الأفعال في اللغة العربية ثلاثة: فعل ماض، وفعل مضارع، وفعل أمر، وهي لها عطاء في ذاتها، ولها عطاء آخر حين تلتبس بالنص القرآني، فالفعل «أتى» في اللغة هو فعل ماض حدث في زمن مضى قد انتهى أوانه لكن القرآن الكريم يقدم لنا عطاءً جديدًا أو متجددًا لهذا الفعل حين يقول سبحانه: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) النحل / 1.
و«أتى» كما بينا يدل على فعل حدث في زمن مضى، ولكن حين التبس الفعل الماضي بالنص القرآني في جملة «فلا تستعجلوه» فكيف يقول الحق سبحانه (أتى أمر الله..) ثم يأمرنا سبحانه وتعالى بألا نستعجله في قوله سبحانه: (فلا تستعجلوه..) ومن المنطق ألا نستعجل أمرًا لم يحدث بعد، ولم يأت زمانه، أما ألا نستعجل فعلًا قد حدث وانتهى زمانه، فهذا أمر يقتضي منا أن نتدبر معناه، ونستقصي دلالاته إذًا، فمن معاني الفعل الماضي ومن دلالاته أنه يفيد تأكيد حدوث الفعل وديمومته، وأنه لا رجوع عنه.
إذًا، ففعل «أتى» يفيد التحقق، وأنه قد تم المراد من الفعل الماضي، وهو المجيء سواء جاء بصياغة الماضي أو الحاضر، أو المستقبل.
مثال آخر حول الأفعال نجده في سورة النصر، في قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (3)) (سورة النصر) واختيار كلمة «النصر» عنوانًا على السورة المباركة له عطاؤه بالقراءة المتدبرة وله دلالاته الواضحة في القرآن الكريم، كان المسلمون في غزوة بدر لا يزيد عددهم على ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا وكان الرسول في دعائه بالنصر لهذه الفئة القليلة: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا، وكأن هذه العصابة هم كل المسلمين، وأما اليوم، فالمسلمون كُثرُ ويربو عدًدهم أكثر من المليار ونصف المليار إضافة إلى أنهم اليوم نوعية جديدة. فيهم السفراء ورجال الدين، وفيهم العلماء والمفكرون، وأصحاب التخصصات المختلفة.
إذًا، فالنصر متحقق، والزيادة في أعداد المسلمين في اطراد -كما أسلفنا - ليست زيادة عددية، بل زيادة نوعية، والإسلام يستقبل كل يوم، بل كل لحظة وفودًا من العلماء والمفكرين من جميع الجنسيات من الباحثين عن الحق الذي وجدوه في الإسلام ولَم يجدوه في غيره من الديانات السماوية (المحرفة) والديانات البشرية القاصرة.
وللأفعال عطاء في ذاتها، وعطاء عند التباسها بالنص القرآني.. في سورة التوبة، وفِي الآية (40) بالتحديد عند حديثها يوم الهجرة، يقول تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).
نلاحظ في هذا النص القرآني ورود هذه الأفعال (تنصروه، فقد نصره الله، أخرجه، لا تحزن، فأنزل، وأيده، لًم تروها، وجعل ونلاحظ أن لهذه الأفعال عطاء في ذاتها، ولها عطاء أكثر حين تلتبس بالنص القرآني، فالفعل: تنصروه فعل مضارع يفيد الحال والاستقبال، فهو منصور الآن لحاجته إلى النصر في وقته وحينه ثم يأتي التعبير عن النصر بفعل: فقد نصره الله، فبالإضافة إلى أن النصر بإسناد الفعل إلى الزمن الماضي يطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ناصره على أعدائه وأعداء دينه، وأيد ذلك بكلمة « فقد» التي تفيد التحقيق.
إذًا، فلابد وأن فعل النصر متحقق في ذاته لأنه جاء بصيغة الماضي، وإن هذا النصر منسوب، إلى القوة العليا أي الذات الإلهية، ثم مجيء النصر بصيغة المضارع في قوله تعالى «إلا تنصروه» والفعل هنا منسوب إلى الناس، وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في غير حاجة إلى نصركم لأن الله تعالى ناصره في الماضي، والحاضر، والمستقبل!
ونلاحظ أن ورود أفعال مثل: لا تحزن، وأيده، تفيد التأييد والدوام لهذا النصر في الماضي والحاضر وحتى المستقبل لأنه شمل النصر المتحقق في جميع الأزمنة.
إذًا، فمن البشارات على نجاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من كيد أعدائه وخصوم الدعوة المباركة التي حملها رجالات الإسلام العظماء الذين آلوا على أنفسهم ألا يفرطوا في حمايته ونشره، وهم يعملون جاهدين لتحقيق ما وعدهم الله تعالى من النصر والتأييد في قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة / 33.
هذه هي الأفعال، وهذه هي حركتها المباركة وما تختزنه الأفعال من عطاء غير مجذوذ ولا ممنوع ولا مقطوع، لهذا وصفوا القرآن بأنه لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنتهي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء الباحثون عن الحق والثبات عليه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك