يُحتفى بشهر يونيو من كل سنة باعتباره الشهر الوطني للهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية - وهو يتيح فرصة مناسبة للتأمل في الدور الخاص الذي لعبه المهاجرون ومازالوا يلعبونه في إثراء هذا البلد.
لا تشكل الهجرة بأي حال من الأحوال خطرا يتهدد حيوية الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن الهجرة كانت دائما بمثابة القوة التي تمنح الحياة وتساعد هذه البلاد في كل جيل من الأجيال على النمو وتحقيق التقدم.
تتجلى هذه الحقيقة في المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يأتي المهاجرون واللاجئون الجدد ليس فقط بآمالهم وأحلامهم بحياة أفضل، ولكن أيضًا بطاقاتهم وتصميمهم على الازدهار وإعالة أسرهم.
لقد جلب هؤلاء المهاجرون واللاجئون أيضًا خصائصهم الثقافية الفريدة التي تسهم في جعل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي هي عليه اليوم.
وكثيراً ما يُنسى هذا الأمر في أوقات الضغوط الاقتصادية أو الاستقطاب السياسي، مع انتفاضة المتعصبين الكارهين للأجانب للمطالبة بإغلاق أبواب الولايات المتحدة الأمريكية. يتم تصوير المهاجرين على أنهم تهديد للرفاهية الاقتصادية للمواطنين.
يزعم هؤلاء المتعصبون أن هناك «ثقافة أمريكية» لا يشاركها المهاجرون. إنهم يرفعون شعارات مثل «لن تحلوا محلنا» أو «المهاجرون لا يشاركوننا قيمنا أو ثقافتنا» أو «سوف يلوثون دماء البلاد».
ما ينساه هؤلاء المتعصبون المناهضون للمهاجرين هو أن أسلافهم كانوا في كثير من الأحيان يواجهون نفس المخاوف والشعارات الإقصائية عندما قدموا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة، كما ينسون أنه لا توجد ثقافة أمريكية فريدة من نوعها دون مساهمات المهاجرين الذين جعلوا ثقافتنا ما هي عليه اليوم.
ماذا ستكون الثقافة الأمريكية بدون الأسكتلنديين والإيرلنديين والأمريكيين الأفارقة الذين جلبوا موسيقاهم ورقصهم، أو الإيطاليين والصينيين والمكسيكيين واليونانيين والعرب الذين أسهموا بطعامهم، أو الشعب اليهودي في أوروبا الشرقية الذي قدم لنا فنونهم وروح الدعابة، ناهيك عن عدد لا يحصى من المهاجرين الآخرين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة والذين جعلت مساهماتهم في العلوم والطب والفن والأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي هي عليه اليوم.
من المهم أن نفهم أن هاتين الرؤيتين المتنافستين للبلاد جاءتا في موجات متتالية. ومن المحزن بشكل خاص أن نرى أحفاد الموجات السابقة من المهاجرين، الذين تعرضوا للشتائم قبل قرن من الزمان، أصبحوا الآن كارهين للأجانب في هذا العصر.
لكن من حسن الحظ أن المتعصبين في كل فترة، بعد أن أحدثوا أضرارا قصيرة المدى، كانوا يخسرون دائما مع انتصار الروح الأمريكية الأكثر شمولا. وعندما يفوز الإدماج، تفوز أمريكا.
لقد وقفت على هذه الحقيقة خلال زيارتي الأخيرة لمسقط رأسي في أوتيكا، بنيويورك. طوال معظم فترات وجودها التي تزيد على قرنين من الزمان، كانت أوتيكا عبارة عن مجتمع من المهاجرين. في البداية جاء الألمان، ثم الويلزيون، ثم الأيرلنديون - لحفر القنوات والعمل في مصانع المدينة.
بعد ذلك، ومع بداية القرن الماضي، جاء تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين من إيطاليا وأوروبا الشرقية والوسطى ولبنان. وبحلول منتصف القرن العشرين، كان عدد سكان يوتيكا أكثر من 100000 نسمة.
لقد عاش هؤلاء المهاجرون في أحياء عرقية، كما عملوا في مصانع شرق وغرب يوتيكا، حيث وضعتهم أجورهم بشكل مباشر ضمن الطبقة المتوسطة في تلك الفترة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
في تلك المرحلة بالذات فعلت يوتيكا شيئًا أمريكيًا صرفا. فقد افتتحت مركزًا للاجئين يجذب المهاجرين واللاجئين من كل مكان. لقد رحبت بالوافدين الجدد، وساعدتهم على إعادة التوطين والعثور على عمل، وزودتهم بالخدمات اللازمة لتسريع عملية تثاقفهم في بيئتهم الجديدة، وقد تكللت تلك الجهود بالنجاح.
وبعد عقود من الانخفاض، نما عدد سكان يوتيكا مرة أخرى ليرتفع إلى 64000 نسمة. استقر الآلاف من البوسنيين والبورميين والروس والفيتناميين والأفارقة وأمريكا اللاتينية والعرب (من العراق والسودان والصومال واليمن) في أوتيكا.
أعطتني أختي صورة حول التنوع الثقافي الغني الذي يشكل الآن الشارع الذي تسكن فيه مع عائلات من السودان وبورما وبولندا والبوسنة، وعائلات أمريكية أخرى من أصل إفريقي ولاتيني، تعيش جميعها بجوار بعضها البعض.
أعيد فتح الشركات التي كانت مغلقة، وتمت استعادة المنازل والأحياء التي كان من الممكن أن يعتقد المرء أنها غير قابلة للإصلاح إلى جمالها الأصلي. عادت الحدائق لتنمو في كل مكان، فيما راح الأطفال يلهون ويلعبون في الشوارع والحدائق. لقد عادت المدينة تنبض بالحياة.
يُظهر التعداد السكاني الأخير أن ما يقرب من واحد من كل خمسة من سكان يوتيكا مولود في الخارج، وهناك 40 لغة مختلفة يتم التحدث بها في المدينة. وفي غضون أقل من جيل واحد، سوف تصبح كل هذه المجموعات المتنوعة أمريكية. سوف يصبحون ديمقراطيين أو جمهوريين. سوف يتابعون فرق البيسبول أو كرة القدم المفضلة لديهم.
سوف يستمع أطفالهم إلى الموسيقى الشعبية. لن يصبحوا أمريكيين فحسب، بل ستتحول الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بفضلهم وبمساهماتهم.
خدم مايك بارودي وهو أحد أصدقائي وهو أمريكي من أصل لبناني، في إدارة ريغان، يسمي هذا بالكيمياء الرائعة المتمثلة في التحول إلى أمريكيين ـ فالمهاجرون يصبحون أمريكيين وأمريكا تتغير بفضل إضافتهم إلى نسيجنا الثقافي.
كلمة أخيرة أقولها لكارهي الأجانب: إن هذه الخاصية الاستيعابية والتحويلية هي التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية عظيمة، وليس أي نوع من التعصب الإقصائي.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك