دفعت التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى البحث عن استراتيجيات فعالة تسهم في المحافظة على البيئة والمساهمة في تصفير المخلفات. أحد هذه الأساليب التي اتبعتها العديد من دول العالم هو إشراك أصحاب المصلحة، وهو نهج أثبت فعاليته في صياغة وتنفيذ حلول شاملة وفعالة. وتجدر الإشارة هنا إلى أحد أفضل المخططات التي صممت وهو المخطط الرئيسي لسنغافورة لتصفير النفايات، وهو مثال جدير بالذكر للمشاركة الفعالة لأصحاب المصلحة.
لطالما كانت مشاركة أصحاب المصلحة من القضايا الحاسمة في معالجة القضايا البيئية، حيث تعزز هذه المشاركة قاعدة الأدلة والبيانات، وتزيد من قبول أصحاب المصلحة للسياسة وشرعيتها، وتحسن من احتمالية نجاح الاستراتيجية أو الخطة. ومع ذلك، فهي أيضا عملية صعبة، محفوفة باختلالات القوة المحتملة ومتطلبات الموارد المتوافرة. على الرغم من هذه العقبات، تمكنت سنغافورة من تنفيذ مشاركة جديرة بالثناء لأصحاب المصلحة في خطتها الرئيسية لتصفير النفايات.
تم إطلاق المخطط الرئيسي لتصفير النفايات كرؤية ضمن ثلاث ركائز مهمة – المناخ والموارد والاقتصاد، ويهدف إلى تقليل النفايات المرسلة إلى مدافن النفايات بنسبة 30% للفرد بحلول عام 2030، مع تحقيق معدل إعادة تدوير إجمالي بنسبة 70% في نفس الوقت. ويعتمد نجاح هذه الخطة على تعاون الحكومة والقطاع الصناعي والأفراد. فحفزت حكومة سنغافورة هذا التعاون من خلال دعوة الجمهور للمشاركة في تشكيل الخطة. وكانت الاستجابة كبيرة، حيث شارك أكثر من 6000 من أصحاب المصلحة من القطاع الحكومي والقطاع الصناعي والأكاديمي ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين بأنشطة مختلفة في الاستشارات والاستطلاعات ومناقشات مجموعات التركيز عبر الإنترنت، وهو ما قدم رؤى لا تقدر بثمن في تحسين المخطط الرئيسي لتصفير النفايات. ولعب القطاع الصناعي أيضاً دورا مهماً، وقدمت حينها أكثر من 250 شركة تعليقات ورؤى وآراء حول الموضوع. ويقدم هذا المستوى من المشاركة الدور الحاسم لمشاركة أصحاب المصلحة في صياغة استراتيجيات بيئية فعالة. ويوفر المخطط الرئيسي لتصفير النفايات في سنغافورة تجربة يمكن للعديد من البلدان الأخرى الاستفادة منها، وخاصة دول الخليج العربي، التي تواجه تحديات بيئية خاصة بها، والتي يمكنها أن تسخر مشاركة أصحاب المصلحة بطريقة مماثلة في صنع سياسات مستدامة وطويلة المدى.
تشرك العديد من دول الخليج العربي الشركات الكبرى في وضع استراتيجيات البيئة أو أي استراتيجيات أخرى، ولكن فرصة التقدم أو نجاح السياسة قد تكون أقل من تلك التي تشمل مشاركة هذه الشركات مع أصحاب المصلحة الآخرين، والتي يمكن أن تسهم في تقديم رؤى واقتراحات شاملة يمكن لصناع القرار الاستفادة منها وتطبيقها بشكل أوسع وشامل. ومن هنا، يمكن الاستفادة من تجربة سنغافورة من خلال ثلاثة أمور رئيسية:
أولاً، يمكن لدول الخليج العربي أن تستفيد من نهج سنغافورة المتمثل في خلق وعي وطني تجاه الاهتمام بالبيئة. يمكن القيام بذلك عن طريق إلهام التغييرات السلوكية من خلال الإنشاء المشترك والمشاركة العامة في المبادرات البيئية. وبإشراك المواطنين في عمليات صنع القرار، يمكن للحكومات أن تعزز الشعور بالملكية والمسؤولية تجاه البيئة وخصوصاً في سياسة تصفير المخلفات.
ثانياً، يمكن لدول الخليج العربي الاستفادة من استراتيجية سنغافورة لدعم الإنتاج المستدام من خلال الاعتماد على البحث والتطوير، كذلك من خلال إشراك أصحاب المصلحة وتشجيع الحلول المبتكرة. لا يعزز هذا التعاون الممارسات المستدامة فحسب، بل يوفر أيضا فرصا للشركات والعاملين في العلوم والهندسة والأتمتة والمجالات الأخرى ذات الصلة للمشاركة في تقديم حلول نوعية للمحافظة على البيئة وتصفير النفايات.
وأخيراً، يمكن لدول الخليج العربي أن تستفيد من تركيز سنغافورة على بناء القدرة على الصمود في مختلف المجالات البيئية، وذلك من خلال السعي إلى فهم المناخ والموارد المتاحة والاقتصاد، حيث تضمن أن تكون مبادراتها البيئية شاملة وبعيدة المدى.
في الختام، تعد مشاركة أصحاب المصلحة أمراً بالغ الأهمية في مواجهة التحديات البيئية كما أظهر المخطط الرئيسي لسنغافورة لتصفير النفايات، حيث يوفر المخطط حلا شاملا وفعالا عندما اجتمعت الحكومة والقطاع الخاص والأكاديمي والبحثي ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد لتشكيل وتنفيذ السياسات البيئية. ويمكن لدول الخليج العربي استخلاص دروس قيمة من نهج سنغافورة، مما يجعل مشاركة أصحاب المصلحة حجر الزاوية في استراتيجياتهم البيئية الخاصة.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك