إن تطوير الاستراتيجيات الفعالة يمكن أن يسهم في خلق الظروف المهيئة للنمو والاستدامة والازدهار، وإن مبدأ الحوكمة في إشراك أصحاب المصلحة يكاد أن يكون جزءا لا يتجزأ من تطوير الاستراتيجيات الوطنية الناجحة التي تصب في مصلحة الوطن والشعب والاقتصاد المحلي. ومن هنا، أدرك صناع القرار في عديد من الدول، منها الإمارات العربية المتحدة، أن الأجهزة الحكومية لا يمكن أن تصنع القرار وحدها في تطوير السياسات والاستراتيجيات وخصوصاً في خلق فرص التغيير، ولكن إشراك مؤسسات الفكر والأكاديميين، وجمعيات المجتمع المدني، القطاع الخاص، والقطاع العام مهم في طرح ما يمكن أن يتمثل من عقبات أمام نجاح الاستراتيجيات الوطنية.
يمكن القول إن أحد أسرار نجاح دولة الإمارات في تطوير الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية هو إشراك أصحاب المصلحة في تنفيذها. وتعمل حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إشراك أصحاب المصلحة من خلال آليات مختلفة لتطوير سياسات واستراتيجيات وطنية شاملة ومستجيبة ومتوافقة مع احتياجات الدولة. تتمثل إحدى هذه الآليات في إنشاء لجان ومجالس تضم أعضاء من المنظمات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمنظمات الدولية، الذين يعملون معا لتنسيق السياسات وتنفيذها. هذه المجالس واللجان، مثل لجنة الاستدامة، والهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ الصحية والأزمات، والهيئات الوطنية الأخرى، تكون مسؤولة عن تنفيذ السياسات واللوائح والمبادرات المختلفة.
وهناك آلية أخرى تتمثل في توفير منابر تشجع التعاون والحوار بين أصحاب المصلحة سواء في القطاع العام أو الخاص. ومن هذه المنصات مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، الذي تأسس عام 2015 لتعزيز المساواة بين الجنسين ويمثل مصالح المرأة على مستوى السياسات. يجمع المجلس أصحاب المصلحة من مختلف القطاعات، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتطوير السياسات والاستراتيجيات التي تعزز التوازن بين الجنسين في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتهدف الحكومة، من خلال المجلس، إلى خلق فرص للمرأة للمشاركة بنشاط والمساهمة في تنمية البلد.
كما استخدمت دولة الإمارات العربية المتحدة المنتديات والفعاليات لإشراك أصحاب المصلحة والتماس ملاحظاتهم في عمليات تطوير السياسات. على سبيل المثال، جمع منتدى استشراف المستقبل، الذي عقد عام 2019، مسؤولين حكوميين وقادة أعمال وخبراء من مختلف المجالات لمناقشة مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة ووضع استراتيجيات تتماشى مع الأجندة الوطنية للحكومة لعام 2021 ورؤية 2071. وقد أتاح المنتدى للمشاركين فرصة لمناقشة التحديات والفرص في مختلف القطاعات والتعبير عن رؤاهم لمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة.
من الأمثلة الحديثة التي تسلط الضوء على مشاركة أصحاب المصلحة في تطوير السياسات والاستراتيجيات الوطنية استراتيجية الطاقة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة 2050. وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز أمن الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة. وقد تم تطوير الاستراتيجية من خلال عملية تشاور شاملة شملت مختلف الجهات الحكومية وأصحاب المصلحة والخبراء الدوليين والأكاديميين ورجال أعمال في القطاع الخاص في مجال الطاقة. وطلبت الحكومة الحصول على تعليقات بشأن مختلف جوانب الاستراتيجية قبل إطلاقها، بما في ذلك الأهداف المقترحة والجداول الزمنية وآليات التنفيذ. وكفلت عملية التشاور مواءمة الاستراتيجية مع أهداف وتطلعات جميع أصحاب المصلحة.
بالإضافة إلى ذلك، تأخذ حكومة الإمارات العربية المتحدة المشورة السياسية من مراكز الفكر والبحث من خلال قنوات وآليات مختلفة. مراكز الفكر في إمارتي أبو ظبي ودبي وتجري أبحاثا وتحليلات حول مجموعة واسعة من قضايا السياسة العامة. وهي تعد مصدرا قيما للمعلومات والمشورة للحكومات في وضع السياسات والاستراتيجيات. وفيما يلي بعض الطرق التي تأخذ بها حكومة الإمارات العربية المتحدة المشورة السياسية من مراكز الفكر:
1) التشاور: قد تتشاور حكومة الإمارات العربية المتحدة مع مراكز الفكر حول قضايا سياسية محددة. قد يتضمن ذلك دعوة مراكز الفكر للمشاركة في مناقشات السياسة وورش العمل والاجتماعات الأخرى. قد يتم استدعاء مؤسسات الفكر والرأي لتقديم آراء الخبراء والمشورة بشأن مواضيع سياسية معينة في الجهات الحكومية من خلال عقد اجتماعات وجلسات لأخذ الرأي والمشورة.
2) التقارير البحثية: تنتج مراكز الأبحاث تقارير بحثية تحلل وتقدم توصيات بشأن قضايا السياسة الرئيسية. قد تستخدم حكومة الإمارات العربية المتحدة هذه التقارير كمصدر للمشورة السياسية عند تطوير سياسات أو استراتيجيات جديدة.
3) اللجان الاستشارية: يمكن لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة إنشاء لجان أو لجان استشارية لتقديم التوجيه بشأن قضايا سياسية محددة. قد تشمل هذه اللجان أفرادا من مراكز الفكر يمكنهم تقديم مشورة وتوصيات الخبراء
4) المنتديات العامة: قد تنظم مراكز الفكر منتديات عامة أو مناقشات حول قضايا السياسة العامة. يمكن لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة حضور هذه المنتديات للتواصل مع الجمهور وتلقي المشورة والتوصيات من خبراء مراكز الفكر.
وختاماً، فإن إشراك أصحاب المصلحة أمر حاسم لنجاح الاستراتيجيات الوطنية. تضمن مشاركة مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك المنظمات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ومراكز الفكر وغيرها، أن تكون السياسات والاستراتيجيات شاملة ومستجيبة ومتوافقة مع احتياجات البلد. وتوفر مشاركة أصحاب المصلحة منابر لتنوع وجهات النظر، وتضمن سماع جميع الأصوات، وتحسن جودة القرارات السياسية. وعلاوة على ذلك، تعزز مشاركة أصحاب المصلحة شرعية السياسات والاستراتيجيات وتشجع على تحسين التنفيذ، حيث من المرجح أن يدعم أصحاب المصلحة السياسات التي لهم مصلحة راسخة فيها. لذلك، فإن إشراك أصحاب المصلحة في عملية صنع السياسات أمر ضروري للحوكمة الفعالة والتنمية المستدامة وضمان الاستمرار في الازدهار والتطور نحو مستقبل أكثر إشراقا.
مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك