عالم يتغير
فوزية رشيد
من حشائش الأرض إلى علف الحيوانات!
- هي إذًا (حرب التجويع والعقاب الجماعي) لقطاع غزة وخاصة لسكان الشمال! حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش حذَّر من وقوع كارثة إنسانية في القطاع! مما يعني أن حرب الإبادة الجماعية أخذت لون التجويع بعد أن فشل الكيان الصهيوني في كسره واقتلاع سكان غزة من أرضهم رغم ويلات القصف والقتل والتدمير! كان الأمل معلقا على يوم الإثنين الماضي بإنزال المساعدات جوا من خلال الأردن الذي دخلت طائراته إلى سماء القطاع وكما تقول صحيفة «الأخبار» الفلسطينية (رفع مئات الآلاف من الجوعى رؤوسهم إلى السماء في انتظار سقوط شحنات المساعدات ولكن الساعات مضت دون فائدة)! أهل الشمال في قطاع غزة لم يصلهم شيء وحيث مهمات الإنزال الجوي التزمت بحسب الطلب الإسرائيلي بإلقاء المساعدات في حدود مناطق جنوب غزة، مستثنية مناطق الشمال التي يضربها الجوع كما تقول الصحيفة، وحيث قرار التجويع والعقاب الجماعي يأتي لبقائهم في أرضهم وعدم قبولهم التهجير! والأغرب أن المساعدات في (11 موقعا) سقطت في عرض البحر! وحيث شواطئ غزة تحاصرها البوارج والزوارق الحربية الإسرائيلية وزوارق إطلاق النار تجاه أي حشد ينتظر من الأمواج دفع شحنة مساعدات إلى الشاطئ!
- أهل غزة الذين في حرب التجويع أكلوا حشائش الأرض وتناولوا علف الحيوانات لم يبق لهم من الأرض اليوم لا حشائش ولا علف! إنه المشهد الذي يمثل جريمة حرب كبرى وعارا على جبين الإنسانية كلها ووصمة ذل على جبين العرب والمسلمين! وحيث كل المواثيق الدولية تؤكد أن إيصال المساعدات أمر قانوني وإنساني لا يحتاج إلى أخذ الإذن لإيصاله من أي طرف! فيما التعنت اللاإنساني الذي يواصل الكيان الصهيوني تنفيذه على أرض الواقع يطرح تساؤلا حول سر هذا الموقف السلبي المخزي من كل دول الجامعة العربية والتعاون الإسلامي الـ(57) في عدم القيام باختراق هذا التعنت الصهيوني وإيصال المساعدات في إطار حملة جماعية باسم كل الدول العربية والإسلامية!
- لماذا التزام الصمت واللافعل فيما مشاهد المجاعة والتجويع تحاصر العقل العربي والمسلم وعقل كل إنسان في العالم! أطفال يصرخون «نحن جوعى» ويموتون في الخيم وما تبقى من مشافي بسبب الجوع وتدهور الأحوال الصحية وحصار الأوبئة وغلي الحشائش وعلف الحيوانات! والعالم وزعماؤه ليس لديهم ما يقدمونه سوى التنظير والتصريحات والإدانة والتحليلات والمفاوضات وطرح تصورات اليوم التالي لغزة، أي يوم تال وأهل غزة يتعرضون كل يوم للموت وحرب التجويع والإبادة؟! فيما المنظمات الحقوقية والإنسانية والأمين العام للأمم المتحدة بدورهم لا يقدمون إلا التحذيرات من الكارثة الإنسانية القادمة في غزة!
- لا أعتقد أن الإنسانية قد وصلت سابقا إلى مثل هذا الدرك من ظلام الانحدار وسلاسل الذل والعجز كما يحدث اليوم أمام سيناريو التجويع في غزة!
أما العرب والمسلمون فقد نالهم من كل تلك الظلمات النصيب الأكبر! لأن عجزهم كعشرات الدول التي تقترب من الستين دولة يسجله التاريخ في أكثر صفحاته سوادا! حيث لم يشفع لأهل غزة عروبتهم أو دينهم الإسلامي أو هويتهم الإنسانية لكي يتداركهم الأخوة لإنقاذهم من ميلودراما الجوع التي لا حدود لها إلا سريالية الواقع العربي والإسلامي الذي استسلم على المستوى العملي لجرائم حرب الكيان الصهيوني والعقاب الجماعي دون أن يمد يدا أو يسمع صوت صراخ الجوع من حناجر الأطفال والنساء والشيوخ في غزة!
- إذا كان الأمر هو التواطؤ لإيجاد غزة من دون سكانها وليس فقط من دون مقاوميها فإن الكيان المجرم يكون قد حقق هدفه بإخلاء الأرض من خلال قتل الغزاويين بالجوع أو إجبارهم على الهجرة والنزوح! ولم يبق على الوجه الأسود بقعة واحدة بيضاء وإن كانت بحجم خردلة! الكل مشارك في حرب الإبادة!
- في صبرا وشاتيلا حين لجأ الناس في ظل المذبحة إلى أكل القطط والكلاب وجثث الموتى، كان ذلك عارا للإنسانية التي لم تكن ترى ما يحدث هناك ولكن تسمع عنه وتقرأه! أما اليوم فالكل يشاهد وجوه الأطفال الذابلة والتي تحتضر من الجوع ووجوه السكان من شمال غزة إلى جنوبها وهم يستنجدون لإغاثتهم لحظة بلحظة! وحشائش الأرض وأعلاف الحيوانات أمرضتهم فيما الكلاب والقطط والحيوانات نفقت! وحتى جثث الذين استشهدوا تدوسهم عجلات الشاحنات والسيارات العسكرية الإسرائيلية ذهابا وإيابا في مشاهد مصورة يندى لها الجبين فيما الجنود الصهاينة ترتفع ضحكاتهم وقهقهاتهم وكأنهم يشركون العالم كله في جرائمهم المقززة! أو أنهم يضحكون على عجز البشرية أمام وحشيتهم غير المسبوقة في التاريخ البشري! هل بقي للعرب أو المسلمين من وجه؟!
بعد أيام من كتابة المقال:
- بعض الدول العربية أعلنت أنها قامت بإنزال جوي للمساعدات ومنها البحرين عبر عملية عمرو بن العاص لإنزال المساعدات.
- الخميس الماضي استشهد أكثر من مائة فلسطيني في غزة خلال عملية توزيع المساعدات عندما فتح الجنود الصهاينة النار على الحشد المتضور جوعا! هي مجزرة ضد الجوعى وإعاقة الحصول على المساعدات إضافة إلى كل المجازر اليومية الأخرى! متى تقف هذه المآسي؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك