مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
العفو الملكي.. مسؤولية مجتمعية
في غضون ستة أشهر فقط، شهدت مملكة البحرين مكرمات ملكية سامية بالعفو الشامل والخاص عن أكثر من 2500 محكوم ونزيل بمراكز الاحتجاز والتأهيل، وذلك بالتزامن مع اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك المعظم مقاليد الحكم، كان آخرها مساء يوم الأربعاء عندما أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله ورعاه، مرسومًا ملكيا ساميا شاملا بالعفو عن (457) محكومًا.
هذه المبادرة الملكية الكريمة تأتي ترسيخا لقيم العفو والتسامح والعدالة وسيادة القانون، التي تسود مسيرة العهد الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وهي شيم القائد والأب الذي يحرص من خلال العفو الأبوي عن المحكومين على إدماجهم في المسيرة التنموية، ومن ثم تعزيز الاستقرار الأسري والعائلي في ظل مجتمع تسوده روح المحبة والترابط والشراكة المجتمعية الفاعلة في بناء الوطن واستدامة منجزاته، والمحافظة على أمنه واستقراره وازدهاره.
اللفتات الإنسانية المتتالية مع مختلف المناسبات الدينية والوطنية لها أثر إيجابي في دعم تماسك المجتمع البحريني وتعزيز صلابته، وحماية نسيجه الاجتماعي، وتؤكد نهج البحرين القائم على تعزيز حقوق الإنسان، هذا النهج الذي لا ينكره إلا جاحدٌ؛ لأننا شهدنا على مدار خمسة وعشرين عاما من حكم ملك الإنسانية الكثير من القفزات المشهودة في مجال حقوق الإنسان، سواءٌ في قطاعات التعليم والصحة والإسكان، أو غيرها من قطاعات التنمية الشاملة التي تستهدف الإنسان في المقام الأول، وهو ما جعل المملكة تحتل المرتبة الـ34 في تقرير التنمية البشرية 3023-2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لتصنف ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جدا، متفوقة بذلك على عديد من الدول المتقدمة.
هذه النهضة لم تكن لتتحقق لولا متابعة الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء تنفيذ التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد دائما أن المواطن البحريني هو محور التنمية وعلى رأس أولويات مشروعات الدولة.
الرؤية الملكية السامية والجهود الحكومية للتنمية في المملكة تقوم في ثناياها على مرتكزات ثابتة في القلب منها الإنسان البحريني، لذلك تأتي مبادرات العفو السامية لتكرس طابع الأبوية في تعامل القائد مع شعبه، من خلال حرصه على التوازن بين سيادة القانون واحترام القضاء ومراعاة الظروف الإنسانية والاجتماعية لأبناء الوطن.
وتجربة البحرين الرائدة في تطبيق تدابير تشريعية وتنظيمية متطورة تواكب أحدث المعايير الحقوقية العالمية في العدالة الجنائية، من خلال تطبيق العقوبات والتدابير البديلة وبرنامج السجون المفتوحة، تؤكد السجل الحقوقي المتطور للمملكة، التي نالت به إشادات إقليمية ودولية عديدة، وباتت المملكة قبلة لزيارات كثير من الحقوقيين ومسؤولي الأمن من الدول العربية والأجنبية للوقوف على هذه التجربة المميزة في التعامل مع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.
ونحن إذ نلقي الضوء على مبادرات العفو السامية التي لاقت ترحيبا واسعا في الشارع البحريني، يجب أن تكون رسائلنا واضحة لكل مستفيد من هذه المكرمات، وأن الجميع عليه مسؤولية الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي تهيئها القيادة الحكيمة لأبناء الوطن بعيدا عن الاستقطابات والشحن السلبي، من أجل مشاركة كل مكونات المجتمع في عملية التنمية والإصلاح والتطوير، والعمل على تعزيز مكتسبات الوطن ومنجزاته في شتى المجالات، والسعي الدؤوب نحو تحقيق المزيد من النجاحات التي يفخر بها كل مواطن بحريني.
إننا يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا، لقد آن الأوان لأن ننبذ الخطابات الجوفاء التي يرددها البعض من الذين يعتاشون على التفرقة، وعلينا أن نتبنى خطابا وطنيا جامعا يتناسب مع النهج الأبوي الذي تكرسه القيادة الحكيمة من خلال مبادراتها الإنسانية.
يجب أن يتفهم أبناؤنا المحكومون المستفيدون من العفو الملكي الشامل أن المجتمع يفتح ذراعيه لاستقبالهم، وعليهم أن يستفيدوا من هذه الفرصة، وألا يعودوا رهائن لأصحاب أجندات لا تريد الخير للوطن. ولا يمكن أن ننسى أن بعض المقبوض عليهم في مسيرات شغب مخالفة في يوليو الماضي كانوا قد استفادوا من العفو الملكي السامي بالإفراج عنهم بعد محاكمتهم في قضايا جنائية مختلفة، إلا أنهم عادوا إلى ارتكاب الجرائم ولم يستغلوا هذه الفرصة الكبيرة ليكونوا أفرادًا صالحين في مجتمعهم.
إن المحافظة على ما تنعم به البحرين من استقرار هي واجب وطني يتطلب من الجميع الحفاظ عليه، وهي مسؤولية نتشارك فيها جميعا.
حفظ الله البحرين موطنا دائما للسلام والوئام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك