بعد مرور عامين ونصف العام على توليه منصبه، تعهد الرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، باستعادة «خطة العمل الشاملة المشتركة»، المعروفة بـ«الاتفاق النووي الإيراني» لعام 2015، وسط مواجهته سلسلة من العوائق والاعتراضات. وعلى الرغم من عودة الموقعين على الصفقة الأصلية إلى طاولة المفاوضات في «فيينا»، عدة أشهر، إلا أن هذه الجهود تعثرت بسبب الضمانات ذات الصلة، التي كانت «الولايات المتحدة»، و«إيران»، مستعدتين وقادرتين على تقديمها للآخر.
وبالإضافة إلى فكرة سعي «واشنطن»، إلى استعادة اتفاق دبلوماسي مع حكومة معادية في الشرق الأوسط، الأمر الذي أحدث معارضة داخلية كبيرة؛ فإن الوسائل التي حاولت «إدارة بايدن»، بواسطتها إغراء «طهران»، للعودة إلى المباحثات طالتها انتقادات شديدة، ووصفها «ريان كوستيلو»، من «المجلس القومي الإيراني الأمريكي»، بأنها «فشل كامل». فيما أشارت «سوزان مالوني»، في مجلة «فورين أفيرز»، إلى أن «واشنطن»، لم تكن بعد «قد أعادت التفكير بجدية في سياساتها تجاه إيران»، حيث تعمقت في القضية «وسط غموض متعمد»، بشكل لا يمكن أن «يحول دون وقوع الكارثة».
وبعد فترة من التقاعس الدبلوماسي والقلق المتزايد في الغرب، بشأن تسارع البرنامج النووي الإيراني، يبدو أن مرحلة جديدة من الحوار قد بدأت. وأوضح «مايكل كرولي»، و«فرناز فاسيحي»، و«رونان برجمان»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه بدلاً من العودة الكاملة لإيران إلى شروط اتفاقية عام 2015، تسعى «إدارة بايدن»، الآن إلى «اتفاق غير رسمي» معها؛ لتجنب مزيد من التصعيد، وللقيام بذلك، كان كبار المسؤولين الأمريكيين «يتفاوضون بهدوء» مع نظرائهم الإيرانيين.
وفي هذا الصدد، أشار الباحثون إلى كيف بدأت الحملة الأمريكية الجديدة «للتواصل الدبلوماسي» مع «طهران» في نهاية عام 2022، حيث التقى «روبرت مالي»، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران بالسفير الإيراني لدى الأمم المتحدة. وتواصلت الاتصالات في مايو 2023 عندما التقى «بريت ماكغورك»، منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بوفد من إيران في سلطنة عُمان. وتأكيدًا لأهمية الاجتماعات الأخيرة، وصفها «باراك رافيد»، من موقع «أكسيوس»، بأنها تعد «محادثات التقارب» الأولى بين الأمريكيين والإيرانيين منذ عدة أشهر، ما يشير إلى أنها يمكن أن تكون بمثابة قناة مهمة لمزيد من المشاركة.
ومع توضيح صحيفة «نيويورك تايمز»، كيف أن الدبلوماسيين الأمريكيين يدعون إلى «اتفاق غير رسمي وغير مكتوب»، يشبه «وقف إطلاق نار سياسي»، حيث توافق «إيران»، على «عدم تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز مستوى إنتاجها الحالي البالغ 60%»، وكذلك «إيقاف الهجمات التي تستهدف الأمريكيين في سوريا والعراق»، والتعاون بشكل كامل مع المفتشين النوويين الدوليين، و«الامتناع عن بيع الصواريخ الباليستية لروسيا»، التي تم استخدامها خلال الحرب الأوكرانية؛ فقد رأى «هنري روم»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن «إدارة بايدن»، بذلك تجاوزت أهدافها السابقة المتمثلة في استعادة الصفقة، أو إنشاء إطار إقليمي أوسع لنهج «الخطة ج»، الذي يعطي الأولوية لمحاولة «تقييد إيران والحد من أسوأ النتائج» للتصعيد النووي في الشرق الأوسط.
وفي السياق ذاته، أشارت شبكة «سي إن إن»، إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين، «يحاولون أيضًا تأمين إطلاق سراح العديد من الأمريكيين الذين تم احتجازهم في إيران»، وهي مسألة ذات «أولوية قصوى»، لإدارة بايدن. ومع ذلك، رأى «دان لوس»، و«أبيجيل ويليامز»، من شبكة «إن بي سي نيوز»، أن الرئيس الأمريكي قد يواجه «ضغوطًا سياسية»، بشأن ما إذا كان يمكن تقديم تخفيف للعقوبات، مقابل تأمين إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في الخارج كرهائن فعليا.
ويعكس هذا التحول في نهج «البيت الأبيض»، بعيدًا عن الإصرار على استعادة الاتفاق النووي لعام 2015؛ توصيات العديد من المحللين الغربيين التي خرجت منذ انهيار المحادثات الرسمية في خريف عام 2022. وفي فبراير 2023، أوضحت «مالوني» أن «واشنطن»، بحاجة إلى «الاعتراف بأن الاتفاق القديم لا يمكن استعادته»، وشددت على تحويل الجهود نحو صياغة «استراتيجية جديدة تعالج مجمل التحدي الإيراني». وبالمثل، أشار «مارك دوبويتز»، و«أوردي كيتري»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إلى نجاح إيران في تحقيق طموحاتها النووية طويلة الأمد، بموجب صفقة مُستعادة، وهو ما يُوجب على بايدن، «التخلي صراحةً عن هدف العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة».
ووفقا لعديد من المحللين، فإن تسريع البرنامج النووي الإيراني خلال هذه الفترة؛ كان بمثابة حافز آخر لفهم سبب عودة «إدارة بايدن»، إلى العمل الدبلوماسي. وبالفعل، اكتشف مفتشو «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، آثارًا لليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء 84%، أي أقل من 90% المطلوبة واللازمة لصنع أسلحة. وفي شهادته أمام الكونجرس الأمريكي في مارس 2023، صرح «مارك ميلي»، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أن بمقدور طهران أن «تنتج ما يكفي من المواد الإنشطارية لصنع سلاح نووي في حوالي 10-15 يومًا»، وأن الأمر «سيستغرق عدة أشهر فقط لإنتاج سلاح نووي فعلي».
وهناك عامل آخر مهم، يجعل إمكانية التوصل إلى اتفاق «غير رسمي»، بين «الولايات المتحدة»، و«إيران»، «أمرًا ممكنًا»، وهو الاتجاه العام الحالي المتمثل في خفض التصعيد، والمشاركة الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال الأشهر العديدة الماضية.
ومع استعادة «طهران»، لعلاقاتها الدبلوماسية مع «السعودية» في اتفاق مارس 2023، بواسطة الصين؛ فإن «آرون ميلر»، و«ستيفن سيمون»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، قد أشارا إلى أن مثل هذا الانخفاض في كم التوترات الأمنية الإقليمية، «يعطي إيران حافزًا لتجنب دفع برنامجها النووي إلى نقطة قد تؤدي إلى هجوم إسرائيلي أو أمريكي مضاد لا يستهان به». وتأكيدا لهذا التحليل، أكد «علي فائز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، «ديناميكية وأهمية خفض وتيرة التصعيد؛ مؤكدا أن المحادثات الأخيرة بين «الولايات المتحدة»، و«إيران»، «لا تهدف إلى التوصل إلى اتفاق غير مسبوق»، بل التركيز على وضع «قيد على أي نشاط يتجاوز بشكل أساسي الخط الأحمر المتفق عليه، أو يضع أيًا من الطرفين -الإيراني والأمريكي- في وضع يمكنهما من الانتقام من بعضهما بطريقة تزعزع استقرار الوضع الراهن».
وفي دليل إضافي على كيفية تحرك كلا الجانبين نحو وقف التصعيد، أشارت «جينيفر هانسلر»، و«ناتاشا بيرتراند»، و«أليكس ماركوارت»، و«كايلي أتوود» من شبكة «سي إن إن»، إلى موافقة الإدارة الأمريكية على تحويل 2.7 مليار دولار من الديون العراقية إلى البنوك الإيرانية، بشرط عدم استخدام «طهران»، لهذه الأموال إلا لأسباب إنسانية، واصفين ذلك الأمر، بأنه «إجراء لبناء الثقة» بين «واشنطن»، و«طهران».
وعلى الجانب الآخر، من المُلاحظ أيضًا كيف خففت إيران من حدة لهجتها مؤخرًا في خطابات حول التعاون مع الغرب، وتدابير الرقابة النووية الدولية. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «آية الله علي خامنئي»، تحدث عن أنه قد يتجه نحو «المصادقة على اتفاق مع الغرب، إذا بقيت البنية التحتية النووية الإيرانية سليمة دون أية مساس بها»، بالإضافة إلى قبول بلاده المحافظة على الأقل على بعض التعاون مع المفتشين النوويين الدوليين».
ومع ذلك، فإن الفتور الواضح للعلاقات بين «واشنطن»، و«طهران»، فترة طويلة، لا ينبغي أن يُستبعد معه وجود صعوبات تقنية عديدة أمام الوصول حتى إلى اتفاق غير رسمي لاحتواء طموحات إيران النووية. وأشارت «هانسلر»، و«بيرتراند»، و«ماركوارت»، و«أتوود»، إلى أن «مخاطر جسيمة تحيط بكل من «إدارة بايدن محليًا، وكذلك بمستقبل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاسيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ما يعني أنها ستواجه زيادة «تدقيق وانتقاد من جانب المشرعين»، إزاء تلك القضايا الجوهرية، وكذلك من حلفاء واشنطن في المنطقة.
ومع ذلك، من الممكن أن تتجاوز الصفقة غير الرسمية بين «الولايات المتحدة»، و«إيران»، العقبة الملحوظة المتمثلة في اشتراط دعم وموافقة «الكونجرس الأمريكي». وعلى الرغم من ذلك، أشار «كرولي»، و«فاسيحي»، و«برجمان»، إلى أن الاختلاف بين الترتيبات غير الرسمية الراهنة الرامية إلى العودة الكاملة الرسمية إلى «الاتفاق النووي»، يمكن أن يكون لها بعض «دلالات»، حيث أكد «دينيس روس»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن مثل هذه الإجراءات ستقلل من «فعالية» الردع العسكري الغربي، ضد طهران بسبب أفعالها المعادية، كما أنها ستوفر وقتًا لها لحماية برنامجها النووي من أية عقوبات.
كما يجب أيضًا طرح أسئلة حول مدى التزام «إيران»، بالمفاوضات والمحادثات لتهدئة التوترات الإقليمية، وحل المسألة النووية. ومع سفر المسؤولين الإيرانيين -المذكورين أعلاه- للقاء نظرائهم الأمريكيين لإجراء محادثات، أثار «خامنئي»، خطابًا متغيرًا بشأن الإشراف الدولي على المنشآت النووية الإيرانية. وفي هذا الصدد، أشار «أليستير بنكال»، من شبكة «سكاي نيوز»، إلى أن طهران «تقترب بشكل خطير من نقطة لا عودة»، بشأن حيازة الأسلحة النووية، خاصة مع إعلانها عن «صاروخ جديد»، تفوق سرعته سرعة الصوت ويصل مداه إلى 870 ميلًا، وهو ما يثبت أن تركيزها على تطوير قدراتها الهجومية، «لم يتضاءل».
وتماشيًا مع هذا التطور، يجب أيضًا الوضع في الاعتبار الضغوط الإسرائيلية على «إدارة بايدن». ولاحظ «كرولي»، و«فاسيحي»، و«برجمان»، أن المساعي الدبلوماسية المتجددة بين «واشنطن»، و«طهران»، قد «أزعجت الحكومة الإسرائيلية، التي أعربت بالفعل عن قلقها من أن تخفيف العقوبات يمكن أن «يلقي بشريان حياة لاقتصاد طهران دون عرقلة أنشطتها النووية بشكل كافٍ. من جانبه، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، أن بلاده «لن تلتزم بأي صفقة مع إيران»، كما هدد وزير الدفاع «يوآف غالانت»، بأن الثمن الذي قد تتكبده «طهران»، من إنتاج اليورانيوم المخصب إلى 90%، سيكون «باهظًا». وعليه، سلط «بنكال»، الضوء على «الأوقات الخطرة» المقبلة إذا قامت إسرائيل بشن غارات على المنشآت النووية الإيرانية، موضحا أن هناك قوات إسرائيلية «تتدرب على ذلك بشكل متزايد».
على العموم، في حين أظهرت «الولايات المتحدة»، التزامًا متجددًا بالمساعي الدبلوماسية نحو حل القضية النووية الإيرانية، بما يتناسب مع الحديث الأوسع عن ضرورة خفض التصعيد في الشرق الأوسط؛ فمن الواضح أن عددًا من العقبات السياسية والفنية والعملية، لا تزال قائمة أمام التوصل إلى اتفاق غير رسمي لتقليل التوترات، ومنع طهران من إنتاج سلاح نووي. وبينما أصر «فائز»، على أن الهدف من التواصل الدبلوماسي الأمريكي الأخير هو «تهدئة التوترات»، و«خلق الوقت والفرصة لمناقشة المساعي الدبلوماسية المستقبلية والاتفاق النووي»؛ فإن «هانسلر»، و«بيرتراند»، و«ماركوارت»، و«أتوود»، أوضحوا أن مثل هذا الاتفاق سيكون أشبه بوضع «بعض القيود على برنامجها النووي المتنامي»، وبالتالي ترك الكثير من القضايا الأمنية طويلة الأمد دون معالجة.
ومع ذلك، أشار «روس»، إلى أن الاهتمام المستمر الذي ستتحمله «إدارة بايدن»، لحل هذه القضية طويلة الأمد «غير واضح، ومتذبذب» أيضًا، في ضوء أن «أولوية وتركيز» السياسة الخارجية الأمريكية، منصب على الحرب الأوكرانية، وعليه، فإنها «ليس لديها رغبة لإثارة أزمة جديدة» في المنطقة. وعلى هذا النحو، يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم التوصل إلى أي استنتاج ذي مغزى من النهج الدبلوماسي الأمريكي الجديد، أو ما إذا كانت نفس العوامل التي أعاقت الجهود الدبلوماسية السابقة، ستؤدي مرة أخرى إلى إحباط الجهود الدولية لمنع إيران المسلحة نوويا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك