ها هي الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تعيد الكرة مرة أخرى، إذا إنها بصدد مناقشة خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية غير القانونية كجزء من مخطط توسعي استيطاني ضخم يعرف باسم E1.
على الرغم من أنه من المفترض أن البناء الإسرائيلي في منطقة القدس الشرقية قد توقف تحت طائلة الضغط الدولي، فقد وجدت الحكومة الإسرائيلية طرقًا للالتفاف على الضغوط الدولية وإبقاء الخطة على قيد الحياة، وقد فعلت ذلك من خلال التوسع المستمر في مختلف المستوطنات باسم «التوسع الطبيعي»، ومصادرة الأراضي الفلسطينية والهدم الغاشم والروتيني للمنازل الفلسطينية.
لكن لماذا تعارض سلطات واشنطن، التي تعتبر تقليديا المدافع الرئيسي والمتبرع الأول لإسرائيل، على الأقل شفهيا البناء في المنطقة E1، بينما تغض الطرف عن البناء غير القانوني في جميع أنحاء الضفة الغربية؟
تكمن الإجابة في حقيقة أن منطقة E1 ستزيد من توسيع حدود بلدية القدس، وتقليل أي وجود ديموغرافي فلسطيني في المدينة (من 42% حاليًا إلى حوالي 20%)، وتضر بأي حل سياسي يشمل القدس الشرقية في المستقبل.
القدس الشرقية مدينة فلسطينية احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة في يونيو 1967، وهي معترف بها من قبل منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي كجزء من الأرض الفلسطينية المحتلة. لا ينبغي أن يكون لإسرائيل حقوق قانونية ولا سلطة قضائية هناك.
إن سلطات واشنطن، التي نادرًا ما تهتم بحقوق الفلسطينيين أو تأبه بأوضاعهم الإنسانية، تشعر اليوم بالقلق من أنه من دون القدس الشرقية كجزء من المعادلة السياسية، فإن أي نقاش حول «حل الدولتين» سيصبح أمرا عفا عليه الزمن إلى الأبد.
وبعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أكثر قلقاً بشأن العواقب السياسية، وليس الإقليمية للقرار الإسرائيلي. في الواقع، يقع البرنامج السياسي الأمريكي بأكمله في فلسطين وإسرائيل ضمن نموذج حل الدولتين. ومن دونها، سيتوقف دور واشنطن عن خدمة أي غرض ويصبح بالتالي بلا فائدة تذكر. هذا هو بالضبط سبب انتقاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمستوطنات الإسرائيلية خلال خطابه أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) يوم 5 يونيو 2023.
على الرغم من أنه أكد الالتزام الأمريكي المعتاد والمألوف بأمن إسرائيل، واصفا إياه بأنه «غير قابل للتفاوض» و«ثابت»، إلا أنه حذر أيضًا من «أي تحرك نحو ضم الضفة الغربية... تعطيل الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة (و) استمرار هدم المنازل».
هذه الخطوات، وأكثر من ذلك، سوف «تضر بآفاق الدولتين»، وهي حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، فإن إسرائيل ليست مهتمة بدولتين أو دولة واحدة أو أي «حل» لاحتلالها العسكري وفصلها العنصري في فلسطين. بدلاً من ذلك، تعمل تل أبيب من أجل غاية محددة، وهي معادلة للسيطرة الدائمة، واحدة من شأنها أن ترضي سعيها نحو «الأمن» والتفوق الديموغرافي والحدود «القابلة للدفاع عنها».
لا يهم كثيرًا أن رؤية إسرائيل لخطوطها الحدودية تتعارض إلى حد كبير مع القانون الدولي. كل ما يهم الحكومة الإسرائيلية الحالية، في الواقع، هو «المصالح الوطنية» للسكان اليهود في البلاد، الذين ارتبط مستقبلهم بسحق التطلعات السياسية والحقوق المدنية للسكان الفلسطينيين العرب الأصليين في البلاد.
تنبع الأهمية الخاصة للقدس من عاملين: الأول، مركزيتها التاريخية والروحية والاقتصادية والإدارية لجميع الفلسطينيين، وثانيًا، حقيقة أنها كانت بمثابة «الكأس المقدسة» للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين على مدار 75 عامًا الماضية.
يكفي إلقاء نظرة سريعة على خريطة القدس الشرقية المحتلة لشرح الدافع النهائي لإسرائيل في المدينة الفلسطينية: أي تحقيق الحد الأقصى من الأراضي بأغلبية يهودية مطلقة والحد الأدنى من السكان الفلسطينيين.
ولكي يتم ذلك، يجب القيام بالكثير من العمل، وبالتحديد ضمان الاستمرارية الإقليمية بين مستوطنة معاليه أدوميم اليهودية غير الشرعية والقدس.
إن دوافع اسرائيل ليست سرا. فقد صدر تقرير طويل في الغرض عن مركز القدس الصهيوني للشؤون العامة ويوضح أهداف تل أبيب بالتفصيل.
ويحذر التقرير من السماح بـ«الانقطاع الأمني والحضري بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، أو عودة القدس إلى وضع بلدة حدودية... ما يحول دون تطور المدينة باتجاه الشرق».
تعد الإشارة إلى «التنمية باتجاه الشرق» خطيرة بشكل خاص، حيث تم زرع عديد من المستوطنات اليهودية غير القانونية عن قصد في أجزاء مختلفة من الضفة الغربية، وصولاً إلى وادي الأردن لغرض وحيد هو ربطهم جميعًا، وبالتالي تقسيم الضفة الغربية إلى منطقتين رئيسيتين- الجنوب والشمال.
بالنظر إلى الإدارة الحالية والانقسامات «الأمنية» للضفة الغربية المحتلة، فإن التقسيم الإقليمي الرئيسي سوف يحرم الفلسطينيين من أي شعور بالاستمرارية المادية، ناهيك عن الدولة. بعبارة أخرى، سيصبح الفصل العنصري دائمًا، ومن وجهة نظر إسرائيل، أيضًا مستدامًا.
أما بالنسبة إلى التوسع الغربي، فإن ربط معاليه أدوميم بما يسمى «مدينة القدس الكبرى» من خلال البناء في منطقة E1 سيساعد إسرائيل على حل مكون أساسي من استراتيجيتها التوسعية. ووفقًا لمركز القدس الصهيوني، فإن هذا الاندماج «سيشمل كلاً من الاستيطان والأمن كمكوِّنين حيويين ومكملين لمصالح إسرائيل الوطنية».
وحيثما كان هناك بناء إسرائيلي في فلسطين المحتلة، هناك دائمًا تدمير للممتلكات الفلسطينية ومصادرة الأراضي وهدم للبيوت.
وفقًا لمكتب الاتحاد الأوروبي في فلسطين، في عام 2022، تم «تطوير» 28208 وحدة استيطانية غير قانونية في القدس الشرقية والضفة الغربية، مقارنة بـ 22030 وحدة في عام 2021. ومن المتوقع أن يرتفع العدد في عام 2023.
إما بالنسبة إلى هدم منازل الفلسطينيين، فإن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية صورة قاتمة. ففي الربع الأول من عام 2023 وحده، تم هدم أو الاستيلاء على 290 مبنى فلسطينيًا في القدس الشرقية والضفة الغربية. ويمثل هذا زيادة بنسبة 46 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
كان للقدس الشرقية نصيب كبير من هذا الدمار، وتحديداً 95 منزلاً ومبان أخرى بين 1 يناير و28 مارس 2023، وفقاً لمجلس الكنائس العالمي. وكانت النتيجة تهجير 149 فلسطينيا ومن بينهم، أصبح 88 طفلا بلا مأوى.
إن ثمن الخطط الإسرائيلية الكبرى في القدس الشرقية وبقية الضفة الغربية ليس إنسانيًا فقط. إنه سياسي في الأساس، ويهدف إلى فصل المجتمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، وعزل القدس تمامًا، وضمان أغلبية ديمغرافية يهودية لأجيال قادمة.
على الرغم من أن الوزير الأمريكي بلينكن يحاول تأكيد خطورة مثل هذه الأعمال على حل الدولتين، فإن الخطر الحقيقي يكمن في حقيقة أن مثل هذه الإجراءات تهدد نسيج المجتمع الفلسطيني والمستقبل السياسي للشعب الفلسطيني.
إن سعي إسرائيل إلى إعادة تفعيل خطتها E1 لا يتطلب مجرد إدانة، ولكن عملًا ملموسًا وحاسمًا، خاصة وأن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة أصبحت أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى.
{ أكاديمي وكاتب وصحفي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك