عالم يتغير
فوزية رشيد
صدمة الوعي والجندي الأمريكي الذي أحرق نفسه!
{ «آرون بوشنيل» الجندي الأمريكي بالقوات الجوية الأمريكية البالغ 25 عاما، الذي توفي الإثنين الماضي بعد أن أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن! هو أبرز عنوان لاحتجاج الضمير العالمي ضد الإبادة الجماعية في غزة! مشهد الحرق كان شديد الإيلام، وقد اكتسح الفيديو الذي سجله وسائل التواصل الاجتماعي في العالم كله وهو يدعو إلى (تحرير فلسطين) ويضيف أنه «لن يكون متواطئا في إبادة جماعية»! فعل ذلك وهو يرتدي الزي العسكري، واصفا حملة العدوان الإسرائيلي في غزة بأنها إبادة جماعية، مؤكدا أن ما سيفعله بنفسه ليس بنفس خطورة معاناة الشعب الفلسطيني، وفيما هو يحترق كان يصرخ «فلسطين حرة»!
{ هذا الخبر والاحتجاج القاسي ضد البربرية الصهيونية على غزة، وكونه جنديا بالقوات الجوية الأمريكية، حاول الإعلام الأمريكي التخفيف من وطأته ووطأة رمزية الحدث! وحيث الولايات المتحدة شريك أساسي في حرب الإبادة هذه، ومسؤولوها يواجهون في كل تجمع أو مؤتمر صرخات من الشعب الأمريكي بأنهم مجرمو حرب، ومصاصو دماء وقتلة أطفال ونساء! حتى أن استطلاعات أخيرة في أمريكا أوضحت أن ما يقارب نصف الشعب الأمريكي حاليا هم ضد سياسة بلدهم بدعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يقوم بها، وأن الدعم العسكري والمالي والإعلامي واللوجستي واستخدام «الفيتو» هو الذي أطال حرب الإبادة بالقصف والتجويع! حتى أن المساعدات التي كان لا بد أن تدخل إلى غزة بحكم محكمة العدل الدولية حاولت حكومة الاحتلال الصهيوني التلاعب بها في التقرير المقتضب الذي قدمته للمحكمة، فيما العالم كله بشعوبه وبعض حكامه يقفون مذهولين أمام مجريات هذه الحرب على غزة التي فتكت ولا تزال تفتك بالبشر وأكثرهم أطفال ونساء ومرضى، تزامنا مع (حرب التجويع) فيما آلاف الشاحنات تقف عند بوابة رفح ولا بلد يشق ستار الحصار، ليدخل تلك المساعدات إلى المتضورين جوعا في عراء برد الخيام وحمى الأوبئة!
{ الإعلام الصهيوني لا يريد أن يفهم الدرس الذي قدمه هذا الجندي الأمريكي والتضحية بنفسه (حرقا) لإيقاظ ضمير من نام ضميرهم أو مات من المسؤولين وسماسرة الحرب في أمريكا! القضية هنا أوسع بكثير من تلك الشرارة التي أطلقها البوعزيزي في تونس، لتقوم الثورة وترتفع نيرانها لاحقا! القضية هنا (إبادة جماعية) يشهدها الضمير العالمي مباشرة وببث مباشر! ما جعل الشعب الأمريكي وشعوب أوروبا كلها تعاني من صدمة (زيف الحضارة الغربية) وانعدام الإنسانية والأخلاقية في مواقف حكوماتها!
{ هذا الجندي الذي هو ضحية بشاعة الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة وهذه المرة بيد «الكيان الصهيوني»! هو نموذج لمئات الآلاف من الجنود الذين دمرتهم حروب بلدهم في فيتنام وفي العراق وفي أفغانستان وفي بلدان أخرى! حتى أن الارتجاجات العقلية والاضطرابات النفسية لحقت بعشرات الآلاف منهم ولا تزال آثارها باقية عليهم! ولكن هذه المرة دخلت الحرب الأمريكية باليد الإسرائيلية أكثر الفصول قساوة ووحشية! ما جعل الشعوب الغربية وفي أمريكا تعاني من (صدمة جماعية) تتمثل في الشعور بـ(الهزيمة الحضارية) أمام ما يرتكبه الكيان الصهيوني بدعم أمريكي – غربي!
{ الحريق الذي التهم جسد الجندي الأمريكي احتجاجا على الوحشية التي فاقت كل ما سبقها، نيرانه تأكل اليوم ضمائر كل أحرار العالم بمن فيهم في أمريكا وأوروبا وتنبئ عن صحوة يمر بها الوعي العالمي والغربي تجاه أجندات (الصهيونية والماسونية العالمية) التي تتحكم فيها النخب الشيطانية وسماسرة الحروب وتجار الاستخفاف بحياة الإنسان وكل القيم والأخلاقيات!
{ «آرون بوشنيل» علامة صارخة لهذا الوعي والاحتجاج وعدم القبول بالتواطؤ مع حرب الإبادة! ودعوته إلى تحرير فلسطين كلها باتت دعوة شبابية تكتسح الغرب، مما يعني الصحوة المؤلمة من كل زيف «الإعلام الصهيوني» الذي مارس التضليل والتلفيق والزيف والأكاذيب على الوعي الغربي والعالمي طوال عقود طويلة ومنذ نشأة هذا الكيان الغاصب!
{ ما بعد غزة لن يكون أبدا على المستوى العالمي والغربي كما قبله، وخاصة على مستوى الوعي بالنظام الدولي «المهترئ» والفارغ من محتواه في جوانبه الأساسية (الأممية والحقوقية والقانونية)، ناهيك عن الجوانب الإنسانية والأخلاقية!
هناك صدمة تجتاح شعوب العالم كلها وهي تحاول بالتظاهر المستمر في المدن الكبرى أن تخرج من كابوس (الانهزام الإنساني) أمام وحشية ما يدور من حرب إبادة، لا يريد مهندسوها «الدمويون» إيقافها! وكما قلنا ونعيد القول بأن «ليست فلسطين وحدها التي تطالب بحريتها اليوم وإنما كل شعوب العالم تشعر بأنها تريد التحرر من زيف هذا النظام الدولي القائم»!
وسواء أمريكا أو الغرب أو الكيان الصهيوني، فكلهم معا دخلوا التاريخ بعار البربرية وما هو أكثر من النازية والفاشية وشعوب العالم كلها تشهد!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك