ربما مهدت الهدنة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران الطريق إلى توقيع اتفاق نووي ثنائي يكون نواة لاتفاق نووي شامل، لن تمانع أوروبا في أن تكون جزءا منه. فالولايات المتحدة التي لم تبد انزعاجها من قيام الصين بلعب دور إيجابي في حل مشكلات المنطقة التي زادها التدخل الأمريكي تعقيدا قد تجد في تخفيف التوتر بينها وبين المليشيات الإيرانية في العراق مناسبة لفتح الأبواب الموصدة في وجه إيران التي سيكون ذلك مريحا لها ما دام قد حدث من غير تنازلات أو شروط مسبقة.
لم يلعب الأمريكان أي دور إيجابي لمصلحة حلفائهم العرب. لم يقفوا معهم بقوة حين كانت إيران لا تُخفي نواياها العدوانية ضدهم. كان الموقف الأمريكي دائما مائعا وضبابيا حين يتعلق الأمر بالسياسات الإيرانية في المنطقة.
وإذا ما استطاعت إيران فعلا حل مشكلاتها مع المملكة العربية السعودية فإنها ستتمكن من وضع الإدارة الأمريكية في موقع حرج وتدفعها مضطرة إلى إجراء نوع من التعديلات على نظام العقوبات التي تفرضها عليها.
ولكن ذلك الانفراج لن يحل مشكلات إيران التي هي جزء عضوي من بنية نظامها القائمة أصلا على أزمة، مصدرها انفصال ذلك النظام الشمولي عن الشعب الذي يدير شؤونه.
إيران دولة دينية. ربما هي الدولة الدينية الوحيدة في عالمنا المعاصر. في غير مناسبة كشفت تلك الدولة عن عجزها عن اللحاق بمطالب المجتمع المدنية، بل وعن رفضها تلبية تلك المطالب حتى ولو جزء منها.
ظهر ذلك جليا في أزمة غطاء الرأس النسائي التي تسببت في اندلاع احتجاجات، مارس النظام أقصى درجات العنف في قمعها. سيحتال النظام كعادته على مناصريه حين يقنعهم بأنه عن طريق القمع استطاع أن يثبت شريعة الدولة الدينية، ذلك لأن كل انتفاضات الإيرانيين السابقة لا تزال تملك أسباب تجددها في أوقات لاحقة. فالمصالحة ليست من مفردات النظام فهي تتطلب تقديم تنازلات ليست الدولة الدينية مستعدة لتقديمها.
إيران هي دولة الولي الفقيه الذي رفع شعار «الموت لأمريكا وإسرائيل». كان من الممكن أن يكون ذلك الشعار الجذاب جاذبا للإيرانيين لو أنهم شعروا أن تلك الدولة هي دولتهم التي تحترم إرادتهم في بناء مجتمع مدني حرّ لا تنحرف تجربته المستقلة في اتجاه الحروب، وما «مبدأ تصدير الثورة» إلا الطريق التي ستنزلق بهم إلى أن يكونوا ضحايا لحروب لا تنتهي ضد العالم.
منذ أكثر من أربعين سنة وإيران تعيش حربا، كانت حرب الثماني سنوات مع العراق الجزء المعلن منها أما الأجزاء الأخرى فقد دفعت الشعوب الإيرانية ضرائبها الباهظة.
دولة الولي الفقيه هي دولة المليشيات العابرة للحدود. ما كان الفرد الإيراني يخسره من مائدته اليومية كان يذهب لتمويل مقاتلي عصابات مسلحة في العراق واليمن وسوريا ولبنان. ما الذي استفاد منه الإيرانيون من كل تلك الحروب المقنّعة؟ إذا قيل له إن الحاج قاسم سليماني صار شخصا مرهوب الجانب في تلك الدول فهل سيكون ذلك سببا لسروره؟
مما لا يمكن إنكاره أن إيران قد بدأت في تحسين صورتها الخارجية بالرغم من أن إبراهيم رئيسي وهو رأس النظام يعد من الصقور الذين ينتمون إلى أكثر مراحل النظام قسوة، ولكنها صورة قد لا تبشر بخير على مستوى حياة الناس العاديين في إيران. ما يقع في كيس النظام لن ترى الشعوب الإيرانية أثرا له في حياتها، فالانفصال بين دولة يمسك الولي الفقيه بخناقها وشعوب تطمح إلى أن تبني حياتها على أسس مدنية سيظل قائما بغض النظر عن الطريقة التي يدير بها النظام ملفاته الخارجية.
ولكن صداعا تعاني منه المنطقة بسبب السياسات الإيرانية لا تنفع معه المهدئات. نحن نقف أمام دولة استعمارية وضعت يدها على ثلاث دول على الأقل. فهل نتوقع أن من اليسير عليها أن ترفع يدها ما لم تُجبر على ذلك بالقوة؟
تلك هي مشكلة إيران ومشكلة العالم معها. وما لم تُحلّ تلك المشكلة فإن محاولات إقامة علاقة طبيعية مع دول الخليج ستكون اختبارا صعبا، فيه الكثير من العقد التي يجب تفكيكها.
أما إذا أرادت الولايات المتحدة أن تستهل علاقتها الجديدة بإيران بما يصب في مصلحة النظام الإيراني وليس في مصلحة دول المنطقة ولا في مصلحة شعوب إيران فإنها كمَن يُعدّ حطبا لحروب قادمة.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك