عالم يتغير
فوزية رشيد
واحة الوحشية!
{ من منظور النفاق الغربي في استخدام المصطلحات والمفاهيم، تمت ممارسة (التضليل السياسي والأخلاقي) في العالم حتى انتقل الذي أصاب النظام العالمي من اهتراء في كل مفاصله إلى خواء اللغة المستخدمة ذاتها! حتى لم تعد اللغة تعبر عن المدلولات والأفعال، وإنما عن السرديات الكاذبة والمفاهيم المغلوطة وتناقضات رؤى وقيم الحضارة الغربية السائدة التي بسببها سقطت المؤسسات الحقوقية والإنسانية والقانونية في بئر «ازدواجية المعايير» التي نتجت من خلفية عنصرية أو متعالية على ثقافات وأعراق وحضارات الشعوب الأخرى، وهذا أكبر خلل في هذه الحضارة! لأنها تخل تماما بمعايير التنوع البشري واحترام الثقافات وسيادة الدول والشعوب واستقلاليتها، مثلما تخل بالمنظور الطبيعي للسلم العالمي والمبادئ والقيم التي من المفترض أن تحكم العلاقات بين الدول والشعوب!
{ في الواقع فإن الكيفية (الاستيطانية والاستعمارية) التي نشأ على أساسها الكيان الصهيوني باغتصاب وطن ليس للصهاينة، وإنما أصبح كذلك اعتمادا على الأساطير والمرويات الملفقة وتزوير حتى المنظور الديني في التوراة! هو خير مثال (تتجسد فيه كل أشكال النفاق الغربي والرؤى الاستعمارية واستلاب حقوق الشعوب)، والذي عانى الشعب الفلسطيني ولا يزال منه على مدار 75 عاما وحتى الآن!
كيان تم تأسيسه على الوحشية والمجازر التي أبادت عشرات القرى وقتلت الأهالي في مجازر وجرائم حرب موثقة منذ 1948، وما يحدث اليوم في غزة آخر تجليات هذا الكيان الاستيطاني الاستعماري الذي جمع في خانة وحشيته كل أنماط الفصل العنصري (الأبارتايد) والتسامي العرقي الملفق باعتباره «الشعب المختار» الذي يحق له فعل كل إجرام من دون محاسبة أو عقاب! ليبني كيانه على اضطهاد من تبقى في فلسطين من شعبه الفلسطيني فيما اللاجئون الذين خرجوا من أرضهم في نكبة 48، تعدادهم بالملايين ويعيشون على حلم العودة!
{ كثيرة هي الجرائم والمجازر التي قام بها الكيان، ورغم ذلك نال حظوة كبرى من النفاق الغربي حين تم توصيفه بأنه (واحة الديمقراطية) في الشرق الأوسط! بل إن قادته حتى اللحظة ورغم الدعوى المقامة ضده بارتكاب (الإبادة الجماعية) والتطهير العرقي والتهجير القسري الذي يضعه الكيان الصهيوني كهدف له، فإن القادة الصهاينة لا يزالون يتشدقون بأنهم (واحة الديمقراطية) والملتزمون بالمبادئ والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية! وأن كل ما يفعلونه هو دفاع عن النفس في مواجهة (الحيوانات البشرية والوحوش الفلسطيني)! هكذا هو المنطق الاستعماري الذي يقلب كل بديهيات المنطق وبديهيات اللغة والمفاهيم وكأن العالم لا يرى ولا يسمع ولا يفهم!
{ حين يبني الكيان الجدار العنصري الفاصل بينه وبين الشعب الفلسطيني فهذا عنصرية وليس ديمقراطية! وحين يسعى لتشكيل (دولة يهودية) على كامل التراب الفلسطيني، كما يخطط فهذا تطرف لا يمت إلى الديمقراطية بشيء!
وحين يقمع ويضطهد ويقتل ويبيد ويرتكب كل أشكال المجازر الوحشية حتى أصبح تعداد الضحايا والشهداء يوميا بالمئات، فهذه جرائم حرب وإبادة جماعية تقع في نطاق الوحشية المطلقة وليس الديمقراطية!
وحين يقطع الكهرباء ويمنع الغذاء والدواء والماء والطاقة والاتصالات ويهدم المستشفيات ويستهدف الرضع والأطفال والنساء والخدج، ويهدم المساجد والمراكز الأثرية والثقافية، فهذا كيان استثنائي يتغذى على الدم والوحشية ولا صلة له بأي ملمح إنساني أو حضاري أو أخلاقي! إنه (واحة الوحشية) في الشرق الأوسط بما يمارسه داخل فلسطين التاريخية المحتلة وخارجها في المنطقة العربية التي دخلت سلسلة من الحروب والصراعات والأزمات على يد الصهيونية العالمية وعلى يد قادة الكيان الصهيوني، الذي تأسس بدور (وظيفي) لصناعة الأزمات والفتن والتفرقة في المنطقة العربية ومنع الاستقرار والسلام والنهوض العربي من منظور استعماري بحت!
فهل من صلة بين كل ما حدث ويحدث في فلسطين التاريخية وفي المنطقة العربية بسبب هذا الكيان الغاصب وبين الديمقراطية أصلا أو بينه وبين التحضر والقيم حتى يتم توصيفه بـ(واحة الديمقراطية)؟! أما الديكورات الديمقراطية فهي موجودة اليوم في كل دول العالم وبأشكال مختلفة!
{ إن تاريخ الوحشية لا بد أن يقف مؤرخوه عند آليات عمل هذا الكيان الصهيوني داخل فلسطين وخارجها وحجم الجرائم المعلنة والخفية أو السرية كأعمال استخباراتية، التي مارسها منذ نشوئه أكثر من 75 عاما!
كل المفكرين الأحرار في الغرب صرحوا بماهية هذا الكيان والجرائم العنصرية وجرائم الحرب والإبادة والقمع والاضطهاد الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا!
ولذلك هم يدركون جيدا أن هذا الكيان غير قابل للسلام أو الاستقرار طالما هناك شعب يطالب بحقه المشروع في وطنه والحياة، وطالما أن هذا الكيان يجور بالظلم الكبير على تلك الحقوق! أما الغرب الاستعماري المنافق فيعرف أكثر من غيره أن هذا الكيان إلى زوال! وأن وجوده يتوقف على ما يقدمه له طوال الوقت من دعم عسكري ومادي ولوجستي، إلى جانب استمرار الضعف العربي الذي يتحايل الغرب بكل طريقة على استمرار ضعفه، بل على إضعافه بتخطيط شيطاني ومنع وحدته وقوته، وضرب دينه وتمييع هويته! وخير معين للكيان الصهيوني في استمرار وجوده هم اليوم «المتصهينيون العرب» الذين وحدهم يصدقون أن هذا الكيان قابل للتعايش!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك