مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
فليحـــذر الـــعـــالم مـــن غياب الأمـــل فـــي الســلام
وماذا بعد؟
ما هو ثمن أرواح حوالي 15 ألف شهيد؟
من سيدفع نتيجة الدمار الذي حدث على مدار نحو 50 يوما من العدوان الهمجي على غزة؟
هل وجد الغرب في إعلان الهدنة المؤقتة مخرجا من أزمته الأخلاقية في دعم هجمات لا إنسانية؟
.. وسيبقى السؤال دائما؛ ما هو السيناريو المناسب في اليوم التالي لانتهاء هذه الهدنة؟
أوجه هذه الأسئلة للرئيس الأمريكي وكل قادة الغرب، وأؤكد لهم أنه لا يجب أن تكون الهدنة فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل استئناف الوحشية الإسرائيلية، أو إيجاد مخرج لمجرم الحرب نتنياهو من أجل تسويق انتصار زائف لدى أهالي الأسرى الذين يشكلون ضغطا كبيرا عليه داخل الكيان الإسرائيلي.
كما أنه لا يمكن اختزال القضية الفلسطينية في غزة فقط.
يجب أن تكون هذه الهدنة المؤقتة فرصة لترتيب الأوراق والعمل الجاد نحو وضع الحلول المستدامة لضمان عدم انفجار الأوضاع من جديد، وذلك من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو الحل الوحيد فقط لهذا الصراع غير المتكافئ.
على العالم الغربي الذي شارك إسرائيل في ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني أن يتطهر من دماء الأبرياء الذين راحوا جراء إعطائه الضوء الأخضر لنتنياهو الذي عاث في الأرض فسادا وقتلا بدعوى حق الدفاع عن النفس.
على الجميع أن يدرك أن الأحداث التي جرت في غزة أثبتت فشل ما كان يروج له بنيامين نتنياهو للإسرائيليين بأن ممارسة الضغط على الفلسطينيين ستحقق الأمن لإسرائيل، وهذا لن يتحقق؛ لأن استمرار نفس الممارسات الإسرائيلية سيكون بمثابة إعلان انفجار آخر، وربما أعظم، فما حدث في غزة في السابع من أكتوبر قد نراه في يوم آخر، ولكن هذه المرة في الضفة الغربية.
على الجميع أن يتفهم أن استمرار الاحتلال وعدم منح الفلسطينيين حقوقهم هو اغلاق لماعون سينفجر في أي لحظة!
على الغرب أن يحذر من أن العالم يمر بأزمة حضارية ضخمة في ظل ازدواجية المعايير الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وهذا ينذر بمزيد من الصراعات؛ ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن في مختلف أنحاء العالم.
الأسبوع الماضي استقبلنا في «أخبار الخليج» السيد السفير الألماني لدى مملكة البحرين كليمنس أوغستينوس هاتش، والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا د. دينيس كوميتات، في جلسة استمرت طويلا حول القضية الفلسطينية وبالتحديد ما يجري في غزة.
إنصافا؛ كأشخاص غربيين، كانا على دراية تامة بالأحداث وخلفية القضية الفلسطينية بصورة عامة، وكانا يريان أن حل الدولتين وتنازلات من الطرفين هو الحل الممكن لبناء شرق أوسط خال من الحروب مستقبلا استنادا إلى الحدود الجغرافية قبل 1967.
وبصفتي شخص عاصر فترة 1967، فإننا نعلم جميعا أن هذا هو نفس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، الذي تزامن مع إيقاف إطلاق النار في نفس السنة، لكن إسرائيل لم تضع أي اعتبار لجميع قرارات الأمم المتحدة على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لأن الغرب ترددوا في فرض هذا القرار على إسرائيل، وظلت تل أبيب تبني المستعمرات والمستوطنات، وظلت تنهب الأراضي والمزارع الفلسطينية بالقوة القمعية سنة بعد سنة كما تفعل الآن.
إذن السؤال المطروح، كيف نستطيع أن نثق بأن موضوع إقرار حل الدولتين سيكون أمرا جديا هذه المرة؟
إننا نوجه أسئلة عديدة للدول الغربية، وخصوصا أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، كلاعبين أساسيين في قبول نظرية حل الدولتين، هل هم على استعداد لحماية الدولة الفلسطينية القادمة من شرور وأطماع إسرائيل؟ هل هم مستعدون لمعاقبة إسرائيل في حالة التملص من الاتفاق؟ أم أنهم سيعودون يلومون العرب والفلسطينيين بدعوى الاختراق؟
نقول بكل صراحة إن الثقة مع الأسف الشديد معدومة في الدول الأربع التي تتبنى كما تدعي فرض حل الدولتين، رغم أننا نرى تحركا جماعيا من وزراء خارجية دول من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يزورون بلدان مالكي حق الفيتو في مجلس الأمن وهم الصين، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لحثهم على تبني مواقف عادلة تجاه القضية الفلسطينية.
في الوقت نفسه يجب على العرب جميعا كحكومات أن يكون لهم صوت موحد في المطالبة بتبني مشروع الدولة الفلسطينية المقبلة، وخصوصا أن الدول العربية على علاقة متميزة مع الدول الغربية.
ونقول ونؤكد أن إنهاء المشكلة الفلسطينية ليس فقط نصرا للفلسطينيين وإنصافا لهم، بل هو مصلحة استراتيجية لكل الدول العربية، إذ سيجنب المنطقة أي أعمال إرهابية إن فشلت في إثبات الحق الفلسطيني.
إن على الدول العربية أن تتفهم أن المناهج التعليمية تربي أجيالا جديدة قادرة على فهم العلوم بشتى فروعها، وهؤلاء بمثابة علماء المستقبل، فاليوم رأينا حماس رغم التضييق الإسرائيلي استطاعت أن تقوم بعمل عسكري يهز أركان أحد أكثر الجيوش تقدما على المستويين التكنولوجي والعسكري، فما بالكم بالمستقبل الذي يشي بظهور أجيال أكثر تقدما علميا، إذا استمرت الأوضاع غير العادلة في فلسطين.
أما حديثنا إلى الإسرائيليين أنفسهم، وخصوصا إلى المعتدلين منهم، فإنه ليس من مصلحة إسرائيل إيصال أمثال نتنياهو إلى كرسي الحكم لأن هذا المجرم يشبه في إجرامه النازيين الذين شوهوا صورة الإنسان الألماني في المجتمع الغربي، وحتى الآن في حالة غضب الغرب نحو الألمانيين يصفونهم بالنازيين.
إن العسكري إسحاق رابين الذي وصل إلى كرسي الرئاسة في إسرائيل ربما كان آخر شخص يطالب بالتفاهمات والسلام من هذا الكيان، ولكنه اغتيل، ومن قتله هم من الفيلق المتطرف في إسرائيل، لأنه لم يأت أحد من بعده منهم يتحدث عن السلام، وتصوروا أن الذي قتله هو شاب يهودي مهاجر من اليمن، فما بالكم بخطورة المستوطنين الذين تجلبهم إسرائيل بالآلاف وتقوم بتسليحهم حاليا.
يا بني إسرائيل، قبل أن ترحموا الفلسطينيين ارحموا أنفسكم، لأن القضية الفلسطينية لن تسقط بالتقادم، بل تكبر بالصمود الفلسطيني، ويكبر معها التعاطف من شعوب بعيدة وقريبة كما لاحظتم في الأسابيع الماضية، والآن 95% من الرأي العام العالمي يؤيد حرية فلسطين، لأن نتنياهو يؤمن بالانتقام لا بالسلام، لكن السؤال هو انتقام ممّن؟!
فمنذ 1948 حتى الآن أقدمت إسرائيل على قتل أكثر من 100 ألف فلسطيني، وفي الأسابيع القليلة الماضية قتلت الآلة العسكرية الإسرائيلية أكثر من 15 ألف فلسطيني جديد غالبيتهم من النساء والأطفال.
هذه الدماء الكثيرة لا تصنع السلام؛ فالسلام يحتاج إلى رجال شجعان يرغبون في حقن دماء الأبرياء، وللأسف لم يظهر منهم أحد حتى الآن في إسرائيل.
على الغرب أن يفسح المجال أمام أصوات السلام، ولا يخشى الإرهاب الإسرائيلي لكل صوت يروج للسلام العادل، وهذا هو ديدن التصرفات الصهيونية مع معارضي أجندتهم، فعندما نطق قبل أيام رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز أمام معبر رفح البري بالحق، قائلا إنه حان الوقت لكي يعترف المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، وأنه إذا لم يعترف الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية فإن إسبانيا ستفعل ذلك، وتتخذ قرارها «بنفسها»، سارع قاتل الأطفال والنساء نتنياهو بإدانة هذه التصريحات المتزنة، وقام وزير الخارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين باستدعاء سفيري إسبانيا وبلجيكا في تل أبيب لـ«محادثة توبيخ حادة» بشأن تصريحات رئيسي وزراء البلدين.
هذا السعار الصهيوني ضد كل صوت يدافع عن الإنسانية يعيد إلى الأذهان ممارسات منظمة أيباك (AIPAC) التي ترعى اللوبي اليهودي في المجتمع الأمريكي، وباتت تشكل رأس حربة الإرهاب الإسرائيلي لكل الأصوات المعتدلة التي تدافع عن الحق الفلسطيني، وتمارس أقوى أنواع الضغوط وتنفق ملايين الدولارات لضمان تشويه أي معارض لسياسات إسرائيل داخل الكونجرس الأمريكي، وما فعلته مع النائبة الأمريكية من أصل فلسطيني رشيدة طليب ليس ببعيد لمجرد اعتراضها على الدعم غير المشروط لإسرائيل في حربها بغزة.
هذا ما أكده أيضا مارك بوكان النائب الديمقراطي الممثل للدائرة الثانية بولاية ويسكونسن في مجلس النواب الأمريكي، عندما كتب عبر منصة «إكس»: «لا أكترث ولا أخشى أيباك، أعتقد أنهم يمثلون وجودا سرطانيا في ديمقراطيتنا وسياستنا بشكل عام، وإذا كان بإمكاني أن أصبح جراحا وأقضي عليهم، فهذا رائع».. هذا ما يؤكد حجم الضغوط التي تمارسها هذه المنظمة على صناعة القرار الأمريكي، الذي مازال هو بوصلة القرارات الغربية حتى الآن.
وليحذر الجميع من أن غياب أفق السلام سينشر الكراهية، التي هي وقود العنف، وما رأيناه من ستيوارت سيلدوويتز مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، من اعتداء على بائع الأطعمة المصري الجنسية في نيويورك، مرددا عبارات معادية للإسلام وفلسطين، وهو ما يدق ناقوس خطر حقيقي تجاه بعض العقليات الغربية التي تدفع العالم في دوامة التطرف والعنف في غياب السلام، وذلك في ظل حالة عالمية من الاكتئاب والعجز من عدم القدرة على وقف عجلة القتل الإسرائيلية بحق الأبرياء في فلسطين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك