العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

أنـا لا أكبــــر.. لأننـي ولــدت لأُقـتـل!

عندما‭ ‬أكتبُ‭ ‬أقفُ‭ ‬كثيرًا‭ ‬عند‭ ‬الحقائق،‭ ‬فهل‭ ‬عينُ‭ ‬الحقيقةِ‭ ‬عندي‭ ‬هي‭ ‬نفسُها‭ ‬عند‭ ‬من‭ ‬يقرأني،‭ ‬لكني‭ ‬أكتبُ‭ ‬وأظلُّ‭ ‬أكتبُ‭ ‬وفي‭ ‬إيماني‭ ‬أن‭ ‬التغييرَ‭ ‬سيحدثُ‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬بقلمٍ‭ ‬يرسمُ‭ ‬حروفًا‭ ‬للمستقبل‭.‬

اليوم‭ ‬نرى‭ ‬‮«‬حنظلة‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‮»‬*‭ ‬يعودُ‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظنَّ‭ ‬البعضُ‭ ‬أنه‭ ‬استُشهدَ‭ ‬جراءَ‭ ‬قصفٍ‭ ‬إسرائيليٍّ‭ ‬وحشيٍّ‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لكنه‭ ‬خرجَ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ركامِ‭ ‬البناياتِ‭ ‬والمستشفيات‭ ‬رافعًا‭ ‬إصبعيه‭ ‬بعلامةِ‭ ‬النصر،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬دماءَه‭ ‬ستظلُّ‭ ‬الشريانَ‭ ‬الذي‭ ‬يمدُّ‭ ‬فلسطينَ‭ ‬بالحياة‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأيامِ‭ ‬العصيبة،‭ ‬أقولُ‭ ‬للإسرائيليين‭: ‬‮«‬إن‭ ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬تعلموا‭ ‬أنكم‭ ‬لستم‭ ‬أبناءَ‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وما‭ ‬تسوقونه‭ ‬من‭ ‬حججٍ‭ ‬تاريخيَّة‭ ‬لا‭ ‬تنطبقُ‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬يهود‭ ‬فلسطين‭ ‬فقط،‭ ‬وليس‭ ‬اليهود‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬دولٍ‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

إسرائيلُ‭ ‬تقتل‭ ‬أبناءَ‭ ‬فلسطين‭ ‬العرب،‭ ‬وأتساءلُ‭: ‬ألسنا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬تريدون‭ ‬منا‭ ‬المحافظةَ‭ ‬على‭ ‬الاتفاقِ‭ ‬الإبراهيميِّ،‭ ‬ألسنا‭ ‬عربًا،‭ ‬كيف‭ ‬نتقبَّلُ‭ ‬ذلك،‭ ‬وأنتم‭ ‬تقتلون‭ ‬أبناءَ‭ ‬جلدتِنا‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة؟‭!‬

وأود‭ ‬أن‭ ‬أسألَ‭ ‬سؤالا‭ ‬لهؤلاء‭ ‬القابعين‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬حاليا‭:‬

أنتم‭ ‬تروجون‭ ‬لرغبتِكم‭ ‬بالسلام‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربيَّة‭ ‬البعيدة‭ ‬جغرافيًا‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬كما‭ ‬تدَّعون،‭ ‬وتريدون‭ ‬بناءَ‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬طبيعية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬أنكم‭ ‬أعداءُ‭ ‬جيرانكم‭ ‬وهم‭ ‬عرب،‭ ‬ونحن‭ ‬البعيدين‭ ‬عنكم‭ ‬عربٌ‭ ‬أيضا‭.‬

كيف‭ ‬سنتقبلُ‭ ‬هذا‭ ‬الاستعلاءَ‭ ‬والعنصريَّةَ‭ ‬التي‭ ‬ترددونها‭ ‬عن‭ ‬العرب،‭ ‬وكيف‭ ‬سنثقُ‭ ‬بكم‭ ‬إذًا؟ّ

كيف‭ ‬نستطيعُ‭ ‬أن‭ ‬نتحاورَ،‭ ‬وفي‭ ‬آذاننا‭ ‬ترديدُ‭ ‬كلمات‭ ‬الطفل‭ ‬الفلسطينيِّ،‭ ‬الذي‭ ‬سُئل‭ ‬ماذا‭ ‬سيصبحُ‭ ‬حينما‭ ‬يكبر،‭ ‬فرد‭ ‬قائلا‭ ‬قولًا‭ ‬يزلزلُ‭ ‬الجبالَ‭: ‬إني‭ ‬فلسطينيٌّ‭ ‬وُلدت‭ ‬لأقتل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أكبرَ،‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيلَ‭ ‬ستقتلني‭!!‬

كيف‭ ‬نقنعُ‭ ‬هذا‭ ‬الطفلَ‭ ‬البريء‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مستقبلا‭ ‬آمنا‭ ‬له؟‭!‬

أنتم‭ ‬الذين‭ ‬تديرون‭ ‬إسرائيلَ‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬عاما‭ ‬تلقنون‭ ‬أبناءَكم‭ ‬الكراهيةَ‭ ‬والعنصريَّةَ‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وكلما‭ ‬تمتلئ‭ ‬القلوبُ‭ ‬بالكراهيةِ‭ ‬تعمى‭ ‬الأبصارُ‭.‬

هل‭ ‬أنتم‭ ‬فخورون‭ ‬بتدميرِ‭ ‬غزة،‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬إرهابًا؟،‭ ‬يقف‭ ‬وراءه‭ ‬مجرمُ‭ ‬حربٍ‭ ‬يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬الدفاعِ‭ ‬عن‭ ‬رقبتِه‭ ‬ومنصبِه‭ ‬فيطيلُ‭ ‬أمدَ‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬حسابِ‭ ‬دماء‭ ‬الأبرياء‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كرسيِّه‭!‬

لأنه‭ ‬يدركُ‭ ‬أن‭ ‬مستقبلَه‭ ‬السياسيّ‭ ‬انتهى‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬ليل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬يدرك‭ ‬نتنياهو‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬قتلَ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ليس‭ ‬نصرًا‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انتقامٌ‭ ‬شخصيٌّ،‭ ‬لأنه‭ ‬يعلمُ‭ ‬أن‭ ‬الصمودَ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يسقِطُ‭ ‬حكمَه،‭ ‬وأن‭ ‬كلَّ‭ ‬نقطةِ‭ ‬دمٍ‭ ‬فلسطينيَّة‭ ‬طاهرة‭ ‬تصدرُ‭ ‬حكمًا‭ ‬بفشلِه‭ ‬العسكريِّ‭ ‬والسياسيِّ‭ ‬معًا‭.‬

السلامُ‭ ‬يتحققُ‭ ‬بنزعِ‭ ‬فتيل‭ ‬الكراهية،‭ ‬والكراهيةٌ‭ ‬تزولُ‭ ‬بتحقيقِ‭ ‬العدل،‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين،‭ ‬ومنحِ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق‭ ‬حقوقَه‭ ‬المشروعةَ‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬سلبتموها‭ ‬منه‭.‬

آن‭ ‬الأوانُ‭ ‬أن‭ ‬تتغيَّرَ‭ ‬الوجوهُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬وألا‭ ‬ندورَ‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬عقلياتٍ‭ ‬متجمدة،‭ ‬تمصُّ‭ ‬دماءَ‭ ‬الأبرياء‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬مناصبها‭.‬

هذه‭ ‬الكلماتُ‭ ‬أقولُها،‭ ‬وأنا‭ ‬أرى‭ ‬هذا‭ ‬السعارَ‭ ‬الذي‭ ‬انتابَ‭ ‬هذا‭ ‬الـ«نتنياهو‮»‬‭ ‬يدَّعي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يريدُ‭ ‬أن‭ ‬يعرقلَ‭ ‬السلامَ‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدولِ‭ ‬العربيَّة،‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬تكونُ‭ ‬حقيقةً‭ ‬في‭ ‬ظاهرِها،‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقةَ‭ ‬الساطعةَ‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يرددُ‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬رجلَ‭ ‬سلام‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬يديه‭ ‬ملطختان‭ ‬بدماءِ‭ ‬الأبرياء،‭ ‬طوالَ‭ ‬تاريخه،‭ ‬بل‭ ‬تلاعبَ‭ ‬هو‭ ‬وحزبه‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬بديمقراطيتِهم‭ ‬الزائفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعطيلِ‭ ‬مسيرة‭ ‬السلام‭.‬

ولتعلم‭ ‬إسرائيلُ‭ ‬وقادتها‭ ‬أن‭ ‬محاولتِهم‭ ‬البائسة‭ ‬لتحويل‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬صراعٍ‭ ‬دينيِّ،‭ ‬سيؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬خسارتِهم‭ ‬خسارةً‭ ‬فادحة،‭ ‬لأن‭ ‬العربَ‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬عداءٍ‭ ‬مع‭ ‬اليهوديَّة‭ ‬بل‭ ‬مع‭ ‬الصهيونيَّة‭ ‬التي‭ ‬ابتلعت‭ ‬أرضًا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬البداية‭.‬

التوقيت‭ ‬الحالي‭ ‬لا‭ ‬يحتملُ‭ ‬أيَّ‭ ‬مواربةٍ‭ ‬في‭ ‬الكلمات،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬حاليا‭ ‬هو‭ ‬تكرارٌ‭ ‬لنكبة‭ ‬1948،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬متدثِّرة‭ ‬في‭ ‬لباسٍ‭ ‬مزيف،‭ ‬ولكن‭ ‬جاءت‭ ‬الهجماتُ‭ ‬الوحشيَّة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬لتسقِطَ‭ ‬ورقةَ‭ ‬التوت‭ ‬الأخيرة‭ ‬لهذا‭ ‬الكيانِ‭ ‬الغاصب‭.‬

إنني‭ ‬أنظرُ‭ ‬إلى‭ ‬الأسابيع‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬ورغم‭ ‬المشاهدِ‭ ‬التي‭ ‬تدمي‭ ‬القلوبَ،‭ ‬لكنني‭ ‬أرى‭ ‬فيها‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬إِشاراتٍ‭ ‬تستحقُ‭ ‬التوقفَ‭ ‬عندها،‭ ‬فنتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬يحاولُ‭ ‬أن‭ ‬يرتدي‭ ‬ثوبَ‭ ‬الرجل‭ ‬القوي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقةِ‭ ‬يقفُ‭ ‬مرتعشًا،‭ ‬وما‭ ‬تكراره‭ ‬لعبارة‭ ‬الانتصار‭ ‬إلا‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬مضمونها‭ ‬من‭ ‬هزيمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬بالفعل‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬سعت‭ ‬إليه‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬واشنطن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبيَّة‭ ‬من‭ ‬ترويجٍ‭ ‬للنموذج‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬القوي‭ ‬المتقدم‭ ‬تكنولوجيًّا‭ ‬وعسكريًّا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬سقط‭ ‬سقوطًا‭ ‬مدويًّا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مسلحي‭ ‬المقاومة‭ ‬بتسليحهم‭ ‬البدائي‭.‬

الهزيمةُ‭ ‬الأكثرُ‭ ‬تجليًّا،‭ ‬بحكم‭ ‬مُتابعتي‭ ‬للإعلام‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي،‭ ‬تتمثلُ‭ ‬في‭ ‬التعاطفِ‭ ‬الدولي‭ ‬غيرِ‭ ‬المسبوق‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬فالجميعُ‭ ‬رأى‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬لندن‭ ‬وبروكسل‭ ‬وباريس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبيَّة‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬قلب‭ ‬نيويورك‭ ‬نفسها‭ ‬ومن‭ ‬اليهود‭ ‬أنفسهم،‭ ‬والكل‭ ‬يرددُ‭ ‬هتافًا‭ ‬واحدا‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬حرة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارةٌ‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬بل‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬رغبةٍ‭ ‬شعبيَّةٍ‭ ‬عالميَّة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وهذا‭ ‬متغيرٌ‭ ‬لم‭ ‬تشهده‭ ‬القضيةُ‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬طيلةَ‭ ‬سنوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والتي‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬75‭ ‬عامًا‭.‬

الصمودُ‭ ‬الفلسطينيُّ‭ ‬يتلمسُ‭ ‬كلُّ‭ ‬عاقل‭ ‬نتائجَه،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬يظنُّ‭ ‬بأن‭ ‬يأتيَ‭ ‬يومٌ‭ ‬نرى‭ ‬فيه‭ ‬يهودَ‭ ‬أمريكا‭ ‬والذين‭ ‬كنا‭ ‬نقول‭ ‬إنهم‭ ‬الداعمون‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بحكم‭ ‬قدراتهم‭ ‬المالية،‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬أغنيائهم‭ ‬من‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ويدينون‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬جرائمها‭ ‬بحقهم‭.‬

موقفُ‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬يناقضُ‭ ‬تمامًا‭ ‬موقفَ‭ ‬حكامهم،‭ ‬وأمام‭ ‬هذا‭ ‬الموقفُ‭ ‬الصلب‭ ‬رأينا‭ ‬بلدانًا‭ ‬أوروبيَّة‭ ‬تصوِّت‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لصالح‭ ‬المشروع‭ ‬العربي‭ ‬بالوقف‭ ‬الفوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

الإعلامُ‭ ‬الغربي‭ ‬أُجبرَ‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬بوصلته،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كامل،‭ ‬ولكنه‭ ‬انصاعَ‭ ‬للأصوات‭ ‬التي‭ ‬ضجت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لتفضح‭ ‬ازدواجيةَ‭ ‬معاييره‭.‬

في‭ ‬قلب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬رأينا‭ ‬موقفًا‭ ‬شجاعًا‭ ‬من‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أنطونيو‭ ‬غوتيريش،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬أدان‭ ‬بشدة‭ ‬هجومَ‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لكنه‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬‮«‬من‭ ‬فراغ‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬‮«‬احتلالٍ‭ ‬قمعي‮»‬‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬لعقودٍ‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيلَ‭ ‬ارتكبت‭ ‬‮«‬انتهاكاتٍ‭ ‬ضد‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬التصريحُ‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬بالجنون‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬باستقالته‭.‬

وشهدت‭ ‬قاعة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضا،‭ ‬صفعةً‭ ‬أخرى‭ ‬للإسرائيليين،‭ ‬عندما‭ ‬ضجت‭ ‬القاعةُ‭ ‬بالتصفيق‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬كلمة‭ ‬مندوب‭ ‬فلسطين‭ ‬بالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الوزير‭ ‬رياض‭ ‬منصور،‭ ‬خلال‭ ‬الجلسة‭ ‬الطارئة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فيما‭ ‬خرج‭ ‬المندوبُ‭ ‬الإسرائيليُّ‭ ‬جلعاد‭ ‬إردان‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬القاعة‭ ‬وسط‭ ‬صمتٍ‭ ‬مدقع،‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬ترويج‭ ‬ادعاءاتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

واشنطن‭ ‬التي‭ ‬سارعت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬رئيسها‭ ‬بايدن‭ ‬بدعمِ‭ ‬وحشية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭ ‬ليس‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬دميتها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رغبة‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬غير‭ ‬المتزن‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬انتصار‭ ‬واهٍ‭ ‬قد‭ ‬يمكِّنه‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬حزبه‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬أمريكية‭ ‬قادمة‭.‬

المصارحةُ‭ ‬تقتضي‭ ‬منا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬ننظرَ‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الرتوش،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬حماسُ‭ ‬قد‭ ‬اعترفت‭ ‬بأن‭ ‬إيرانَ‭ ‬كانت‭ ‬الداعمَ‭ ‬الرئيس‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬التسليح،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وفي‭ ‬المقدمة‭ ‬منهم‭ ‬حماس‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أن‭ ‬طهرانَ‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حسابِ‭ ‬دماء‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وما‭ ‬رغبة‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الصراع‭ ‬إلا‭ ‬وسيلة‭ ‬منهم‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغوط‭ ‬عليهم،‭ ‬وللتغطية‭ ‬على‭ ‬فشلهم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬داخليا،‭ ‬وإنهاء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لن‭ ‬يكونَ‭ ‬بالتصريحات‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬إيران،‭ ‬والتي‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لامتطاء‭ ‬صهوة‭ ‬المقاومة‭ ‬لتحسين‭ ‬صورة‭ ‬طهران‭ ‬المشوهة‭ ‬أصلا،‭ ‬وفضحت‭ ‬تصريحاتُ‭ ‬مندوب‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أمير‭ ‬سعيد‭ ‬ايرواني‭ ‬الادعاءاتِ‭ ‬الإيرانية‭ ‬نفسها‭ ‬حينها‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تهاجم‭ ‬إسرائيلُ‭ ‬طهرانَ‭ ‬ومصالحَها‭ ‬فلن‭ ‬تتدخلَ‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬ممثل‭ (‬حماس‭) ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالهادي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقولَ‭ ‬لمجلة‭ (‬نيوزويك‭): ‬‮«‬نسقنا‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬ومع‭ ‬إيران‭ ‬قبل‭ ‬وأثناء‭ ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات؛‭ ‬لكن‭ ‬تعرضنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬إلى‭ ‬خيانةٍ‭ ‬واضحة‭ ‬ووعودٍ‭ ‬كاذبة‭ ‬من‭ ‬إيران‮…‬‭ ‬نعم‭ ‬خيانة‭ ‬واضحة‭ ‬ووعود‭ ‬كاذبة‮»‬،‭ ‬أتريدون‭ ‬أكثرَ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬دليلا؟‭! ‬

ويجب‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬الحقائقَ‭ ‬بوضوح،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصبوا‭ ‬جم‭ ‬غضبِهم‭ ‬على‭ ‬العواصمِ‭ ‬العربية،‭ ‬يجبُ‭ ‬أن‭ ‬يعلموا‭ ‬أن‭ ‬العربَ‭ ‬كانوا‭ ‬وما‭ ‬زالوا‭ ‬هم‭ ‬حائط‭ ‬الصد‭ ‬الأول‭ ‬والداعم‭ ‬الأكبر‭ ‬للأشقاء‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنواتِ‭ ‬القضية‭.‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬نطالبُ‭ ‬بأن‭ ‬تتغيرَ‭ ‬الوجوهُ‭ ‬الإسرائيليَّة‭ ‬المتورطة‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الوحشيَّة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فيجبُ‭ ‬أن‭ ‬نؤكِّدَ‭ ‬أن‭ ‬أبناءَ‭ ‬فلسطين‭ ‬عليهم‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يتحدوا‭ ‬وراءَ‭ ‬قضيتهم‭ ‬وأن‭ ‬ينبذوا‭ ‬خلافاتهم‭ ‬وأن‭ ‬يوحِّدوا‭ ‬صوتهم‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم،‭ ‬حتى‭ ‬نستطيعَ‭ ‬أن‭ ‬نصنعَ‭ ‬حلمًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لطفلٍ‭ ‬فلسطينيِّ‭ ‬عاش‭ ‬طفولتَه‭ ‬يلعبُ‭ ‬لعبةَ‭ ‬‮«‬الشهيد‮»‬،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعيشَ‭ ‬مستقبلا‭ ‬مليء‭ ‬بأحلام‭ ‬البناء‭.‬

 

*‭ ‬حنظلة‭ ‬هي‭ ‬أشهرُ‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‭ ‬في‭ ‬كاريكاتيراته،‭ ‬ويمثل‭ ‬صبيًّا‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وأصبح‭ ‬رمزًا‭ ‬للهوية‭ ‬والطفولة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

*‭ ‬حنظلة‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬عامر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬شهداء‭ ‬غزوة‭ ‬أحد،‭ ‬ولُقِّبَ‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬النبويَّة‭ ‬بـ‭ (‬غسيل‭ ‬الملائكة‭)‬،‭ ‬لأنّ‭ ‬الملائكة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬غسّلته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الغزوة‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬عرسه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا