامات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: الطلاب الداعمون للقضية الفلسطينية يرددون هتافات تحريضية ضد اليهود، الطلاب يستخدمون عبارات الكراهية، وهم يمجدون الإرهاب ويتمادون في معاداة السامية، ويسهمون بخلق بيئة سامة للطلاب اليهود في حرم الجامعات، مع تجاهل كامل للدور القيادي الانساني للجيل الجديد من اليهود في الولايات المتحدة في صناعة وإدامة هذه الاحتجاجات.
من الأساليب التي فشلت في شيطنة الاحتجاجات الطلابية تسمية العدوان على القطاع بـ«حرب إسرائيل/ حماس» في محاولة تبرير الإبادة الجماعية.
وكذلك تسمية الاحتجاجات بـ«الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل» وليس لجرائمها، مقابل التركيز على عدائهم وعداء الحركة الاحتجاجية للكيان الصهيوني كدولة «جامعة لليهود»! بالإضافة إلى المقالات والتقارير التضليلية التي اعتمدتها بعض الشبكات التلفزيونية والإعلامية حين اعتبرت امتداح المقاومة الفلسطينية إرهابا يستهدف ترحيل كل الإسرائيليين إلى أوروبا، وأيضاً توظيف عبارة من البحر إلى النهر لتبرير الهجمة القمعية التي قادتها قوات الأمن الأمريكي بإيعاز من بعض إدارات الجامعات.
بل وصل الحال حداً شبهت معه صحيفة «نيويورك تايمز» فيه الطلبة بالمرض! مشيرة إلى انتشار الاحتجاجات بلفظ معدٍ!، مركزة على أسباب اقتصار انتشار الاحتجاجات على الولايات المتحدة وليس في أماكن أخرى من العالم (وهو الامر الذي سرعان ما انتهى مع توسع الاحتجاجات الى عديد الجامعات في العالم) مع تجاهل كامل للدور الأساسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في تمويل ودعم المقتلة المستمرة في القطاع.
ومن جهتها، اتهمت شبكة «سي إن إن» الطلبة بنشر الكراهية ومعاداة السامية حين ركزّت على استخدام بعضهم عبارات حادة (رغم أن الغالبية الساحقة من الشعارات كانت فقط: إما منددة بانتهاكات اسرائيلية واضحة، وإما مؤيدة لحق الفلسطينيين في الحياة وفي تقرير المصير).
ومع استمرار الاحتجاجات الطلابية، لم تجد بعض الشبكات الإعلامية والتلفازية الكبرى بدا من محاولة الموازنة بين الحقيقة الساطعة والكذب الرسمي فحاولت مسك العصا من الوسط وتقديم عدد من التقارير المحدودة التي تمارس فيها دور الصحافة الاستقصائية الحقيقي، وخاصة مع انكشاف النهج القمعي الذي اتبعته إدارات تلك الجامعات التي انحازت للرواية الرسمية الأمريكية والصهيونية في خطوطها العامة، وذلك بحجة حفظ الأمن ومحاربة معاداة السامية.
لكن من المخزي في بلاد العم سام التي ترفع شعار حقوق الإنسان، كون تصوير هذه الشبكات الاحتجاجات كانتهاك للحدود القانونية المكفولة لحرية التعبير، باعتبار أن هناك اعتبارات أخرى لا تقل أهمية مثل: حرية التعلم وعدم التمييز، ووجوب حماية مصالح بقية الطلبة اليهود بشكل خاص متجاهلين دوماً الدور القيادي لطلبة يهود في الحركة الاحتجاجية، ومتجاهلين أيضا حرية التعبير كمفهوم قانوني محمي بموجب الدستور. هذا، ويحدثونا عن شفافية وموضوعية الإعلام في دول الغرب!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك