مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
حديثُ قائد أمة
عكست كلمات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم خلال لقائه الرئيس فلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية، أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها جلالته لموسكو خلال اليومين الماضيين، مكانة القائد المهموم بقضايا أمته العربية، التي يحملها على عاتقه في كل جولاته الخارجية، وهذا أمر ليس بغريب على جلالته، لذا فإن هناك الكثير من المعاني التي تستحق التوقف والنظر إليها بتمعن وعمق يتناسب مع قيمة كل عبارة وردت فيها.
إن هذه الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من انتهاء أعمال القمة العربية التي استضافتها مملكة البحرين بنجاح، ويتجسد من خلالها حرص جلالة الملك المعظم رئيس الدورة الحالية للقمة العربية على المسارعة بتفعيل مخرجات القمة التي توافق عليها القادة العرب، كما تؤكد أن البحرين تسخر كل إمكاناتها الدبلوماسية لتحقيق التطلعات العربية المنشودة في إنهاء الأزمات الإقليمية التي تضرب في خاصرة الأمة.
جلالة الملك المعظم تحدث بصوت كل مواطن عربي حينما قال: «إن غزة هي إحدى النقاط المؤلمة، وإن الجميع يأمل أن تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت، حفاظًا على الأبرياء الذين تأثروا كثيرًا ونزوح مئات الألوف من بيوتهم ومن مناطقهم وهم يبحثون في بلادهم التي يبلغ طولها 40 كيلومترًا تقريبًا وعرضها 12 كيلومترًا، بينما القصف مستمر»، وتلك العبارات الواضحة تؤكد أن وقف نزيف الدم الفلسطيني هو أولوية بحرينية تحرص عليها مرارا وتبذل لأجلها كل الجهود الممكنة من أجل مساعدة الأبرياء ومساعدتهم إنسانيا.
كما جاء حديث القائد مؤكدا الإجماع العربي على المبادرة البحرينية بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام والتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية ذلك الخلاف التاريخي، في تأكيد جديد لحرص العرب على تحقيق السلام العادل والشامل لهذا الصراع، وجاءت دعوة الملك للرئيس الروسي بدعم هذا المؤتمر إدراكا بحرينيا جليا بأنه يجب اضطلاع كل القوى الدولية الفاعلة في العالم بمسؤولياتها للعمل المشترك لوضع حد لهذه المعاناة الإنسانية.
وكانت كل كلمات الملك القائد رسائل واضحة للجميع عندما قال للرئيس الروسي: «أصدقاؤكم العرب يكنون لكم كل المحبة والتقدير لدور روسيا في تعاطفها مع القضايا العربية العادلة.. وقد كان هناك اتفاق تام بأن ندعو من قمة البحرين إلى مؤتمر دولي للسلام، وروسيا هي أول دولة أتوجه إليها بطلب دعم هذا المؤتمر، لأنه لا قيمة لهذا المؤتمر من دون دعم روسيا والدول العالمية المؤثرة، لذا نأمل بإذن الله أن نتوفق في تحقيق هذا المؤتمر في البحرين».
ومن منطلق المسؤولية التاريخية لقائد يقود سفينة العمل العربي المشترك في ظل أتون أمواج عاتية من الصراعات الإقليمية والدولية، أطلق جلالة الملك المعظم دعوة مخلصة لإقامة علاقات طبيعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أسس ومبادئ حُسن الجوار، حينما بادر جلالته بالتعبير عن تطلع مملكة البحرين إلى تحسين علاقاتها مع إيران، تلك الدعوة التي جاءت في قلب الكرملين أحد الحلفاء المقربين من طهران في الوقت الراهن، وتؤكد هذه الدعوة أيضا حرص القائد على تكريس قيم التسامح وتؤكد النهج الدبلوماسي الحكيم لجلالة الملك في الحرص على تعزيز السلام والعيش المشترك وتبادل المصالح في منطقة آمنة ومستقرة ومزدهرة.
هذه المبادرة الشجاعة من قائد الأمة تؤكد السعي البحريني الجاد نحو نزع فتيل التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، والتطلع إلى تصفير أزمات هذه المنطقة، وتأتي هذه الدعوة المخلصة لتؤكد لإيران الحرص العربي على السلام في منطقة الخليج، وعلى طهران أن تتقبل اليد الممدودة بالسلام وأن تجنح للسلم من أجل مصالح شعوب المنطقة.
وقد أظهرت كل الدول العربية تعاطفا واضحا مع إيران في مصابها بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث سقوط المروحية مؤخرا، وأرسلت العديد من كبار المسؤولين ووزراء الخارجية العرب لتقديم واجب التعازي للشعب الإيراني.
وتجسد المبادرة البحرينية حسن النوايا وانفتاح المنامة تجاه غلق صفحات الماضي والتجاوز عن الممارسات الإيرانية، حينما قال القائد والزعيم البحريني: «لا يوجد سبب لتأجيل عودة العلاقات بين البلدين»، مع تأكيد أهمية احترام قيم حسن الجوار والالتزام بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول.
زيارة جلالة الملك المعظم لروسيا كشفت المكانة الرفيعة التي تتمتع بها البحرين بين مختلف دول العالم، لأن العالم بحاجة إلى صوت الحكمة التي تتمثل في كلمات القائد من أجل تسوية وإنهاء الصراعات والنزاعات العالمية، والعمل على تسويتها وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وتسخير الجهود الدولية لتكريس الاستقرار العالمي، ودعم التنمية المستدامة لما فيه الخير والنماء والازدهار لشعوب العالم أجمع.
والنتائج الطيبة التي تحققت من الزيارة ترسخ الإسهامات القيّمة لجلالة الملك المعظم في دعم القضايا العربية، والحرص على الدفاع المستمر عن الأمن القومي العربي، وأنه من المأمول أن تشهد رئاسة البحرين الرصينة للقمة العربية خطوات مشهودة نحو تعزيز وحدة الصف العربي، وهي النتائج التي يتوق إليها المواطن العربي لتجاوز التحديات التي تعرقل مسيرة هذه المنطقة من العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك