عالم يتغير
فوزية رشيد
ماذا لو أنك تطل من السماء إلى الأرض!
{ اعتدنا أن نرى الممالك الصغيرة تحت أقدامنا ومنها «مملكة النمل»، التي أثبت العالم روعة الانضباط الذي يحكمها! وروح التفاني التي تضبط علاقاتها! وحجم التنسيق الذي يدوزن آليات عمل عناصرها! ولكأنك أمام عالم مليء بكل الوظائف التي نعرفها في عالمنا البشري، ما بين مهندسين وبناءين ومسؤولي تغذية وغيرهم حتى غدت بيوت النمل، التي تم تصويرها وثائقيًّا تحت الأرض، تزخر بكل ما هو مدهش ومموسق! فتدرك أن «وعيًا غريزيًا» حباها الله هو ما يحكمها للحفاظ على نوعها!
{ إذا دخلنا مملكة أخرى وقد رفعنا رؤوسنا إلى الأشجار والجبال ومزارع تربية النحل، نرى أن «مملكة النحل» في حدّ ذاتها مدرسة كبيرة للهندسة والمعمار والتخزين، والتفاني في الحفاظ على «المملكة» ملكة النحل، وحيث النظام ودقة العمل يحكمان المملكة، ووظائف العناصر في الخلية! فلكل مجموعة عملها الذي لا تحيد عنه، ولا تتنافس أو تتصارع مع غيرها من العناصر، بما يُفسر نظام المملكة! فهي بدورها يحكمها «وعي غريزي» يظهر في دقة ما يفعله النحل لإنتاج العسل الذي يتغذى عليه الإنسان!
{ كل ممالك الحيوانات والطيور والحشرات، بل وحتى عوالم النباتات، يحكمها نظام دقيق لا تحيد عنه لكي تحافظ على بقائها والحكمة من وجودها على الأرض!
هذه الأرض الزاخرة بالضوابط والقوانين و«الوعي الكوني» والزاخرة في ذات الوقت بالأمم التي هي مثلنا فيما يحكمها من قوانين الطبيعة التي وضعها الله لكل مخلوقاته!
ولأن الإنسان أسمى المخلوقات على الأرض وسيدها وحباه الله بالإرادة الحرة فيما يفعل!
فإن الضوابط والقوانين التي تحكم وجوده وغريزة البقاء لديه، أكثر تعقيدًا وأكثر تجريدًا! فهو وحده الذي يعي معنى وجوده وحريته ووعيه، ويعلم أنه كائن يعيش بشكل دائم بين ضفتي الحياة والموت! وأنه يتمتع بروح هي من نفخ الخالق في جسده! وأن صراعه الدائم مستمر بين عالم الروح وعالم الجسد، وبين الخيرّ والشرّ، وبين الغرائز الحسية ومعايشة الماديات والمحسوسات، فيما أفق عقله وروحه ووعيه، تطال آفاق السماء! فوحده قال الله عنه في «حديث قدسي» إن الكون يضيق به ويتسع له قلب عبده، الذي هو الإنسان! هل من مكانة أعلى وأسمى؟!
{ بإطلاله تخترق الأبعاد المألوفة، ماذا لو أطلّ الإنسان في (رحلة تأملية) من آخر بُعد في السماء الدنيا إلى الأرض؟!
ماذا لو كانت لبصره وبصيرته امتدادات فلكية، يرى بها كل مخلوقات الله على الأرض؟! ماذا لو دخل في (مقارنة بحثية) بين النظم والقوانين والفِطرة التي تحكم كل المخلوقات بما فيهم عالم البشر والإنسان؟! لو فعل ذلك فسيجد أن (الالتزام الفِطري أو الغريزي) يحكم كل عوالم المخلوقات من الحيوانات والحشرات والطيور والنباتات، إلا الإنسان الذي حباه الله بالوعي والإدراك والإرادة هو المخلوق الوحيد الذي يُخلّ بفطرته وقوانين الطبيعة وتعاليم الله له! ولذلك هو الوحيد الذي يحاول الخروج من عالم (النظام والالتزام) إلى عالم (الفوضى والانفلات)، فيفسد نفسه، ونظام الطبيعة الذي يحكمه، مثلما (يفسد غريزة البقاء) الذي أوجده الله فيه، وجعله سيد المخلوقات من أجله لكي يحافظ على «نوعه» وعلى الطبيعة التي تحتويه! وبدلا من أن يُعمر في الأرض وينشر قوانين الله في الإعمار للأرض بالوعي الإنساني الذي يبني الحضارات ليزداد رفعة وسموًا، فإذا به يحمل معول الهدم، ويتسلط الأقوى في البشر على الأضعف، وذلك سواء في الأمم أو في الأفراد! فينشر (قوانين النشاز) والإفساد والقتل واستباحة الحرمات، بروح الصراع الذي يحكمه ليبقى الأقوى والمسلط والمهيمن!
فيقتل ما يشاء من «نوعه الإنساني أو البشري» بل ويهدد الوجود البشري بما يرتكبه من فظائع عبر العصور والتاريخ!
{ بهذه الإطلالة التي تأتي من السماء إلى الأرض، فإن كل المخلوقات ملتزمة بقوانين بقائها ووجودها، إلا الإنسان العاقل وقد فقد عقله! فأقام الحروب والنزاعات والصراعات الدموية! ودخل من فوهة الفوضى ليخل (بنظام الوعي والعقل)، الذي من المفترض أنه يحكمه ويحكم النوع الإنساني، فملأ الأرض والبحر والسماء بالفساد، كنتيجة حتمية للشراهة والجشع وحب السيطرة وإبراز القوة على الأضعف!، ليختل ميزان العدالة والإنسانية والأخلاقية في أغلب ما يقوم به! ذلك ما تفعله الأمم الأقوى، وما يفعله الأفراد في دائرة القوة والسطوة!
{ كل أمة من المخلوقات الأخرى تحافظ على نوعها، إلا الإنسان (يدمرّ نوعه) ويدمر في الطبيعة حوله، برؤية ضيقة أضاعت الطريق لمعرفة قيمة الإرادة الحرّة منذ برز الصراع الأزلي بين الخير والشر، فاختار القوى (المستعبد بتعاليم الشيطان) طرقات الشرور، لتبرز في المرحلة الأخيرة ربما من وجوده على هذه الأرض، كل شروره المدمجة هذه المرة بالعلم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لكي يتفنن في القضاء على النوع البشري! فأي غباء هذا الذي استبدل العبودية لمن خلقه بالعبودية للشيطان؟! وإذا ما تم القضاء على (النوع البشري بفطرته السليمة فماذا يبقى في الحياة؟! إنه يقضي على نوعه!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك