عالم يتغير
فوزية رشيد
مركز «تكوين».. إعمال العقل في الموروث أم هدم الثوابت الدينية؟!
{ حين تم تدشين أول مشروع علني منظم للتشكيك في ثوابت الإسلام كما علق كثيرون، باعتبار أن نشر (اللادينية والتشكيك وإنكار السنة النبوية) يتم العمل عليها منذ زمن طويل، إلا أن الضجة التي أثارها (مركز تكوين) لم تهدأ ولن تهدأ، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي ككل، فالقضية هنا هو محاولة لهدم دين وليس إصلاحه كما الادعاء! المركز أسسه عدد من المصريين والعرب مثل (إبراهيم عيسى، يوسف زيدان، إسلام بحيري، فاطمة ناعوت من مصر) ومن تونس ألفة يوسف، ومن سوريا «فراس سواح» ومن لبنان نائلة أبو نادر، وهي أسماء تجمُّعها في مركز واحد ليس أمرا اعتباطيا! ولقد تم إنشاء منصات للمركز على مواقع التواصل، وبث إعلانات، وحيث اسم المركز «تكوين» جاء على اسم أول سفر في التوراة «سفر التكوين» أي البدء أو البداية، مما اعتبره البعض واضح المرامي بالبدء في مرحلة جديدة علنية للتشكيك في العقيدة والسُنة! خاصة أن بعض تلك الأسماء اشتهرت بطرح المواضيع الإشكالية، والتشكيك في الأحاديث مثل (هل يوجد شيء اسمه سُنة نبوية؟! هل عمر بن الخطاب مسلم؟ هل الخمر حرام؟ لماذا لا تتزوج الأنثى من أربعة؟ هل القرآن حقيقي؟ هل هناك أهمية لعبادة الله والإيمان به؟!) إلى غير ذلك من الأسئلة التشكيكية التي توصل المتلقي غير المتخصص إلى الفراغ الذي يعد ضرورة كبداية، ليتم ملؤه بمعتقد إلحادي ولا ديني!
{ أخطر الحروب التي تشنها القوى الاستعمارية على المنطقة، هي (الحروب الناعمة)، وآلياتها مختلفة ومتعددة، تنتمي إلى حروب الجيل الرابع والخامس، وحيث الحرب الفكرية والثقافية تتم ممارستها بشعارات تدور كلها في إطار (تغيير النمط الفكري وتغيير الأفكار) حول كل ما يمثل بالنسبة إلى شعوب المنطقة هويتها وثوابتها، وعلى رأس تلك الثوابت الأوطان نفسها، والإنسان ومرجعياته الدينية والتاريخية والثقافية بما فيها اللغة.
{ وكما ابتكرت تلك القوى شعارات ومصطلحات (تضليلية) لهدم الأوطان مثل الحريات والديمقراطية والحقوق، وهي شعارات يختلط فيها الحق بالباطل، كذلك عملوا على آلية الهدم بأيدي أبناء المنطقة ذاتها! بعد صناعة (طابور خامس سياسي) خضع للتدريب في «مراكز التغيير» ونماذجها افتضحت في سنوات ربيع الفوضى، وانفضحت الدول الداعمة لها بين الاستخبارات الغربية والإقليمية كتركيا وإيران وإحدى الدول العربية، فإن القوى ذاتها (ابتكرت مصطلحات أخرى لهدم المكونات الدينية والثقافية والتاريخية لهذه الشعوب) وبشعارات تضليلية أيضا يختلط فيها الحق بالباطل مثل (تجديد الدين أيضاً أو تحديثه أو عولمته) ليكون هناك «دين معاصر» يستجيب لمتغيرات العصر العولمي و«الشرائع الوضعية الجديدة» من خلفية الإسلام فوبيا نشر اللاأخلاقية وهيمنة القيم المادية، وإباحة كل ما هو شاذ أخلاقيا، وباسم حرية الفكر والحقوق أيضا!
{ بالمقابل انتشرت أفكار مدروسة ومصطلحات لهدم تاريخ شعوب المنطقة وثوابتها، لتميل الكفة إلى (صهينة الأفكار) وهناك من أبناء المنطقة من أصبح يردد بكل وقاحة ألا شيء أو لا بلد اسمه فلسطين رغم كل الأحداث المأساوية في غزة بعد 7 أكتوبر!
وفي طريق الهدم السياسي الممنهج يتم هدم ثوابت أخرى كاللغة والانتماء الوطني والهوية التاريخية والثقافية الجامعة لصالح تفتيتها و(نشوء هويات إثنية طائفية أو عرقية وعقدية) انتماؤها لغير أوطانها! في ظل اكتساح آخر للهوية هو اكتساح النموذج الغربي وقيمه المادية المستفحلة في تطرفها المادي والمصلحي باعتباره أساس «الهوية العولمية الجديدة»!
{ وهناك من يخلط عمداً بين الدين الإسلامي وقوامه (القرآن والسنة النبوية) وبين الموروث الديني والموروث التاريخي! وحيث تقديم الرؤى حول الموروث وغربلته لا خلاف عليه، وهي رؤى متحركة عبر القرون، بما لا يخالف القرآن والسنة النبوية الصحيحة، اللذين لا يخضعان بالطبع لمشرط التغيير بحسب الأهواء والمتغيرات الدنيوية وما أكثرها!، وحيث القرآن هو كلام الله، وتأويله وتفسيره لا يخضع للأهواء الفردية ولفكر كل من هب ودب، وإنما لعلماء دين ومفكرين ذوي باع طويل وراسخ في التخصص القرآني وفي الفكر الديني وفي الفقه والحديث والتفسير وفي مقارنة الأديان، وحين نقول هذا فلا علاقة له بفرض الرؤية على الدين، بل لجعل النص القرآني في منأى عن عبث العابثين وخاصة «الملحدين واللادينيين» الذين يدخلون إلى تفسيره وتأويله (بنية استباقية) في رفضه ونزع القدسية عنه واللغو فيه، وهناك من يعلن ذلك صراحة!
{ إن تحول ماهية الحروب من الحروب العسكرية المباشرة إلى آليات الحروب الناعمة الفكرية والثقافية والإعلامية والدينية، هو تحول تنتجه وتتدارسه مراكز البحث الاستراتيجي في عديد من دول العالم اليوم، وترصده النخب الفكرية والثقافية والسياسية في كل الدول بلا استثناء! ولذلك حين يتم التطرق إليها كحروب ناعمة فلا أحد يبتكر فيها العجلة! والهجمة الجديدة على المنطقة اتضحت أبعادها بعد معايشة آثارها على الواقع العربي نفسه! وحيث زادت في السنوات الأخيرة في المجتمعات العربية ظواهر الانفلات الأخلاقي والديني و«التبعية الثقافية والفكرية» لما تنتجه المراكز الاستخباراتية الكبرى في العالم، وتعلن هدفها النهائي الذي هو (تغيير العقل العربي وتغيير الفكر العربي) لتسهيل السيطرة عليهما! وللأسف هناك من أبناء المنطقة من يتطوع ويكرس نفسه لأداء المهمة، ويعتبر أن من يحذر من هدم الهوية العربية وثوابتها، إنما هو يتسلط فكريا على الناس! ومن هنا نستطيع التمييز بين معاول الهدم ومعاول البناء في كل دول المنطقة العربية! و«مركز تكوين» بأفكار المؤسسين المعروفة يعمل علانية على هدم السُنة النبوية كبداية بحجة إعمال العقل في الموروث!
والحديث يطول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك