بالرغم من أن روسيا الاتحادية في حالة حرب ضد 54 دولة من الناتو وحلفائه وبالرغم من صمود روسيا الكبير واللافت للنظر أمام هجمات حلف الناتو المستمرة بلا هوادة وبالرغم من التضحيات الجسيمة التي دفعتها روسيا في هذه الحرب للتخلص من النازيين الجدد وما زالت إلى اليوم تدفعها، فإن الخيانة التي ارتكبتها مجموعة فاغنر بقيادة المجرم بريغوجين شكلت طعنة خطيرة وغير مسبوقة في الخاصرة الروسية ومست هيبة روسيا وجيشها وقيادتها السياسية وهذا هو الحلم الذي كان يراود أعداء روسيا منذ زمن طويل.
وبالرغم من كل ذلك فإن القيادة الروسية ومن خلال الخطوات السريعة التي اتخذتها استطاعت إحباط هذه المؤامرة التي نفذتها مجموعة فاغنر وقائدها العسكري الذي غالبا ما يوصف بأنه صديق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مهدها.
يبدو أن لهذا التمرد خلفيات وأسباب فخلال الأشهر الماضية تكرر أكثر من مرة اتهام قائد مجموعة فاغنر لوزير الدفاع الروسي وقيادات وزارة الدفاع بأنها لم تكن تمده بالأسلحة والذخائر اللازمة في الوقت المناسب ما أدى إلى التأخر غير الطبيعي في تحرير مدينة أرتيومسك «باخموت» الصغيرة وتضمنت تصريحاته المتكررة في أكثر من مناسبة اتهامات واضحة وصريحة لوزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة الأركان الروسية بعدم الاستجابة لمتطلبات خوض المعركة في هذه الجبهة الخطيرة وقد تم تفسير ذلك في وقتها بأنها «مسرحية» لتبادل الأدوار والإلهاء الإعلامي لكن انفجار هذا التمرد الخطير في مدينة روستوف على القيادة الروسية أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا الخلاف حقيقي وجدي.
هذا التمرد الذي أعلنته روسيا الاتحادية رسميا وتحدث عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراحة في كلمة ألقاها بعد إعلان التمرد حيث وصف هذا التمرد المسلح بأنه خيانة وطعنة في الظهر وحاول في هذه الكلمة أن يجمع بين التحذير بالعقاب الشديد ودعوة المتمردين إلى التراجع عما أقدموا عليه.
كلمة الرئيس بوتين تضمنت محاور رئيسية مهمة تساعد على فهم ما حدث:
الأول: دعوة من وصفهم بالرفاق إلى نبذ كل الخلافات أثناء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والعمل على التغلب على جميع الخلافات لمواجهة الأعداء.
الثاني: التهديد باتخاذ كل الإجراءات وأشدها لإعادة الاستقرار إلى مدينة روستوف داعيا الأجهزة الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب إلى التصدي إلى هذا التمرد ووضع حد له إضافة إلى إصدار الأوامر إلى القوات المسلحة الروسية بالقضاء التام على قادة هذا التمرد المسلح غير المسبوق.
الثالث: التذكير بأن روسيا الاتحادية قد تعرضت عبر التاريخ إلى عديد من الخيانات التي انتهت بالفشل الذريع بعد أن ألحقت أفدح الأضرار بروسيا وشعبها.
الرابع: تأكيد وحدة الشعب الروسي وعدم قدرة أي تمرد أو خيانة على التأثير في مجريات العملية العسكرية في الأراضي الأوكرانية وقدرة المؤسسة العسكرية الروسية على الدفاع عن مصالح روسيا الاتحادية وأمنها واستقرارها.
ولا شك في أن تكون لهذا التمرد تداعيات كثيرة أمنية وعسكرية وسياسية واجتماعية خطيرة على الوضع الداخلي العام في روسيا وعلى العملية العسكرية نفسها لولا حكمة القيادة السياسية والعسكرية الروسية وثقة القيادات الروسية والمجتمع الروسي في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقدرته على التعامل مع هذا الحدث الجلل لتجاوز هذه الأزمة بلا خسائر أو إراقة دماء أو وقوع ضحايا وهذا ما حدث بالفعل حيث تم الاتفاق على عودة مقاتلي مجموعة فاغنر إلى ثكناتهم ومغادرة قائد المجموعة يفغيني بريغوجين إلى بيلاروسيا بناء على اقتراح الرئيس البيلوروسي الكسندر لوكاشنكو ووافق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد مجموعة فاغنر يفيغيني بريغوجين.
إن أعداء روسيا الاتحادية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو مجتمعة كانوا وما زالوا إلى اليوم يحاولون بشتى الطرق والوسائل التأثير في الداخل الروسي بالوسائل المخابراتية أو الإعلامية أو الإرهابية بعد أن فشلوا في المواجهة العسكرية ضد روسيا ولذلك كانوا يتمنون أن يستمر هذا التمرد حيث سخروا الآلة الإعلامية بكل أشكالها وأنواعها لدعم هذا التمرد إلا أن سرعة تعامل القيادة الروسية والإجراءات العاجلة التي تم اتخاذها كما أسلفنا وضعت حدا لهذا التمرد وبالتالي تم تجاوز هذه الأزمة وحماية روسيا ووحدتها الجغرافية وقوتها العسكرية والاقتصادية وهيبتها السياسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك