للمرة الثانية على التوالي ينعقد «مؤتمر الأمم المتحدة لمواجهة التغيرات المناخية» في منطقة الشرق الأوسط، في دلالة واضحة على الارتباط القوي بين النفط، الذي يعتمد عليه اقتصاد هذه المنطقة، وهذه التغيرات، حيث ينعقد المؤتمر في نوفمبر 2023 بدولة الإمارات، وذلك بعد الحضور القوي من دول الخليج في مؤتمر شرم الشيخ، السابق في نوفمبر 2022؛ لتقييم التقدم المحرز في التعامل مع التغيرات المناخية بعد اتفاق باريس 2015، ووضع حلول ملزمة قانونًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وكان البيان الختامي، للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، قد أشاد في قمته الـ43، في ديسمبر الماضي، بالدور الرائد الذي تقوم به الإمارات، لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وجهودها في استضافة كوب28، فيما أعلنت الأمانة العامة للمجلس مشاركتها بجناح يبرز خطط وجهود دول الخليج لتحقيق الحياد الكربوني، ومواقفها المشتركة من قضايا تغير المناخ.
وتسعى الإمارات، من خلال استضافتها مؤتمر التغيرات المناخية، إلى إطلاع العالم على ما وصلت إليه لاستدامة المناخ، وتقديم نموذج إماراتي قابل للتطبيق على مستوى الدول الصناعية. وفي مرحلة الاستدامة غدت أبو ظبي، تمتلك خمسة مصادر نظيفة للطاقة الكهربائية، وتقود خطة طموحة لحماية الاقتصاد الأزرق، فيما أصبح الاقتصاد الأخضر أولوية لديها، ومن ثمّ، خصصت 164 مليار دولار لتحقيق الحياد المناخي.
ويعد تعزيز التعاون من أجل الاستثمار في الحلول منخفضة الكربون، من بين أبرز موضوعات كوب 28، والتي يمكنها أن تحقق تنمية اقتصادية، والتوصل إلى حلول فعالة تقاوم تداعيات ظاهرة التغير المناخي، واستغلال التقدم التكنولوجي والابتكارات التي تدعمها الإمارات، ويمكنها المساهمة في تحقيق بيئة مستدامة، وعوائد اقتصادية واجتماعية لجميع البلدان، فضلا عن دعم المجتمعات النامية الأكثر تضررًا من التغير المناخي -ولهذا الغرض خصصت نحو 100 مليار دولار- وتوجيه الاستثمارات لمشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة ودعم الاقتصاد الأخضر، مثل الطاقة الشمسية، ومشروع التقاط الكربون وتخزينه، واستخدام الهيدروجين، ووضع خارطة طريق لمتابعة تنفيذ الجهود المبذولة من أجل خفض الانبعاثات وحماية البيئة، ومواجهة التغير المناخي بابتكارات وأفكار خلاقة.
ولأنها الأكبر عالميًّا في احتياطي النفط وإنتاجه وتصديره، أطلقت السعودية -تعاملاً مع ظاهرة التغير المناخي- العديد من المبادرات، كـ«السعودية الخضراء»، والشرق الأوسط الأخضر في 2021، والتي كانت نسختها الثانية مع كوب27، وتطلق نسختها الثالثة مع كوب28، في أكبر مشروع تشجير في العالم، يهدف إلى زراعة 50 مليار شجرة؛ منها 10 مليارات في السعودية وحدها لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 60%.
ومنذ انطلاقها، أسهمت مبادرة السعودية الخضراء، في زراعة أكثر من 18 مليون شجرة، فضلا عن إطلاق العديد من البرامج البيئية في أنحاء المملكة، وخاصة إن أبرز معالم شبه الجزيرة العربية يغلب عليها الصحارى، والعواصف الرملية، والمناخ الحار، والأمطار القليلة. وغدت الرياض، تمتلك خريطة طريق واقعية في مجال الاقتصاد الدائري، وخفض انبعاثات الكربون، مع الالتزام بضرورة التكيف مع الاحتياجات المستقبلية المحلية والإقليمية والعالمية، بشأن أمن الطاقة. ومثلها مثل دول الخليج الأخرى، عملت على استخدام مزيج طاقة من النفط والغاز، وطاقتي الرياح والشمس، والهيدروجين، وأعلنت خطة صفر كربون في عام 2060، بينما لا تستخدم الفحم الأكثر ضررًا والأكثر انبعاثًا لغازات الانبعاث الحراري. وبحلول 2030، تكون نصف طاقة المملكة من مصادر طاقة متجددة صديقة للبيئة والنصف الآخر من الغاز.
واستمرارا، أطلقت أربعة مشاريع عملاقة لتخفيض انبعاثات الكربون، وتحسين جودة البيئة، والحفاظ على الحياة البرية والساحلية هي القدية، نيوم، البحر الأحمر، أمالا. وبحلول 2030 تحول 30% من مساحتها البرية والبحرية إلى محميات طبيعية، بالإضافة إلى زراعة أكثر من 600 مليون شجرة، فيما تستهدف تخفيض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنويًا. علاوة على ذلك، أعلنت المملكة، 13 مشروعا جديدا، قيد التطوير في مجال الطاقة المتجددة، بقدرة إجمالية 11.4 جيجاوات، باستثمارات نحو 9 مليارات دولار، وتتيح هذه المشاريع عند تشغيلها إزالة 20 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويا. وتستهدف السعودية، أن تصبح أكبر منتج ومصدر للهيدروجين النظيف منخفض التكلفة، حيث يجري العمل حاليًا على إنشاء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم، تبلغ قدرته الإنتاجية 600 طن يوميا بحلول 2026.
وانعكاسًا لهذا النهج، حصدت شركات أرامكو، وسابك، ومعادن، شهادات مستقلة، كمنتجين معتمدين للهيدروجين الأزرق والأمونيا، ما يعزز البنية التحتية لتصدير الهيدروجين النظيف في السعودية.
وفي الوقت الحالي، تقود أرامكو، عملية إنشاء أكبر مجمع في العالم لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، ونقله وتخزينه، والذي يباشر عمله من الجبيل بحلول 2027، بقدرة التقاط وتخزين تبلغ 9 ملايين طن سنويا من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال المرحلة الأولى، فيما تستهدف المملكة، الوصول إلى رقم 44 مليون طن بحلول 2035.
ودعما للعمل المناخي، كانت السعودية، قد أعلنت خلال عام 2022، ثلاثة مشاريع؛ هي مركز معارف الاقتصاد الدائري للكربون، ومركز إقليمي لتسريع وتيرة خفض الانبعاثات، بالتعاون مع الأسكوا، واستضافة أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل كوب28، بمشاركة أصحاب المصلحة الإقليميين والعالميين؛ بهدف استكشاف التحديات والفرص، واستعراض الحلول المبتكرة، وتعزيز العمل المناخي.
من ناحية أخرى، مثّل استصلاح أراضي الغابات الرطبة، طريقة فعالة، لمنع تآكل السواحل، حيث تمتص هذه الأشجار كميات كبيرة من الكربون، تصل إلى خمسة أضعاف ما تمتصه الغابات الاستوائية. وأعلنت نيوم، عزمها استصلاح 1.5 مليون هكتار، وزراعة 100 مليون شجرة بحلول 2030، كما أعلنت الرياض، برامج للحفاظ على الشعب المرجانية، وموائل السلاحف البحرية في البحر الأحمر، ومن خلال دعم الجهود الوطنية، تمكنت من زيادة مساحة محمياتها الطبيعية، بمقدار أربعة أضعاف مساحتها في 2016.
من جانبها، تلتزم البحرين، بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060، وتقليل الانبعاثات بنسبة30% بحلول 2035، فيما غدا النفط يمثل أقل من 20% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي. وتضمنت الخطة الوطنية للتشجير، مضاعفة عدد الأشجار بها، وتجاوز إنجاز عام 2022، المستهدف بأكثر من 140 ألف شجرة، إضافة إلى زيادة أشجار القرم بأربع أضعاف، والاستثمار المباشر في تقنيات احتجاز الكربون. فيما زادت المنامة، من طاقتها المتجددة في 2022، بنسبة 40%، ووضعت الحكومة التزاماتها البيئية ضمن خطة عملها ورؤية البحرين الاقتصادية 2030، وأنشأت الهيئات والمؤسسات واللجان؛ لوضع برامج وسياسات واستراتيجيات تحقيق الاستدامة بأبعادها المختلفة.
ومنذ عام 2007، تم تكليف اللجنة الوطنية المشتركة لتغير المناخ، بالإشراف على جميع قضايا المناخ في المملكة. ويترأس المجلس الأعلى للبيئة، هذه اللجنة، فيما انضمت البحرين، في 2016 إلى اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي. وفي استجابة إقليمية منسقة للتصدي لأزمة المناخ -بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس- انضمت إلى جانب قبرص، ومصر، واليونان، والعراق، والأردن، ولبنان، وسلطنة عُمان، وفلسطين، إلى مبادرة المناخ الجديد لدول شرق المتوسط والشرق الأوسط في كوب27، والتي حظيت بدعم من قبل الإسكوا، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا.
وفي حين أعلنت سلطنة عُمان، هدف الحياد الكربوني في 2050؛ فقد اتخذت العديد من الإجراءات والمبادرات للحد من ظاهرة التغير المناخي، وتسعى إلى صياغة قانون للتعامل مع هذا التغير بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، لوضع الأحكام العامة للشؤون المناخية، كما تم إعداد استراتيجية وطنية للتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية، يتم من خلالها اتخاذ الإجراءات، فيما التزمت بتخفيض انبعاثاتها بحسب ما هو مستهدف لعام 2030 بخفضها بنسبة 7%، وأعلنت عن قاعدة بيانات لحصر جميع مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، وشكلت لجنة وزارية للتعامل معها، وحماية طبقة الأوزون، ويعد تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ركيزة أساسية، في رؤية السلطنة للتغير المناخي.
ومن المعلوم أن سلطنة عُمان، من الدول المعرضة لمخاطر الأعاصير المدارية، بحكم موقعها المطل على بحر العرب والمحيط الهندي. وفي الخطة الخمسية، الجاري تنفيذها حاليًا، أقرت إجراءات ومشاريع لتخفيض الاحترار، وزيادة امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، وكونت لذلك عدة فرق؛ مثل فريق التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وفريق التكيف مع التغيرات المناخية، وفريق التمويل والتكنولوجيا وتبادل الخبرات، وفريق حماية طبقة الأوزون، وفريق الإعلام، والفريق الفني التفاوضي.
من المنطلق نفسه، احتلت قضية التغير المناخي، أولوية، في رؤية قطر 2030، وتضمنت الخطة الوطنية للتغير المناخي أكثر من 35 مبادرة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، بنسبة 25% بحلول 2030، إضافة إلى أكثر من 300 مبادرة للتكيف مع آثار التغير المناخي، ودعم الدول الأقل نموًا لمساعدتها في التعامل مع التغير المناخي، وقد انضمت شركة قطر للطاقة، إلى مبادرة استهداف الانبعاثات الصفرية (الحياد الكربوني)؛ بهدف الوصول إلى صفر انبعاثات غاز الميثان في أصول النفط والغاز، التي يشغلها بحلول 2030، وقد وضع هذه المبادرة 12 من كبرى الشركات النفطية العالمية.
وفيما دعت الكويت، إلى دعم الدول الجزرية الصغيرة في مواجهة التغير المناخي؛ فقد تبنت خطة وطنية، للتكيف مع تداعيات هذا التغير (2019– 2030)، حيث تعد من أكثر الدول تأثرًا بالآثار السلبية لهذا التغير (موجات حر، عواصف ترابية، ارتفاع مستوى سطح البحر...إلخ). وضمت الخطة استراتيجية، متوسطة وطويلة الأجل لزيادة القوة والمرونة في مواجهة هذه التحديات، والتزمت الحكومة من خلال الهيئة العامة للبيئة بضمان تنفيذها. ومن الجدير بالذكر، أن درجات الحرارة، قد سجلت مؤخرًا في الكويت ارتفاعات هي الأعلى عالميًّا، بلغت 52، 54 درجة مئوية، مع تأثير التغير المناخي على التنوع البيولوجي، وزيادة ندرة المياه، ورفع مستوى سطع البحر، فيما تؤكد الكويت حرصها على تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 في قطاع النفط والغاز، و2060 في باقي القطاعات.
على العموم، فإنه في حين تؤكد دول الخليج مع انعقاد كوب28، في الإمارات، التزاماتها بشأن التغير المناخي، وأمن الطاقة العالمي؛ فإنها تسعى أيضًا إلى حلول عالمية للقضايا التي يثيرها هذا المؤتمر، مثل الإبقاء على درجة حرارة الغلاف الجوي دون 1.5 درجة -ما يستلزم خفضًا فوريًا في الانبعاثات بنسبة بين 40–50% بحلول 2030- وقضية تمويل المناخ، ووضع خارطة طريق نحو هدف عالمي للتكيف، وبنود صارمة والتزامات جدية بخفض الانبعاثات للدول الصناعية، وتسهيل توفير التكنولوجيا للدول النامية، وإقرار آلية تنفيذ صندوق الخسائر والأضرار، وكيفية عمله ومصادر تمويله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك