العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

نظام بلا شرعية شعبية

قبل‭ ‬فترة‭ ‬جرت‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬الإيرانية‭. ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬تعتبر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬وبالذات‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬والشعب‭.‬

أسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬المشاركة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬كانت‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬نحو‭ ‬40‭% ‬فقط‭ ‬بحسب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭. ‬ونظرا‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬اضطر‭ ‬النظام‭ ‬إلى‭ ‬تمديد‭ ‬التصويت‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬حتى‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬ليلا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬أوراقا‭ ‬بيضاء‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الاحتجاج‭ ‬ولم‭ ‬يصوتوا‭ ‬لأحد‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا‭.‬

محللون‭ ‬كثيرون‭ ‬إيرانيون‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬توقفوا‭ ‬كثيرا‭ ‬أمام‭ ‬الانتخابات‭ ‬وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬الضئيلة‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬الشعبية‭ ‬ونتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

توقفوا‭ ‬أمام‭ ‬الانتخابات‭ ‬من‭ ‬زاويتين‭ ‬أساسيتين‭: ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تفسير‭ ‬انصراف‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬الانتخابات‭ ‬وهذه‭ ‬المشاركة‭ ‬الضعيفة؟‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬ماذا‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬ومدى‭ ‬شعبيته‭ ‬من‭ ‬عدمها‭ ‬وما‭ ‬تأثيرات‭ ‬ذلك‭ ‬مستقبلا؟

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتفسير‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬من‭ ‬المشاركة،‭ ‬فقد‭ ‬رصدت‭ ‬ستة‭ ‬أسباب‭ ‬كبرى‭ ‬أجمع‭ ‬عليها‭ ‬تقريبا‭ ‬كل‭ ‬المحللين‭ ‬الذي‭ ‬ناقشوا‭ ‬المسألة‭ ‬هي‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭ - ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬حدا‭ ‬من‭ ‬التردي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إيران‭ ‬كله‭.‬

2‭ - ‬القمع‭ ‬الوحشي‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬النظام‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬احتجاجات‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬عنيف‭ ‬للحركة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬مقتل‭ ‬مهسا‭ ‬أميني‭. ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬فهذا‭ ‬القمع‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬يومي‭ ‬للنظام‭.‬

3‭ - ‬استبعاد‭ ‬المرشحين‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬واقتصارها‭ ‬بالكامل‭ ‬على‭ ‬المتشددين‭ ‬المتطرفين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬للشعب‭ ‬خيارات‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬

4‭ - ‬إهدار‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬المليشيات‭ ‬والقوى‭ ‬والجماعات‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تخصيصها‭ ‬لتحسين‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية‭ ‬للمواطنين‭.‬

5‭ - ‬فقدان‭ ‬ثقة‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والعملية‭ ‬السياسية‭ ‬برمتها‭ ‬وبالتالي‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬جدوى‭ ‬فعلية‭ ‬للانتخابات‭. ‬بالطبع‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬هو‭ ‬محصلة‭ ‬للخبرة‭ ‬الطويلة‭ ‬للشعب‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬ومؤسساته‭ ‬ورجاله‭.‬

6‭ - ‬فقدان‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭. ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الإيرانيين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬مؤداها‭ ‬أن‭ ‬الأفق‭ ‬مسدود‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬تحسن‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬النظام‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬العبث‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬انتخابات‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.‬

هذه‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭.‬

لكن‭ ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا؟

يعني‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬قرر‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬عدم‭ ‬إعطاء‭ ‬النظام‭ ‬الشرعية‭ ‬الشعبية‭. ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬يفتقد‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬والشرعية‭ ‬الشعبية‭.‬

قبيل‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬عبّر‭ ‬مواطنون‭ ‬إيرانيون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬لوكالات‭ ‬أنباء‭ ‬ومواقع‭ ‬إعلامية‭. ‬أحد‭ ‬المواطنين‭ ‬قال‭ ‬لوكالة‭ ‬الصحافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيسي‭ ‬لأكبر‭ ‬سوق‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬التصويت‮»‬‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬المواطنين‭ ‬‮«‬يسمعون‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب،‭ ‬وقد‭ ‬فقدوا‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬التصويت‮»‬‭.‬

وإنه‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يوقف‭ ‬السياسيون‭ ‬الشعارات‭ ‬الفارغة‮»‬‭.‬

مواطن‭ ‬آخر‭ ‬وقف‭ ‬أمام‭ ‬متجره‭ ‬لبيع‭ ‬الملابس،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬عندما‭ ‬أخبر‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الشراء‭ ‬عن‭ ‬ثمن‭ ‬السلعة،‭ ‬يتذمرون‭ ‬ويشتمون‭ ‬الحكومة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغادروا‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬إذن‭ ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬حاليا‭.. ‬نظام‭ ‬ينصرف‭ ‬عنه‭ ‬الشعب‭ ‬ويحجب‭ ‬عنه‭ ‬الشرعية‭ ‬الشعبية‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬ليست‭ ‬الانتخابات‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬وأدلة‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭ ‬ليس‭ ‬هنا‭ ‬مجال‭ ‬الخوض‭ ‬فيها‭.‬

نثير‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬لمتابعة‭ ‬أو‭ ‬معرفة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬لسبب‭ ‬آخر‭ ‬أهم‭ ‬يعنينا‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.‬

وهذا‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا