مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
دعــنـــا نقـــــــــــــــــرأ بتمــــعـــــــن
قد تبدو الأرقام لغة جافة في نظر البعض، لكنها في عالم المال والأعمال هي لغة الحقائق التي لا يمكن أن يغفلها أحد، لأنها تعطي مؤشرا صادقا لمدى نجاح أي أداء اقتصادي، وتؤدي دورا أكثر فعالية في رسم الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية، فالبحرين كانت سباقة في وضع الخطط طويلة المدى، واليوم تقف على أرض صلبة وهي تسعى إلى وضع تصورات لمستقبل أبنائها.
خلال اليومين الماضيين كنا على موعد مع عرض حزم من الأرقام التي يجب أن نتوقف عندها كثيرا وأن ننظر إليها بتمعن وأن نقرأ ما بين سطورها، وخاصة مع توجيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لبدء مشاورات مع السلطة التشريعية والقطاع الخاص والجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني لصياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050، هذا التوجيه الذي يترجم تنامي الرغبة الرسمية في تعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار، والتي تعد أحد أهم مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم.
إنني أعتبر أن لقاء الفريق الحكومي مع رؤساء تحرير الصحف المحلية بعد جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي هو أولى خطوات هذه المشاورات، والتي يجب أن تكون الصحافة الوطنية متابعة لها من كثب، حتى يصل المجتمع إلى غايته المنشودة في رؤية اقتصادية تعبر عن طموحاته في المستقبل؛ لأن بداية نجاح أي استراتيجيات هي المشاركة في وضعها، فالجميع شركاء في وضع صياغات الرؤية الجديدة وهيكلة الاقتصاد.
مر أكثر من عقدين من الزمن على وضع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ونحن ندعو كل الشركاء في المجتمع على أن يتفاعلوا مع توجيه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالاستمرار في قياس وتقييم ما تحقق على صعيد تنفيذ رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ونحن على بُعدِ ست سنواتٍ منْ استكمال مستهدفات هذه الرؤيةِ، من أجل رصد نقاط القوة والضعف في ممارسات جميع المؤسسات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي، فالاقتصاد يتأثر بما تفرزه هذه المؤسسات من قرارات وإجراءات.
نضجت تجربتنا البحرينية على جميع الأصعدة، سواءٌ داخل المؤسسات الحكومية أو التشريعية أو الاقتصادية، وبات لدينا كوادرنا الوطنية التي يمكنها أن تتلمس احتياجات الوطن والمواطن للسنوات العشرين المقبلة، ولعل هذا هو أهم منجزات رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي ركزت برامجها وخططها على الإنسان البحريني، وهو أمر يجب أن يكون العنوان الدائم في كل خططنا التي من المُحتم علينا أن نجعلها تتسم بالاستدامة.
الطموح البحريني نتمنى ألا يكون له سقف، فقد كشف وزير المالية والاقتصاد الوطني أن حجم الاقتصاد الكلي البحريني تضاعف 5 مرات خلال 20 عاما، وقفز من 9.6 مليارات دولار أمريكي في عام 2002 إلى 46 مليار دولار أمريكي في 2023، وحقق نسبة نمو مركب تصل إلى 8.2%، وهو ما يوازي ما حققته سنغافورة خلال الفترة نفسها تقريبا.
ونحن إذ نحتفي بارتفاع نسبة التنويع في اقتصادنا، وبلوغ نسبة القطاعات غير النفطية فيه 83%، فإن استراتيجياتنا المقبلة يجب أن تضع في الحسبان التخلي عن الاقتصاد النفطي تماما، فلا يمكن أن ترتبط مقدراتنا بما تقدمه لنا الطبيعة فحسب، ويجب أن يكون لنا دور أكثر فعالية في صناعة مستقبلنا، والقدرة على امتصاص أي صدمات تنتج عن أي متغيرات خارجية سواء إقليميا أو دوليا، ويجب أن نعزز من استمرار النمو الاقتصادي الإيجابي في المملكة، عبر تهيئة البيئة الجاذبة للاستثمار وتوفير التسهيلات اللازمة في القطاعات غير النفطية المختلفة، وإتاحة الفرص أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة للتطور داخل السوق البحريني وخارجه.
وإذا كان وزير المالية والاقتصاد الوطني قد أكد أن هناك طموحا لإشراك القطاع الخاص بصورة أكبر في رؤية البحرين الاقتصادية 2050 فإن ذلك لن يتحقق من دون آذان مصغية لصوت هذا القطاع سواء عبر غرفة صناعة وتجارة البحرين أو عبر إفساح المجال بصورة أكبر لممثلي هذا القطاع للمشاركة في صناعة القرار الاقتصادي، وخاصة أن القطاع الخاص بات الأكثر تشغيلا للبحرينيين.
وكان بودي أن أقول للوزير ونحن ننظر إلى المستقبل إن النظام القضائي في بلد تصبو إلى آفاق رفيعة في عالم الاقتصاد ينقصه تنفيذ القانون، إذ إن الأمر لا يقتصر على الوصول إلى الحكم القضائي فحسب بل تنفيذه، لأن عدم تحقيق ذلك سيعرقل الاقتصاد، ويهدد استقرار البيوت التجارية، لذلك يجب أن تضع الرؤى الجديدة الخطط اللازمة لضمان حفظ واستمرارية الاستثمارات من خلال إجراءات ميسرة وسلسة وضمانات مصرفية للمتعاملين في السوق تحمي حقوق جميع الأطراف.
المواطن هو غاية أي تنمية كما أكد ذلك سمو ولي العهد رئيس الوزراء، ويجب أن يظل كذلك على رأس أولويات الرؤية الجديدة، فمازال البحريني يتطلع إلى مزيد من التحسين في مستوى معيشته رغم القفزة في الرواتب التي سجلتها المؤشرات الاقتصادية المعلنة، لذا يجب أن تكون هناك مؤشرات واقعية لقياس مستويات الدخل بين المواطنين للوصول إلى المستوى الذي يلبي الاحتياجات والمتطلبات الحياتية.
الرصد الحقيقي والموضوعي لأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والقراءة المتأنية للمتغيرات والتحديات الإقليمية والعالمية، يساعدنا في وضع خطط سليمة وقابلة للتطبيق، مع تأكيد أن المملكة تمتلك المقومات التي تؤهلها للاستفادة من تنامي المكانة الاستراتيجية لمنطقة الخليج، وذلك يتحقق من خلال طرح فرص استثمارية ومشاريع في مختلف القطاعات الاقتصادية بما يعود على الناتج المحلي الإجمالي، مع ضرورة الوعي بالتحديات المالية على رأسها ارتفاع الدَّين العام، من أجل أن نحافظ على استمرار نمو الاقتصاد بخطوات ثابتة.
أضع هذه الأفكار أمام مختلف الجهات المعنية بالمشاركة في مشاورات صياغة رؤية البحرين الاقتصادية 2050، وأدعو الجميع إلى التفاعل الإيجابي مع الدعوة الكريمة من سمو ولي العهد رئيس الوزراء وفريق البحرين الحكومي حتى نصل معا إلى نقطة التقاء نبني بها مستقبلا تستحقه البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك