«إن الفرصة مثالية لمناقشة شراكات سياسية واقتصادية بين الدول العربية ودول جزر الباسيفيك» تصريح أدلى به الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال كلمته الافتتاحية أمام الاجتماع الوزاري المشترك الثاني للدول العربية مع دول جزر الباسيفيك في الثاني عشر من يونيو 2023.
وبداية للتعريف بدول جزر الباسيفيك النامية هي مجموعة من الدول التي تقع وسط المحيط الهادئ وهي ثلاث مجموعات تمثل ثقافات مختلفة وتنوعا عرقيا وجغرافيا وبينها العديد من القواسم المشتركة.
وعلى الرغم من البعد الجغرافي لتلك الدول عن الدول العربية ومن بينها دول الخليج فإن ذلك الاجتماع في تصوري قد اكتسب أهميته في ضوء ثلاثة اعتبارات، أولها: إن تلك الدول يضمها منتدى إقليمي تم تأسيسه عام 1971 ويقدم تجربة نموذجية للتعاون الإقليمي في مجالات مهمة مثل التغير المناخي والأمن الغذائي، وثانيها: إن انعقاد ذلك المنتدى في ظل جهود المملكة العربية السعودية للترويج لاستضافة معرض إكسبو الدولي عام 2030 يعد خطوة مهمة على صعيد إبراز الفرص الاستثمارية والسياحية لدى المملكة، وثالثها: إنه في ظل تحولات النظام الدولي الحالي فإن ثمة حاجة إلى التكاتف بين الدول وخاصة الصغرى من أجل تعزيز مصالحها في المحافل الدولية وهو ما أشار إليه صراحة السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقول: «كلتا المنطقتين العربية والباسيفكية تحتل مكانة جيواستراتيجية مهمة في ظل النظام الدولي الحالي الأمر الذي يدعو إلى التكاتف ودعم التعاون من أجل التعبير عن الإرادة الحرة والمستقلة لدولنا وشعوبنا»، مؤكداً أهمية الدعم المتبادل بين الدول العربية ودول الباسفيك تجاه الموضوعات المطروحة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية سواء القضايا العادلة للطرفين أو دعم ترشيحات المناصب الدولية»، وقال «بوسعنا خلق أرضية مشتركة ونقاط التقاء بين مصالحنا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من المجالات الأخرى».
وبنظرة فاحصة على البيان الختامي الذي صدر في اختتام أعمال الملتقى الوزاري نجد أنه قد عكس وجود حرص متبادل على تعزيز التعاون بين الدول العربية ومن بينها دول الخليج العربي ودول جزر الباسفيك النامية من خلال ثلاثة مؤشرات لافتة وهي أولاً: تحديد مجالات متنوعة للتعاون ومن بينها الاستثمار والطاقة المتجددة والحفاظ على المناطق البحرية وآليات الاستجابة للكوارث الطبيعية وبناء القدرات وتعزيز الحوار بين الشعوب، ثانياً: الإشارة إلى إعلان منتدى جزر الباسيفيك بشأن الحفاظ على المناطق البحرية في مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر المرتبط بتغير المناخ، والذي حدد المناطق البحرية المنشأة وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، ومواصلة تطبيق الحقوق والاستحقاقات المترتبة عليها وذلك بغض النظر عن أي تغييرات مادية ناتجة عن ارتفاع مستوى سطح البحر المرتبط بتغير المناخ، ويعد ذلك الموضوع مهما لدول الخليج العربي في ظل استعداد دولة الإمارات لاستضافة القمة العالمية للمناخ في نوفمبر 2023، وتعد دول الخليج العربي دولاً بحرية ودائماً ما تطالب باحترام وتنفيذ مضامين اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وكذلك حشد الجهود والتعاون لمواجهة آثار التغير المناخي، ثالثاً: تأكيد الجانبين رغبتهما في إقامة منتدى للتعاون بين الدول العربية ودول جزر الباسيفيك الصغيرة النامية في وقت قريب ، فضلاً عن وجود رغبة بضرورة الارتقاء بمستوى التمثيل الدبلوماسي بين الجانبين.
ومع أهمية الاجتماع وما أسفر عنه من نتائج فإنه في تقديري يعكس مضامين استراتيجية بالغة الأهمية بداية من السياسات الخارجية للدول الخليجية والعربية في الوقت الراهن التي تستهدف مد جسور التعاون مع العديد من مناطق العالم وخاصة تلك التي تعبر عنها تنظيمات إقليمية تضم دولاً توصف «بالدول الصغرى» وهي الدول التي كان لها نصيب وافر من الدراسات الأكاديمية، بالإضافة إلى الجدل الذي أثير بشأن انعكاسات التحولات الدولية الراهنة على قضايا تلك الدول من خلال تلك المنظمات وكان من بينها أعضاء حركة عدم الانحياز التي تترأس دورتها الحالية جمهورية أذربيجان، من ناحية ثانية فإن التحديات العالمية الراهنة وخاصة الأمن الغذائي والتغير المناخي وتأثير التكنولوجيا قد أضحت تحديات عابرة للحدود ولم يعد بإمكان أي دولة مواجهتها مهما بلغت إمكاناتها، بل إنه يلاحظ أن تلك القضايا هي قضايا خلافية بين الدول الكبرى والدول الصغرى وكذلك الدول النامية في ظل تباين مصالح وأولويات الجانبين بما يعني أن تعاون الدول الصغرى في تلك المجالات هو ضرورة استراتيجية، من ناحية ثالثة فإن التحولات العالمية الراهنة والتي غير معروف نتائجها على المدى القريب ولكنها تشي بتحولات في المنظومة الدولية على المدى البعيد حتى ولو على الصعيد الاقتصادي قد أوضحت أهمية التعاون بين الأقاليم وكذلك المنظمات، ولاشك أن مشاركة دول الخليج ممثلة في مجلس التعاون وكذلك الأمين العام للجامعة العربية في ذلك الملتقى من شأنه أن يعزز من فرص التعاون مستقبلاً بين الدول العربية ودول مجموعة دول الباسفيك التي تمتلك إمكانات واعدة في مجالات السياحة والزراعة بما يمثل ركائز للتعاون مع الدول العربية في تلك المجالات.
وفي تصوري أنه يمكن استثمار نتائج ذلك الاجتماع لجهة تأسيس شراكات إقليمية حول قضايا محددة، بمعنى آخر تحديد أولويات الجانبين في الوقت الراهن بل والأهم كيفية مأسسة ذلك التعاون من خلال حوار استراتيجي منتظم بشكل سنوي على مستويات مختلفة للتعريف بفرص التعاون في المجالات كافة وتقييم مسيرة ذلك التعاون، حيث إن الدول العربية ودول الخليج العربي بحاجة إلى بناء شراكات إقليمية في ضوء ثلاثة أمور أولها: موازين القوى داخل المنظمات الدولية تحول دون وجود دعم كاف لقضايا الدول الصغرى عموما، وثانيها: في ظل تنامي الاعتمادية المتبادلة بين الدول فإن لكل منطقة مزايا نسبية بإمكانها التكامل مع مناطق أخرى بما يحقق الفائدة للجميع، وثالثها: الدروس المستفادة سواء من وباء كورونا أو الحرب في أوكرانيا وما رتبته هاتان الأزمتان من تداعيات لم تكن أي دولة بمنأى عنها وخاصة الدول الصغرى والنامية بما يعنيه ذلك من ضرورة بحث سبل التعاون بين تلك الدول سواء في الأوقات الاعتيادية أو خلال الأزمات والكوارث الطبيعية بما تتضمنه من دروس مستفادة لتلك الدول.
إن التعاون عبر الأقاليم الذي يعبر عنه ذلك الاجتماع الوزاري المهم بين الدول العربية ودول جزر الباسيفيك النامية قد أضحى أحد ملامح نتائج التحولات العالمية الراهنة في ظل انشغال الدول الكبرى بمناطق صراعات محددة من ناحية وعدم قدرة منظمة الأمم المتحدة على الاضطلاع بكل القضايا من ناحية ثانية.
*مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية
والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك