مقال رئيس التحرير
أنـــور عبدالرحمــــــن
رسالة مفتوحة إلــى القـادة العـرب
أصحابَ الجلالة والسمو والفخامة،
لم يمرّ التاريخُ العربيُّ الطويلُ قديمه وحاضره بظروفٍ مثلما نواجهه اليومَ مع عدوٍ ليس في قاموسِه الأخلاقيِّ أيُّ إنسانيَّةٍ أو رأفة، ولا يعرفُ سوى النهبِ والسلبِ لأيِّ شيء وكلِّ شيء.. من أرواحِ الفلسطينيين وأرضِهم وتدميرِ مقدساتهم ومقومات معيشتهم من أمنٍ وسكنٍ وماءٍ وغذاء وكهرباء.
إذًا نحن نواجه وحشًا همجيًّا مدعومًا من الدولِ الغربيَّةِ الذين نعتبرهم أصدقاء، وظلُّوا سنواتٍ ينادون بحقوقِ الإنسان من أجل ابتزازِ شعوبِ وحكومات العالمِ النامي.
أصحابَ الجلالةِ والسمو والفخامة،
عليكم أن تعلموا أن التاريخَ سيكتبُ عنكم.. التاريخُ سيكتبُ أنكم اجتمعتم لوضعِ الحلولِ الإنسانيَّة وإيقافِ المجازرِ التي تُرتكبُ في حقِّ أهلنِا في غزة، علما أنكم على درايةٍ بأن وزراءَ الخارجيَّةِ العرب اجتمعوا مع وزيرِ الخارجيَّةِ الأمريكيِّ قبل أيام وما استطاعوا أن يفلحوا بأي شيء.
شعوبُكم كلهم يعلمون أنكم صادقون وملتزمون بمسؤولياتكم، ولكن كلَّ شعوبِكم في حيرةٍ مما ستكون عليه نتيجةُ هذا الاجتماع؟
شعوبُكم على علم أنه ليس هناك حلٌّ عسكريٌّ من جانبِ العرب، وفي الوقتِ نفسه شعوبُكم على درايةٍ أيضًا بأن إسرائيلَ تؤمنُ بالواقعِ العسكريِّ لفرضِ الاستبداد كأمرٍ واقع defacto«».
فما هو الحلُّ إذًا؟
ما هو الحلُّ في هذه الظروف؟!
هل العربُ يستطيعون مقاطعةَ الغربِ وخصوصًا اقتصاديًّا؟
هل العربُ بإمكانهم خلق البدائل لضمان استمراريَّة تدفق اقتصاداتهم؟
هل يتجه العربُ نحو الشرقِ والصين تحديدًا للحدَّ من العلاقاتِ الاقتصاديَّةِ مع الغرب.. علما أن العالمَ يرى أن مستقبلَ الاقتصادِ ينمو بوتيرةٍ سريعةٍ في الشرق وليس في الغرب.
أصحابَ الجلالةِ والسمو والفخامة،
يجبُ آلا تتحوَّلَ فلسطينُ إلى ما يشبه رواياتِ المآسي والبؤس التي يتألمُ لها البعضُ أحيانًا ويذرفُ الدموعَ على أبطالِها، ثم يطوي القصةَ، وينسى ما دارَ فيها.
إننا لا ولن نقبلَ أن تُطوى القصةُ بنهايةٍ حزينة، تجبرُنا على الخروجِ من بين حروفِها إلى عالمِ النسيان، وإجبار أصحاب الأرض على ترك أرضهم، مع سحقِ هويتِهم من أجل أطماعٍ إسرائيليَّةٍ لا حد لها.
لا بدَّ من ردعِ إسرائيل بالقوةِ الدبلوماسيَّةِ العربيَّة الهائلةِ المدعومةِ بإمكانياتِها الاقتصاديَّة، لأن انتصارَ إسرائيلَ هو خطرٌ ليس فقط على القضيةِ الفلسطينيَّة بل على كلِّ العالمِ العربيِّ في المستقبلِ القريب، وخصوصًا أن أيَّ صراعٍ عسكريِّ في المنطقة يؤدي إلى فراغٍ في السلطةِ يفتحُ شهيةَ الأطماعِ الإقليميَّة المختلفة، وما حدث في العراق وسوريا دليلٌ جازمٌ على ذلك، إذ سعت إيرانُ إلى احتلالِ هذا الفراغ في ظلِّ غيابِ الدورِ العربيِّ القادرِ على استيعابِ المتغيرات.
ورغم المحاولاتِ على مدار السنين لإضعاف الإرادةِ العربيَّة فإنني أثقُ بأن هذه الأمةَ الفتيَّةَ تمتلكُ من الإمكاناتِ والقدراتِ التي تؤهلُها لفرضِ إرادتها على المجتمعِ الدوليِّ الظالم، غير المكترثِ إلا بمصالحِه فقط.
عندما تلتفُّون حولَ طاولةِ القمةِ العربيَّة الطارئة، ضعوا أمام أعينِكم هدفًا واحدًا، ولا تتشتتوا، ولا تنشغلوا بخلافاتٍ بينكم أضرت مصالحَ العرب.
إن أولَ أهدافِ هذه القمة هو استعادةُ الهيبةِ العربيَّة المفقودةِ في الساحةِ الدوليَّة، وإلزامُ الولاياتِ المتحدة والغرب أن يدركوا حجمَ خسارتِهم الكبيرةِ إذا استمر دعمُهم المحمومُ لإسرائيلَ على حساب الفلسطينيين.
أقولُ لكم، يا كبارَ القوم، وبكلِّ صدق، إنني لا أطلبُ منكم ما هو فوق طاقتِكم، أو تصريحاتٍ عفا عليها الزمنُ، ولكني أطلبُ أن تتوحَّدَ كلمتُكم من أجل إقامةِ دولةٍ فلسطينيَّة مستقلة، لا أن تنتهي القمةُ بمجردِ مناشداتٍ للعالم بإدخالِ حفنة من المساعدات الإنسانيَّة سوف تكونُ هدفًا لقصفٍ إسرائيليٍّ وحشيٍّ جديد، بعد انتهاءِ المقترح الأمريكي الواهي بهدنةٍ إنسانيَّة عدة ساعات.
أدركُ أن لغةَ العالم تغيَّرت في هذا الزمنِ، إذ لا يدركُ إلا لغةَ المصالحِ المشتركةِ؛ فكم هم يدعون أنهم شركاؤنا، فلتكن رسالتُكم قويَّةً مُزلزِلةً لهذا العالمِ الظالم حتى يستفيقَ من نشوةِ القتلِ التي يعيشُها على جثثِ الفلسطينيين.
أيها الزعماءُ، إن اجتماعَكم القادم هو اجتماعٌ مسالم، اجتماعٌ لتجنبِ أيَّ عملٍ عسكريِّ، لأنكم تمتلكون، وخصوصًا دولَ مجلس التعاون، في أيديكم سلاحَ الاقتصاد، ليس هناك أيُّ أمةٍ تستطيعُ أن تتجاهلَ قدراتِكم الاقتصاديَّة، هذه القدرات يجبُ أن تسودَ الموقفَ السياسيَّ في الوقتِ الراهن.
فهل تخطُّ قمتُكم الطارئةُ قراراتٍ تستردُ للأمةِ العربيَّةِ عافيتها وتلفظُ الاتهامَ بأن العربَ ظاهرةٌ صوتيَّةٌ لا أثرَ لهم.
ونؤكِّدُها مرةً أخرى، يجبُ أن تكونوا موحَّدين، في آرائِكم ومواقفِكم، وكذلك في الحلولِ التي تقدمونها للعالمِ شرقًا وغربًا، حتى لا تفقدَ القضيةُ الفلسطينيَّةُ الدعمَ الذي حصلت عليه في مختلفِ الأنحاء، لأن الكلَّ يعلمُ أن فلسطينَ انتصرت وإسرائيلَ تلقت هزيمةً نكراء إعلاميًّا، وهذا ليس قولنا بل إنه صار حديثَ شوارع كلِّ المدن الرئيسية في العالم.
كلمةٌ أخيرة، هذه القمةُ الطارئةُ يجبُ أن تضعَ ملامحَ إسهام العربِ في رسمِ المستقبل، وألا يبقوا دائمًا خارجَ اللوحةِ التي يرسمُها من يحملُ الريشةَ ويغمسُها في دمائِنا ويخطط خريطةً جديدةً كلما تراءى له أن يعبثَ في مقدراتِنا من أجلِ مصالحِه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك