من المهم التأكيد على بداية التحول العربي تدريجيا، ولو بخطوات بطيئة وبسيطة من وضع بيضهم كله في سلة الغرب إلى تقسيم هذا البيض على أكثر من سلة. وقد شهدنا بوضوح منذ عام 2022 إلى اليوم تحولات واضحة ومعلنة نحو التوجه شرقا إلى العلاقات مع روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية بوجه خاص، مما يتيح للعرب مرونة أكثر في العلاقات الدولية وفي الضغوط التي تمارس ضدهم من قِبل القوى الغربية.
فاللقاءات على أعلى المستويات بين عدد من القادة العرب وخاصة الخليجيين من مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قد تكثفت خلال السنتين الماضيتين، كذلك المشاركات في بعض المنتديات المهمة في مقدمتها المنتدى العربي الصيني الذي حضره حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، وكذلك منتدى سانت بيترسبورغ الاقتصادي الذي افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمشاركة 39 دولة من مختلف أرجاء العالم من بينها 9 دول عربية، حيث كانت البحرين حاضرة في هذا المنتدى المهم الذي ولى وجه هذه السنة نحو الشرق لكسر العزلة الغربية على روسيا، حيث مثل هذا المنتدى فرصة كبيرة ليس فقط لمناقشة القضايا الاقتصادية والأمنية فحسب، بل فرصة كبيرة لعقد الصفقات الاقتصادية والتجارية الثنائية والجماعية فهو منتدى للاستثمار وليكون نافذة على التعاون الدولي خارج المركزية الأوروبية.
ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن هذا المنتدى الروسي كما المنتدى العربي الصيني قد أسهموا من خلال مداولاتهم وحواراتهم ولقاءاتهم في كسر العزلة عن روسيا التي حاول الغرب فرضها عليها وكانت مخرجاته الأساسية إيجابية، بحسب التقارير الغربية نفسها. وعلى الرغم من أن حجم الاتفاقيات والأموال التي تم التعبير عن الاستعداد لاستثمارها في الاقتصاد الروسي وكذلك حجم الأموال التي عبرت روسيا عن استعدادها لاستثمارها في عدد من البلدان الخارجية في المنتدى، فإنه من الواضح أن نتائجه النهائية كانت إيجابية ومبشرة ونافذة جديدة على التعاون الدولي خارج هيمنة وسيطرة الغرب الجماعي، كما يسميه الروس، مما يبشر بتقوية هذا المحور الذي سوف يكسر الاحتكار الغربي للاقتصاد العالمي.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى حجم الحضور والمشاركة في هذا المنتدى الذي لا يقل أهمية عن المنتديات المماثلة التي تنظمها الدول الغربية، حيث بلغ عدد المشاركين في هذا المنتدى أكثر من 10 آلاف من بينهم رؤساء دول ووزراء بل شارك فيه 45 مسؤولا من مختلف أنحاء العالم من بينهم وزير الطاقة السعودي ووزير التجارة العماني ووزير الصناعة والتجارة البحريني وعدد كبير من المسؤولين من بلدان أخرى مثل الجزائر وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند والصين.
إن هذا التشكل الجديد للعالم وبالرغم من أن منتدى سانت بيترسبورغ ليس جديدا وليس الرد الأمثل على العزلة التي تحاول الدول الغربية فرضها على روسيا، فإنه أعطى الأمل بإمكانية بناء التعاون والاستثمار على أسس جديدة ليس من ضمنها الهيمنة ولا استعمار واستغلال للموارد. وقد كانت الصفقات التي تم التوقيع عليها هائلة، إذ استفادت منها العديد من الدول العربية على صعيد الاستهلاك من المواد الزراعية والقمح والزيوت النباتية والاستفادة أيضا من التعاون الصحي والعلمي ومختلف الجوانب التي تعمل روسيا منذ سنوات طويلة على تطويرها مع أغلب دول العالم خارج الهيمنة الغربية التي تنعم بخيرات سكان العالم تقريبا.
إننا في الخلاصة نصل إلى ما بدأنا به هذا المقال وهو الحاجة الماسة إلى فك الحصار الغربي عن دولنا تماما، ولكن لا يعني ذلك أبدا أن دولنا سوف تنقلب على تعاونها أو اتفاقاتها المشتركة مع الدول الغربية، ولكن المقصود تحديدا هو تنويع الشراكات بشكل جدي مع مختلف دول العالم بما يمنح دولنا المرونة اللازمة على صعيد الاستثمار والتعاون الاقتصادي وما يمنح دولنا أيضا قوة أكبر وصمودا أكبر في مواجهة الضغوط الغربية التي تمارس على دولنا بحيث تصبح مختلف الدول العربية مستفيدة من الشرق ومن الغرب على حد سواء، لأن التجارب السابقة أثبتت مخاطر الاعتماد على جهة واحدة يمكن أن تنقلب عليك في أي لحظة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك