من أواخر ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: «..اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا..». (المائدة -3).
هذه الآية الجليلة، والبيان الرائع المعجز تقرر حقيقة لا تشوبها شائبة بأن الإسلام قد كمل، وأن النعمة قد تمت، وعلى المسلمين واجب الدعوة إلى هذا الدين العظيم بكماله في تشريعاته، وبتمام نعمه على العباد، والآيات التي تشير إلى الإسلام، هي آيات تؤكد أن الحديث عن الإسلام هو حديث ليس عن الشريعة التي اختص الله تعالى بها نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) بل عن القضية الكبرى، وهي قضية العقيدة الإلهية.
إذًا، فالحديث هنا عن الإسلام العقيدة، وليس الإسلام الشريعة التي يختلف حولها الأنبياء، فلكل رسول شريعة مختلفة عن شرائع الرسل الآخرين لكنهم يشتركون في عقيدة واحدة، هي عقيدة التوحيد التي يجتمع حولها جميع الأنبياء.
من هنا ندرك أن قول الحق سبحانه وتعالى: «إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران – 19). مقصود به عقيدة التوحيد، كما أن قول الحق سبحانه وتعالى: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يَصَّعَّدُ في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون» (الأنعام – 125).
المقصود بالإسلام هنا: هو العقيدة الخالصة التي هي مصدر الإيمان والاطمئنان.
أيضًا، فقول الحق سبحانه وتعالى: «ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران- 85).
الإشارة هنا واضحة بأن الإسلام المقصود هنا هو: إسلام العقيدة لا الشعائر، والذي هو عقيدة الرسل والأنبياء جميعًا، أما الشرائع فلكل رسول شريعة مأمور بإبلاغها إلى قومه، وسوف يُسأل يوم القيامة عن أداء هذه الأمانة.
ومن كرامة أمة الإسلام عند الله تعالى أن اختار الإسلام عنوانًا للرسالة التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى على رسوله وخاتم أنبيائه محمد(صلى الله عليه وسلم)، فجمع لهم إسلام العقيدة، وإسلام الشريعة، قال تعالى: «وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم من حرج ملة أبيكم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدًا عليكم وتكونوا شهداء على الناس..» (الحج – 78).
لقد انفردت الرسالة الإسلامية عن غيرها من الرسالات التي نزلت على الرسل السابقين كاليهودية، والنصرانية، وبقي الإسلام وصفًا للاسم الدال على رسالة التوحيد.
ويبقى الإسلام هو مصدر للإيمان والاطمئنان، فالمسلم إذا ذكر الله تعالى خاليًا فاضت عيناه من الدموع، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (الرعد - 28).
وذلك يعني أن ذكر الله تعالى يقتضي استحضار أسماء الله وصفاته حتى يوافق اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته ما يلائم حال الداعي فتتحقق الاستجابة، وتحصل البركة بذكر الأسماء والصفات، ويبقى لسان العبد رطبًا بذكر الله تعالى في كل وقت وأوان. ألم يقل الحق في الحديث القدسي: «إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده» صحيح مسلم.
إذًا، بالمعية الإلهية تتحقق للعبد حين يعود المسلم أخاه المريض، ويأنس بصحبة مولاه سبحانه وتعالى.
إذًا، فاحرص عزيزي المسلم على عيادة المرضى، والسؤال عن أحوالهم، وأنك إذا زرت أخاك في مرضه، أو هنأته في فرحه، أو واسيته في حزنه ومصابه فإنك بذلك تكون في صحبة مولاك سبحانك، فلا تفوت هذه الفرصة، واحرص عليها أشد الحرص كما تحرص على ما تحب وتهوى، وليكن شعارك الذي لا تنفك عنه ولا ينفك عنك: «عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به».
وليكن شعارك أيضًا قول الحق سبحانه: «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير» (البقرة - 110).
هذا هو الإسلام عقيدة.. هذا هو الإسلام شريعة.. هذا هو الإسلام أخلاقًا.. فمن أراد الإسلام عقيدة، فسيجده في قوله تعالى: «قل هو الله أحد(1) الله الصمد(2) لم يلد ولم يولد(3) ولَم يكن له كفوًا أحد(4)» الإخلاص.
ومن أراد الإسلام أخلاقًا، فسيجده في قوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم» (ن - 4).
وأما من أراد الإسلام عملًا صالحًا، فًسيجده في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون(2) كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون(3) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص(4)» (الصف).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك