عالم يتغير
فوزية رشيد
وفي انتظار أن يمرَّ الصعب مرَّ العمر!
{ من منا لا يبحث عن السعادة؟! من منا لا يبحث عن راحة البال؟! ولكن بين السعادة وراحة البال فرقا جوهريا، في البحث عن السعادة يختصرها البعض في تحقيق الثروة أو الوجاهة أو اللذة الحسية أو كل تلك القائمة التي تبرز إلى الواجهة كمعيار معاصر لتحقيق السعادة مع اختلاف المعايير من شخص إلى آخر! ولكنها في النهاية جميعا تدور في البحث المضني عن تحقيق الذات بمواصفات النظام الرأسمالي للحياة! وهو النظام القائم على عصر الإسفنجة حتى آخر قطرة فيها لتحقيق الرفاهية المطلوبة وعلى الحسيات والغرائز الفالتة! وهذا النظام المادي المتوغل في بنية العقل لأغلب البشرية يبيح النظرية الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)! فلا بأس أن تقوم بكل مفسدة وما أكثر المفاسد لتحقيق ما يسمى بطموحاتك الخاصة! هذا ينطبق على الأفراد وينطبق على الدول الرأسمالية الكبرى! وفي الطريق لابد من الدوس على القيم وعلى الأخلاقيات وعلى كل صلة بتعاليم الله! مما يجعل السعادة وهم يبحث عنه الجميع ولكنه يتحقق عبر معيار اللذة الآنية وليس الطمأنينة الداخلية التي تسرقها الوسائل في طريق تحقيق الغايات!
{ راحة البال تختلف أساليبها عن أساليب البحث عن السعادة عبر الماديات! يكفي هنا أن يجد الإنسان دخلا يعيش به ومسكنا يأويه ودفئا عائليا يلوذ به وصلة روحية بخالق هذا الكون ليحصل على راحة البال التي ينشدها وفي داخلها طمأنينة النفس وسمو الروح والابتعاد عن خطوات الشيطان التي تستدرج الإنسان خطوة خطوة ليجد أنه كسب الكثير ولكنه فقد نفسه في طريق اتباع تلك الخطوات!
{ الحياة ذاتها خضم بحر من الصعوبات لأنها محطة الروح الإنسانية ومختبرها.. «ديستوفسكي» الكاتب الروسي الشهير اختصر الأمر بطريقته حين قال (وفي انتظار أن يمر الصعب مر العمر)! أي أن الحياة لا تنتهي صعوباتها وتحدياتها واختباراتها طالما نعيش! وهذه الصعوبات يمر بها كل إنسان رغم اختلال الموقع والقوة والثروة لأنها المحك الحقيقي لتبيان ذلك الجوهر الإنساني المتواري خلف الجسد وخلف الماديات والحسيات والغرائز المنفلتة!
في رواية «زوربا» الشهيرة يقول «زوربا» (الحياة مشاكل فقط الموت ليس كذلك)! ها نحن نعود إلى ذات القيمة التي كتبها الروائي (كازانتزاكيس) على لسان بطله الموسوم بحب الحياة والذي يعترك مشاكلها بحب أيضا!
{ كل هذا اللهاث خلف الأشياء بهدف تحقيق السعادة المرجوة لا تحقق في النهاية السلام الداخلي إلا لمن أمات في نفسه ربما كل إحساس وشعور إنساني نبيل! منذ متى وهذا الإنسان يلهث هكذا خلف الأشياء وبعضهم خلف أعداد تتصاعد في حسابه المصرفي ولا يقنع بأي رقم يصله؟! أو هو يلهث خلف الماديات ويواجه مع نفسه كل الانحدارات فإذا تحقق ما أراد لم يجد وقتا أو عمرا ليدرك أنها مجرد ركام لا قيمة له أو زبد بحر تتلاعب به الأمواج! لم يعرف لماذا هو في هذه الحياة وما هو دوره وأي الأشياء لها قيمة حقيقية أو زائفة! وماذا خسر من روحه ومن جوهره الإنساني وهو يلهث خلف غزيرة التملك أو السطوة أو الهيمنة أو إظهار القوة؟!
{ الإنسان المعاصر في ظل نظام التفاهة ونظام الغباء يجد نفسه محشورا بينهما! لأن النظام الرأسمالي القائم نجح في سلب القيمة من الإنسان وسلب القيمة من كل ما هو أخلاقي وروحي! ليعلو من خلال ذلك السلب لكل ما هو مادي أو تافه أو غير جوهري! وجعل الإنسان يجري خلف ما هو مكرس جري الوحوش من دون أن يدرك أنه وهو يجري ويلهث يفقد الكثير من جوهره الروحي أو الأخلاقي أو راحة البال، التي تحتاج إلى طمأنينة الروح وليس بذخ الماديات حتى يتحول البعض إلى مسخ وصولي أو انتهازي أو منافق أو يتحول كالغرب الذي لا يعرف كيف يداري سوءاته!
{ ليست المشاكل أو الصعوبات تشبه بعضها لكل البشر! هناك من يبحث عن الطمأنينة الروحية رغم ما يملكه من ملايين أو مليارات! وهناك من لا يجد لقمة عيشه أو يعيش ظروفا استثنائية ورغم ذلك يحمد الله ويشكره، ويستمد من قناعته غنى نفس لا تضاهى!
هناك من يسرق ومن يرتشي ومن يكذب ومن يقتل ليحقق الوصول إلى مبتغاه! وهناك من يصارع تحديات البقاء ولكنه لا يقبل أن يخسر نفسه بأي شكل! ليست صعوبات النموذج الأول كصعوبات النموذج الثاني، ولكنها الحياة بكل تناقضاتها ترسم دروبا مختلفة في الامتحان! وهناك من يفهم الدرس وغيره لا يستفيد من دروس الروح لأنه غارق في الجسد والماديات والغرائز المنفلتة وطموحات البذخ والرفاهية! ليست الصعوبات كبعضها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك