العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

العفو الملكي.. مسؤولية مجتمعية

في‭ ‬غضون‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط،‭ ‬شهدت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مكرمات‭ ‬ملكية‭ ‬سامية‭ ‬بالعفو‭ ‬الشامل‭ ‬والخاص‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2500‭ ‬محكوم‭ ‬ونزيل‭ ‬بمراكز‭ ‬الاحتجاز‭ ‬والتأهيل،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬اليوبيل‭ ‬الفضي‭ ‬لتولي‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬عندما‭ ‬أصدر‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬مرسومًا‭ ‬ملكيا‭ ‬ساميا‭ ‬شاملا‭ ‬بالعفو‭ ‬عن‭ (‬457‭) ‬محكومًا‭.‬

هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬الملكية‭ ‬الكريمة‭ ‬تأتي‭ ‬ترسيخا‭ ‬لقيم‭ ‬العفو‭ ‬والتسامح‭ ‬والعدالة‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون،‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬مسيرة‭ ‬العهد‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم،‭ ‬وهي‭ ‬شيم‭ ‬القائد‭ ‬والأب‭ ‬الذي‭ ‬يحرص‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العفو‭ ‬الأبوي‭ ‬عن‭ ‬المحكومين‭ ‬على‭ ‬إدماجهم‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬التنموية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأسري‭ ‬والعائلي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مجتمع‭ ‬تسوده‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬والترابط‭ ‬والشراكة‭ ‬المجتمعية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭ ‬واستدامة‭ ‬منجزاته،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬أمنه‭ ‬واستقراره‭ ‬وازدهاره‭.‬

اللفتات‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتتالية‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬والوطنية‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬وتعزيز‭ ‬صلابته،‭ ‬وحماية‭ ‬نسيجه‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتؤكد‭ ‬نهج‭ ‬البحرين‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينكره‭ ‬إلا‭ ‬جاحدٌ؛‭ ‬لأننا‭ ‬شهدنا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬ملك‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القفزات‭ ‬المشهودة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬سواءٌ‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والإسكان،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المملكة‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الـ34‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬3023‭-‬2024‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الإنمائي،‭ ‬لتصنف‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬المرتفعة‭ ‬جدا،‭ ‬متفوقة‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭.‬

هذه‭ ‬النهضة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتتحقق‭ ‬لولا‭ ‬متابعة‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬برئاسة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬تنفيذ‭ ‬التوجيهات‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬التنمية‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬أولويات‭ ‬مشروعات‭ ‬الدولة‭.‬

الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭ ‬والجهود‭ ‬الحكومية‭ ‬للتنمية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬ثناياها‭ ‬على‭ ‬مرتكزات‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬الإنسان‭ ‬البحريني،‭ ‬لذلك‭ ‬تأتي‭ ‬مبادرات‭ ‬العفو‭ ‬السامية‭ ‬لتكرس‭ ‬طابع‭ ‬الأبوية‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬القائد‭ ‬مع‭ ‬شعبه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬واحترام‭ ‬القضاء‭ ‬ومراعاة‭ ‬الظروف‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لأبناء‭ ‬الوطن‭.‬

وتجربة‭ ‬البحرين‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬تدابير‭ ‬تشريعية‭ ‬وتنظيمية‭ ‬متطورة‭ ‬تواكب‭ ‬أحدث‭ ‬المعايير‭ ‬الحقوقية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬العدالة‭ ‬الجنائية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة‭ ‬وبرنامج‭ ‬السجون‭ ‬المفتوحة،‭ ‬تؤكد‭ ‬السجل‭ ‬الحقوقي‭ ‬المتطور‭ ‬للمملكة،‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬به‭ ‬إشادات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬عديدة،‭ ‬وباتت‭ ‬المملكة‭ ‬قبلة‭ ‬لزيارات‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحقوقيين‭ ‬ومسؤولي‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬المميزة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬نزلاء‭ ‬مراكز‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل‭.‬

ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مبادرات‭ ‬العفو‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬لاقت‭ ‬ترحيبا‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬البحريني،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رسائلنا‭ ‬واضحة‭ ‬لكل‭ ‬مستفيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المكرمات،‭ ‬وأن‭ ‬الجميع‭ ‬عليه‭ ‬مسؤولية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الأجواء‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تهيئها‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬لأبناء‭ ‬الوطن‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الاستقطابات‭ ‬والشحن‭ ‬السلبي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مشاركة‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬والإصلاح‭ ‬والتطوير،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬مكتسبات‭ ‬الوطن‭ ‬ومنجزاته‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات،‭ ‬والسعي‭ ‬الدؤوب‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬التي‭ ‬يفخر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬بحريني‭.‬

إننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬صرحاء‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا،‭ ‬لقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لأن‭ ‬ننبذ‭ ‬الخطابات‭ ‬الجوفاء‭ ‬التي‭ ‬يرددها‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يعتاشون‭ ‬على‭ ‬التفرقة،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتبنى‭ ‬خطابا‭ ‬وطنيا‭ ‬جامعا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬النهج‭ ‬الأبوي‭ ‬الذي‭ ‬تكرسه‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادراتها‭ ‬الإنسانية‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬يتفهم‭ ‬أبناؤنا‭ ‬المحكومون‭ ‬المستفيدون‭ ‬من‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬الشامل‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬يفتح‭ ‬ذراعيه‭ ‬لاستقبالهم،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة،‭ ‬وألا‭ ‬يعودوا‭ ‬رهائن‭ ‬لأصحاب‭ ‬أجندات‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬الخير‭ ‬للوطن‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المقبوض‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬مسيرات‭ ‬شغب‭ ‬مخالفة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهم‭ ‬بعد‭ ‬محاكمتهم‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬جنائية‭ ‬مختلفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجرائم‭ ‬ولم‭ ‬يستغلوا‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬الكبيرة‭ ‬ليكونوا‭ ‬أفرادًا‭ ‬صالحين‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭. ‬

إن‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تنعم‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬هي‭ ‬واجب‭ ‬وطني‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليه،‭ ‬وهي‭ ‬مسؤولية‭ ‬نتشارك‭ ‬فيها‭ ‬جميعا‭.‬

حفظ‭ ‬الله‭ ‬البحرين‭ ‬موطنا‭ ‬دائما‭ ‬للسلام‭ ‬والوئام‭.

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا