يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
لماذا يقمعون انتفاضة الطلاب؟
انتفاضة طلاب الجامعات انطلقت من أمريكا وامتدت إلى عديد من دول العالم.
انتفاضات الطلاب في الجامعات في كل الدول هي سلمية أولا. لم تتجاوز التظاهر أو الاعتصام للتعبير عن آرائهم ومطالبهم. وحركة الطلاب هي ثانيا حركة إنسانية نبيلة تدافع عن قضية إنسانية عادلة هي ضرورة وقف حرب الإبادة الصهيونية الوحشية في غزة، والضغط على الحكومات الغربية كي توقف دعمها للحرب وتجبر الكيان الصهيوني على وقفها، بالإضافة إلى مطالبة إدارات الجامعات بوقف تعاملاتها وروابطها مع المؤسسات والشركات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من هذا التقت إرادة الدول الغربية وخصوصا أمريكا وبريطانيا وفرنسا على القمع الوحشي لانتفاضة الطلاب.
هذا القمع اتخذ أشكالا كثيرة على رأسها القمع المادي إذ اقتحمت قوات الشرطة الجامعات وقامت بفض الاعتصامات بالقوة واعتقلت آلاف الطلاب، وفي أمريكا وحدها تم اعتقال أكثر من ألفي طالب.
شيلا كورونيل الأستاذة بكلية الصحافة في جامعة كولومبيا الأمريكية وصفت مشهد قمع الشرطة للطلاب بقولها إن الشرطة كانت تبدو وكأنها «جيش يشن غزوا».
واتخذ القمع أشكالا سياسية فجة وإرهابا سياسيا ومعنويا للطلاب والأساتذة والجامعات. تم اتهام الحركة برمتها بأنها معادية للسامية، ولجأ الكونجرس الأمريكي مثلا إلى العمل على تعديل مفهوم «معاداة السامية» بحيث يعتبر أن أي انتقاد للكيان الصهيوني وسياساته معاداة للسامية، وبالتالي يشرع قمع الطلاب وغيرهم. ووصل الإرهاب للطلاب إلى حد التشهير بهم ورصد أسمائهم ودفع المؤسسات والشركات إلى عدم توظيفهم.
السؤال هو: لماذا كل هذا القمع لانتفاضة الطلاب؟! ما الذي يخيف الحكومات الغربية من هذه الحركة؟
بعيدا عن الأسباب المعروفة من قبيل الدور المباشر الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في الدول الغربية في التحريض على قمع الحركة، لدى الدول الغربية أسبابها الخاصة.
أول وأكبر هذه الأسباب أن حركة الطلاب بما ترفعه من مطالب تفضح حكومات الدول الغربية. تفضح الجريمة التاريخية التي ارتكبتها وترتكبها بدعم الكيان الصهيوني والمشاركة الفعلية في كل جرائم حرب وإبادة غزة.
في الفترة الماضية حاولت كل الحكومات الغربية التظاهر بأنها غيرت مواقفها وبأنها حريصة على وقف الإبادة وإغاثة الشعب الفلسطيني.. إلخ. لكن حركة الطلبة فضحت هذه الدعاوى ووضعت القضية في سياقها الصحيح المتمثل في أنه لا يمكن الحديث عن تغير الموقف الغربي من دون وقف السلاح والدعم السياسي للكيان الصهيوني، ومن دون الانحياز الفعلي الصريح لحق الشعب الفلسطيني التاريخي في التحرر من الاحتلال وإقامة دولته.
حركة الطلاب فضحت قيادات الدول الغربية، وأظهرت أمام العالم والرأي العام في بلادها إلى أي حد هذه القيادات الضعيفة تخضع بشكل مهين لكيان يمارس كل هذه الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. كثيرون في الغرب يتوقعون أن يكون للحركة تداعيات عميقة بعيدة المدى أعلى الحياة السياسية. وفي أمريكا مثلا يتوقع كثيرون أن يكون لانتفاضة الطلاب وتداعياتها تأثيرات شديدة السلبية على بايدن في انتخابات الرئاسة القادمة حتى أن السيناتور الأمريكي المستقل بيرني ساندرز اعتبر أن هذه الحركة ستكون هي «فيتنام بايدن».
والذي يفزع الحكومات الغربية أكثر من حركة الطلاب أنها حركة يقودها شباب صغير متحمس، وأن تداعيتها يمكن أن تمتد لتشمل قوى المجتمع الأخرى بما لذلك من تأثيرات عميقة.
كل هذ يفسر لماذا تلجأ الحكومات الغربية إلى قمع الحركة بهذه الوحشية من دون حتى أن تتوقف عند حقيقة أن هذا القمع ينسف دعاواها حول الحرية وحقوق الإنسان التي يزعمون أنهم قادتها في العالم.
في كل الأحوال ستدخل حركة طلاب الجامعات في الدول الغربية التاريخ كما دخلته حركة الاحتجاج على حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. والمؤكد أن تأثيرها سيكون عميقا في الحياة السياسية في الغرب وفي الحركة العالمية لنصرة قضية فلسطين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك