تتسم منطقة الخليج كما هو معلوم بوقوعها في الحزام الصحراوي، مع قلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم وجود أي أنهار عذبة بها. ولثرائها النفطي، شهدت زيادة كبيرة في أعداد السكان والتي أصبحت تقارب 60 مليون نسمة؛ نتيجة تتابع موجات الوافدين للعمل فيها، ما زاد من الضغط على مواردها المائية المحدودة. فيما أدى السحب الكبير من المياه الجوفية إلى تلوثها وارتفاع نسبة الملوحة فيها، أضف إلى ذلك أنماط الاستهلاك التي تتسم بالإسراف وارتفاع نسبة الهدر.
وفي عام 2004، كان وزير الكهرباء والماء الإماراتي –حينئذ- «حميد بن ناصر العويس»، قد أطلق تحذيرًا، أن المنطقة ستواجه خلال الـ 25 عاما المقبلة، أزمة مائية، إذا لم تعمل على تفادي إشكالية شح المياه، وأن العجز المائي سيصل في عام 2025، إلى 31 مليار متر مكعب سنويًا، بينما كان في مستهل الألفية 15 مليار متر مكعب، وطالب بصياغة استراتيجية خليجية متكاملة للتصدي لهذه الأزمة، أهم عناصرها التوعية بضرورة وقف الهدر.
نفس هذا التحذير أطلقته دراسة للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية عام 2015، بعنوان «المياه والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي»، بالإضافة إلى دراسة أخرى سابقة بعنوان «اتجاهات الموارد المائية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2050»، حيث أشارتا إلى أن دول الخليج لن يصبح في مقدورها سوى إشباع 23% من إجمالي الطلب على المياه في حالة ثبات مواردها المائية الحالية. ومع سعي دول المجلس إلى استراتيجية متكاملة للأمن الغذائي، فإن قطاع الزراعة يستهلك نحو 70% من إجمالي استهلاك المياه فيها.
وفي عام 2010، كان إجمالي نقص المياه قد بلغ 12781 مليون متر مكعب سنويًّا. ومع استمرار الاستهلاك على ما هو عليه يرتفع هذا النقص إلى 25855 مليون متر مكعب سنويًا، فيما اعتمدت دول الخليج لمواجهة العجز المائي عدة وسائل شملت: (معالجة مياه الصرف الصحي، تحلية مياه البحر، قوانين تنظيمية، تقليص دعم المياه، وتعاون خليجي مشترك). وقد مثلت مبادرة إقامة خط مياه مشترك يبدأ من سلطنة عُمان، مرورًا بالإمارات، وصولاً إلى باقي دول الخليج، ومشروع بنك المياه أو أسواق المياه الذي تم تطبيقه في عدد من الدول الغربية على رأسها «الولايات المتحدة»، اتجاهات للتعاون في هذا الصدد.
واستفادةً من تجربة «الربط الكهربائي»؛ بدأت دول الخليج في اتخاذ خطوات فعلية نحو دراسة الجوانب القانونية والتنظيمية لمشروع الربط المائي بين دول الخليج، وحينها كان هناك توقع بأن يكون «بحر العرب» و«خليج عُمان» -اعتبارا من 2020- من أهم الروافد المائية لدول «مجلس التعاون» في حالة نقص إمدادات مياه الخليج، وحينها ذُكر أيضًا أن مشروع الربط المائي سيتم طرحه من خلال مناقصة عامة أمام تحالفات من شركات محلية وعالمية. وكان التحول إلى بحر العرب وخليج عُمان؛ سببه أن عملية التحلية -اعتمادًا على السحب من الخليج العربي- ستصبح غاية في الصعوبة بعد 25 عاما، نتيجة الأملاح التي يعاد إلقاؤها في الخليج، وأنها قد تتوقف تمامًا عند بلوغها 85 ألف جزء بالمليون.
وتنفيذًا لتوجهات قادة دول مجلس التعاون الخليجي في اللقاء التشاوري الرابع عشر في «الرياض» مايو 2012؛ لدراسة الربط المائي بين دول المجلس. وفي ضوء قرارات «المجلس الأعلى» في هذا الشأن في قمتهم الـ34 بالكويت، والدراسات السابقة التي أدت لأن يكون مصدر المياه من بحر العرب أو خليج عُمان؛ تم تكليف شركة استشارية متخصصة لإعداد دراسة لهذا الربط، بناءً على شروط مرجعية، وقد تم بالفعل الانتهاء من هذه الدراسة، إلا أن المشاورات مازالت قائمة للتوصل إلى أفضل الطرق للتنفيذ مع مراعاة متطلبات البيئة، فالمشروع حيوي، ويضمن توافر المياه لدول المجلس على المدى الطويل.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، أقر وزراء الكهرباء والماء لدول المجلس في فبراير 2014، «مشروع الربط المائي»، بين هذه الدول، كاستراتيجية تدعم التكامل بينها في ضوء قرار قادة المجلس بإعداد استراتيجية خليجية شاملة بعيدة المدى؛ لضمان تحقيق الأمن المائي. وفي هذا الاجتماع كان التوجه أن يبدأ الربط ثنائيًا، على أن يتم متابعته تحت مظلة الأمانة العامة للمجلس، وتحدد 2018 موعدًا أوليًا لبدء المشروع.
وكان «المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي»، قد أقر في دورته «37» في ديسمبر 2016 بالبحرين، «استراتيجية المياه الخليجية 2035»، والتي قامت الأمانة العامة للمجلس بإعدادها، وتؤسس لنظام مستدام وفعال وعادل وآمن للمياه، وارتكزت على خمسة مجالات أساسية هي: (تنمية واستدامة موارد الماء، استخدام موارد الماء بكفاءة وعدالة، تعزيز أمن إمدادات الماء البلدية، الحوكمة الفاعلة والتوعية، الكفاءة الاقتصادية والاستدامة المالية).
وفي الاجتماع الثلاثين للجنة التعاون الكهربائي والمائي في يونيو 2021، التي ناقشت مستجدات تنفيذ الاستراتيجية الموحدة للمياه؛ تم طرح فكرة إنشاء هيئة للربط المائي على غرار هيئة الربط الكهربائي تضطلع بمسؤوليات توطين صناعة التحلية، والربط المائي الخليجي الثنائي، فيما أعلنت «قطر» دعمها لمشروع الربط الخليجي الثنائي كخطوة رئيسية نحو مشروع الربط المائي الخليجي الشامل. واستمرارا، أعلنت «الأمانة العامة»، للمجلس -في نفس الشهر- أنها تعمل على متابعة بنود تطبيق الاستراتيجية الخليجية الموحدة للمياه. وفي سبتمبر من نفس العام، ترأس «إبراهيم الكعبي»، نائب الرئيس التنفيذي للتخطيط والمشاريع بمملكة البحرين اجتماع فريق عمل الأمانة العامة للمجلس؛ لمناقشة مقترح إنشاء هيئة الربط المائي الخليجي. وفي ديسمبر 2022، كان الاجتماع التاسع والثلاثون للجنة الموارد المائية الخليجية، التي تطرق إلى استراتيجية وخطط دول المجلس في مجال المياه، وأنشطتها في تبادل الخبرات واستدامة الموارد الجوفية.
وفي واقع الأمر، لم تُختصر اتجاهات التعاون الخليجي في مواجهة الشح المائي على (اللجان المشتركة، ومشروع هيئة الربط المائي، ومشروع الربط المائي)؛ لكنها امتدت إلى دراسات قامت بها الأمانة العامة للمجلس، بشأن الخطوط الرئيسية لإعداد سياسة مائية مشتركة، وبرنامج عمل للإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة للمياه، يشمل عددا من المشاريع والأنشطة المشتركة، مثل (إعداد التشريعات والقوانين المائية المشتركة، وتوطين صناعة التحلية، وإدارة مكامن المياه الجوفية المشتركة، وإعداد خطة خليجية لطوارئ المياه، ومراقبة جودة مياه الشرب، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وتنفيذ هذه المشروعات وفقًا لخطة عمل وبرنامج زمني محدد).
وبالفعل، اعتمد «المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي»، قوانين أنظمة المحافظة على مصادر المياه السطحية والجوفية، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وصناعة التحلية، كما تم اعتماد الشروط المرجعية لدراسة تصنيع قطع الغيار المستخدمة في محطات التحلية في دول المجلس، واستكمال الشروط المرجعية لإعداد دراسة شاملة عن الطبقات المائية المشتركة في دول المجلس، وسبل المحافظة عليها وحمايتها من الاستنزاف والتلوث، وإيجاد آلية مشتركة لإدارتها، وإعداد خطة استرشادية مشتركة لمواجهة الحالات الطارئة في المياه، مثل الكوارث البيئية أو الطبيعية أو الناتجة عن عمليات تخزينية أو غيرها.
علاوة على ذلك، تقوم «الأمانة العامة»، بإعداد دراسة للتعرف على نوعية وطبيعة الملوثات في مياه الخليج العربي، وإيجاد أفضل الحلول لمكافحة هذه الملوثات، وتقليل تأثيرها على مياه الشرب، كما يجري النظر في الطريقة المثلى للتعامل مع إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في مناح عديدة، وتحديد الضوابط والمعايير لهذا الاستخدام، وتقوم بالتنسيق مع الجهات المعنية بالزراعة والبيئة، في إطار الأمن المائي والغذائي، للارتباط الوثيق بينهما، والتأثيرات المتبادلة مع البيئة.
وفضلاً عن العمل الخليجي المشترك في مواجهة شح المياه؛ هناك التعاون الثنائي بين دول المجلس. وفي يناير 2017، وقعت «شركة الكهرباء والماء القطرية»، و«مصدر الإماراتية»، اتفاقية تعاون مشترك في مجال تحلية المياه. ويأتي التعاون في هذا المجال على رأس التعاون المائي الخليجي؛ لأن دول المجلس تعتمد على نحو 52% مياه محلاه في استهلاكها المائي. وترتفع هذه النسبة في «قطر»، إلى 84%، فيما تبلغ في «الإمارات» نحو70%، وأدناها في «السعودية»، و«سلطنة عُمان»، 40%.
وعلى هامش «مؤتمر القمة العالمية للمياه»، الذي استضافته «أبوظبي»، في يناير 2018، وقعت «المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة السعودية»، و«شركة أبوظبي للطاقة»، و«جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا»، مذكرة تفاهم ثلاثية؛ لدعم التعاون وتعزيز العمل المشترك، فيما تعد «السعودية»، و«الإمارات»، أكبر منتجين للمياه المحلاه عالميا.
واستمرارا لهذه الجهود، وقع «معهد الكويت للأبحاث العلمية»، و«المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة السعودية» في سبتمبر 2022، «مذكرة تفاهم»، في مجال تحلية المياه على هامش أعمال المؤتمر الدولي لمستقبل صناعة التحلية. وفي نفس الشهر، وقعت «الإمارات»، و«سلطنة عُمان»، 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم للتعاون المشترك، كان التعاون في مجال الماء إحداها. فيما وقعت «السعودية»، و«سلطنة عُمان»، في فبراير 2023، «مذكرة تفاهم»، في مجال الأمن الغذائي والمائي، ما يعزز التعاون بينهما في مجالات الأنظمة المتكاملة للمياه، والآليات المرتبطة بها من تشريعات وإطار مؤسسي وتشغيل، ومبادرات ومشروعات في المجالات ذات الصلة بالأمن الغذائي والمائي، وتطوير تقنيات الري المرشدة للمياه وتطبيقاتها.
على العموم، مع أن دول الخليج في مشروع الربط المائي -الذي لم يجد طريقه للتنفيذ إلى الآن- وفي مشروعات التحلية؛ كانت تتعامل مع قضية الشح المائي في جانب العرض لهذا المورد الحيوي بالغ الأهمية؛ إلا أن احتفالية العالم باليوم العالمي للمياه هذا العام (22 مارس 2023)، كانت تركز على جانب الطلب، والذي يعد على درجة عالية من الأهمية في التعامل مع إشكالية شح المياه في منطقة الخليج، وإلى هذا كانت احتفالية «جامعة الخليج العربي»، حيث جرت مناقشة أهم التحديات المائية التي تواجه دول المجلس، وأساليب التحول من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، والكفاءة لتحقيق الاستدامة المائية، ودور المشاركة المجتمعية في المساهمة في ذلك.
ولعل هذا التحول يفسر أن زيادة رسوم استهلاك الكهرباء والماء في دول الخليج، لم تكن بغرض تخفيض النفقات العامة، وموازنة الميزانية العامة، بقدر ما هي متوجهة إلى ترشيد استخدام هذه الموارد والحد من الهدر فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك