أشرنا في الحلقة الأولى من سلسلة مقالاتنا الموسومة «الرؤية السعودية 2030 والنهوض بالتعليم الأهلي.. كليات عنيزة مثالا» إلى أنَّ الجامعات تختلف في إمكاناتها وقدراتها، وتتباين في سرعتها على تحقيق مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لقطاع التعليم، لذا وقع اختيارنا بعد دراسة استطلاعية ومعايشة ميدانية على واحدة من الجامعات الأهلية الناشئة في المملكة العربية السعودية وهي (كليات عنيزة الأهلية) باعتبارها مثالا مميزا لأثر رؤية المملكة 2030 على التعليم العالي الأهلي، لذا سنسلط الضوء على عناصر التميز في هذه الكليات وآليات استثمارها لتوجهات رؤية المملكة في الانطلاق والتوسع وإحداث أثر بارز في بيئتها المحلية مكنها من تحقيق ميزة تنافسية تميزها عن غيرها من الجامعات، لتكون نموذجا يقتدى به في الجامعات الأهلية الخليجية، فقد تشكلت المعطيات الرئيسة لكليات عنيزة في ضوء الفهم العميق لرؤية المملكة 2030، وخاصة أن انطلاقة المسيرة المباركة للكليات تمت خلال العام الدراسي 1436/1437هـ بعد حصولها على الاعتماد العام من وزارة التعليم في المملكة بالتزامن مع صدور رؤية المملكة 2030، فكان ذلك مدعاة لتتسم خطتها الاستراتيجية للسنوات (1437-1447) بجودة تخطيطية عالية، وديناميكية ملحوظة، ورؤية مستقبلية صائبة، وما لحقها من خطط تنفيذية محكمة ومستجيبة بشكل فاعل للمتغيرات والمستجدات المحلية والاقليمية والعالمية.
وفي الوقت نفسه تميزت بالواقعية، والتدرج في الوصول إلى الأهداف العليا للكليات، من خلال الالتزام برؤية شاملة، تقوم على برنامج عمل دقيق، وواضح المعالم، يسعى إلى تحقيق أهداف نبيلة ترتكز على التّعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، ومتابعة التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العالم وتوطينها، بما يسهم في الارتقاء بالمجتمع والسوق المحلي لمنطقة القصيم خصوصا والمملكة عموما في ضوء رؤية المملكة، وذلك نابع من جملة عوامل في مقدمتها ما تميزت به الهيئة المؤسسة لكليات عنيزة وفريقها الاستشاري من بعد نظر، وقراءة تحليلية نقدية شاملة لمتضمنات قطاع التعليم العالي، والناجم عن خبراتها الطويلة في التعليم الجامعي ومتطلباته، وهي على درجة متقدمة من الوعي بمسؤولياتها ورسالتها في المجتمع ومتطلبات تلك المسؤولية على الصعد القانونية والأخلاقية والوطنية والإنسانية، وتتميز بقدرتها الفذة على استشراف المستقبل انطلاقا من الواقع الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل منذ اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله في عمره ملكا للمملكة العربية السعودية عام 2015 ، والذي سعى منذ يوم تسلمه الحكم إلى إحداث حركة إصلاح وتجديد شاملة بمختلف مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والتعليمية والصحية والاجتماعية، فضلا عن استيعاب الهيئة التأسيسية للكليات العميق لفلسفة وأهداف رؤية المملكة 2030 ومحركاتها الرئيسة التي رسمها وأشرف على تنفيذها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رعاه الله، ليس في مجال التعليم فحسب، بل في بناء وتطوير وارتقاء المجتمع السعودي. ويمكن ملاحظة ذلك الإدراك من خلال إصرار الهيئة التأسيسية للكليات على البدء من حيث ينبغي أن تصل إليه الكليات والجامعات الأهلية الأخرى التي سبقتها في التأسيس والعمل، وليس مما وصلت إليه فحسب. فكان اختيار الكليات للأقسام والبرامج الأكاديمية نابعا من دراسة مستفيضة مقترنة باستطلاعات رأي للمؤسسات الرسمية والخاصة والتعاونية والمواطنين عموما في منطقة استيطان الكليات (محافظة عنيزة بمنطقة القصيم)، والمدن والقرى القريبة منها، وهي المناطق المستهدفة من الكليات، بحيث إن خريجي الكليات يمثلون حاجة ماسة لسوق العمل، وبذلك فقد ضمنت الكليات الإقبال الشديد على تخصصاتها ابتداء، والتوظيف لخريجيها لاحقا. ولعب مكتب تحقيق الرؤية في الكليات الذي أسندت إدارته إلى كوادر غاية في الكفاءة والتميز دورا مهما في المحافظة على تناسق توجهات وخطط وقرارات الكليات وآليات تنفيذها وانسجامها التام مع متضمنات وتوجهات رؤية المملكة، وتقديم الدعم والمساندة لجميع وحداتها الإدارية والأكاديمية لضمان تحقيق ذلك، ولأجل أن تعد خريجين ذوي كفاءة عالية فقد حرصت الكليات على إضفاء الطابع التطبيقي على مناهجها ومقرراتها العلمية بما فيها النظرية من خلال التدريب الميداني في المراكز والوحدات التطبيقية والمختبرات والورش التي أنشأتها في الكليات مثل مركز الإبداع والابتكار، ومركز المعلومات والإحصاء، والمكتبة ومصادر التعلم، ووحدة التعليم الإلكتروني، ومركز دعم وتطوير الأعمال، ومركز الإرشاد الأسري والاجتماعي، ووحدة الوعي الفكري، ووحدة الإرشاد الأكاديمي، ومركز حلول، ووحدة التدريب الميداني، ومعهد الدراسات والخدمات الاستشارية، ومركز المسؤولية المجتمعية، والمحكمة الصورية، ومختبرات الحاسوب، وورش الطاقة والطاقة البديلة، ووحدة الجودة، ومركز الأمن السيبراني، وغيرها من المراكز والوحدات الداعمة للعملية التعليمية من ناحية، والإسهام في صقل وتحفيز الإبداع والابتكار لدى الطلاب باعتبارها حاضنات للأعمال والفكر الإبداعي، ومن ناحية أخرى تقدم خدمات واستشارات وبرامج تطويرية لبيئتها الخارجية كجزء من المسؤولية المجتمعية للكليات تجاه المجتمع وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك