من الواضح أن الحرب الروسية الأوكرانية تمر بمنعرج بعد فشل ما سمي بالهجوم المضاد الأوكراني الذي حشدت له الدول الغربية وحلف الناتو والقيادة الأوكرانية كل القوى العسكرية والمادية بهدف إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا الاتحادية، حيث بينت الوقائع على الأرض أن هذا الهجوم قد انتهى إلى هزيمة فادحة وإلى خسائر جسيمة للجيش الأوكراني من دون أن يحقق أي اختراق على الأرض ولو بسيط، ولذلك انتقل القوات الأوكرانية التي تصفها موسكو بالإرهابية لأنها تعتمد على ضرب وقصف الأحياء المدنية لإلحاق الضرر بالمدنيين والمدن مثل بيلغورد ورستوف اللتين تقصفان يوميا بشتى أنواع الصواريخ والمسيرات.
في ضوء هذه الهزيمة الكبرى والعجز التام والخسائر الفادحة في الجنود والعتاد والصمود البطولي للجيش الروسي في مواجهة ذلك الهجوم الفاشل انقلبت الصورة وانتقل الجيش الروسي من الدفاع إلى الهجوم في جميع الجبهات الممتدة على أكثر من ألف كيلومتر مربع بين البلدين، وشهدت الخطوط بينهما هجوما روسيا كاسحا على مدينة خاركيف، حيث توغل الجيش الروسي في هذه المنطقة بعد أن دمر خطوط الدفاع الأولى واستولى على 12 قرية وبلدة بعمق من 5 إلى 7 كيلومترات على امتداد مدينة خاركيف، إذ تشير التقارير إلى أن الجيش الروسي قد حرر أكثر من 230 كيلومترا مربعا من هذه المدينة بعد أن دمر خطوط الدفاع وأسر المئات من الجيش الأوكراني وهرب بقية الجيش إلى الخطوط الثانية في هزيمة كبرى وغير مسبوقة، فمنذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في فبراير من عام2022 وإلى اليوم، فإن أوكرانيا قد خسرت ما لا يقل عن 20% من أراضيها التي كانت تحت سيطرتها وأكدت روسيا الاتحادية أنها لا تستهدف احتلال مدينة خاركيف أو ضمها الى روسيا الاتحادية، حيث عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ذلك رسميا، وإنما تستهدف روسيا بناء خط دفاعي متقدم لإبعاد القوات الأوكرانية عن الحدود الروسية، وخاصة عن مدينة بيلغورد ورستوف اللتين تتعرضان يوميا للقصف، كما أسلفنا، حيث تنوي روسيا عمل منطقة فاصلة في عمق 10 كيلومترات على امتداد الحدود الفاصلة بين المدن الروسية التي تتعرض للقصف اليومي وبين مقاطعة خاركيف الأوكرانية التي تعد ثاني أكبر المدن الأوكرانية من حيث المساحة والأهمية الاستراتيجية وعدد السكان.
هذه الهجمة الروسية الجديدة اضطر لها الجيش الروسي أمام استحالة إيقاف الضربات المتتالية التي تنطلق من هذه المنطقة الأوكرانية بشكل مستمر في سبيل خلخلة المجتمع ونشر الفوضى في هذه المناطق الروسية الحدودية. هذا الهجوم الجديد لا يشمل فقط مدينة خاركيف بل يشمل جميع المناطق على امتداد الحدود الروسية الأوكرانية، حيث من المرجح أن ما حدث في خاركيف سيكون ضمن مواجهات عديدة متوقعة للضغط على الجيش الأوكراني بهدف إصابته بالشلل تمهيدا للاستسلام أو القبول بالمفاوضات، وخاصة أن مشروع اتفاقية السلام بين البلدين التي تم الاتفاق عليها في ابريل 2022 في تركيا موجودة ووافقت عليها كل من روسيا الاتحادية وأوكرانيا في ذلك الوقت، ويمكن أن تكون اليوم قاعدة أساسية لأي تفاهم جديد يشمل الطلبات الروسية الأساسية التي رفضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبتحريض بريطاني بشكل خاص منها على وجه الخصوص:
أولا: تحييد أوكرانيا بحيث لا تكون ضمن حلف شمال الأطلسي وتبقى على الحياد بين روسيا الاتحادية وحلف الناتو.
ثانيا: تجريد أوكرانيا من جميع أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تؤثر على روسيا أو تمس أمنها واستقرار وحدتها الوطنية.
ثالثا: تفكيك عصابات الإجرام النازية والفاشية الموجودة في شكل مليشيات أوكرانية معادية لروسيا بشكل عنصري ودموي، حيث قامت خلال السنوات الفاصلة بين عامي 2014 و2022 بممارسة كل أشكال الإرهاب والقتل والتعذيب بسكان إقليم الدونباس وشكل في تلك الفترة رأس حربة للجيش الأوكراني خلال اعتداءاته المستمرة على هؤلاء السكان وتدمير بيوتهم وأوجه الحياة على نفس الطريقة التي مارستها وتمارسها قوات الاحتلال في غزة.
إن الفرق بين روسيا وأوكرانيا في هذه المواجهة أن روسيا لديها أهداف وحتى إن تم استخدام القوة المسلحة، فإنها تهدف إلى تحقيق السلام في النهاية بين البلدين والشعبين الشقيقين، أما أوكرانيا ممثلة في الحكومة الحالية فإنها للأسف تعمل على تحقيق الأهداف الخاصة بحلف شمال الأطلسي بالدرجة الأولى ولذلك تبدو وكأنها مسلوبة الإرادة والدليل على ذلك انها حضرت في البداية المفاوضات التي احتضنتها تركيا وكانت على وشك توقيع اتفاقية سلام تنهي هذه الحرب بأقل الخسائر إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا رفضتا ذلك وأمرتا أوكرانيا بمواصلة الحرب لأن الهدف هو إلحاق الأذى بروسيا على أمل إلحاق الهزيمة بها وهو أمر لم يتحقق ولن يتحقق في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك