تابعت مثلما تابع غيري خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة يوم الاستقلال لروسيا وقد كان هذا الخطاب يحمل صراحة أو ضمنا العديد من المؤشرات عن التحولات داخل روسيا الاتحادية أو مجريات العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ويمكننا أن نتوقف هنا عند عدد من المواقف ذات الدلالة وبعضها قد يكون ذا دلالة خطيرة على المستقبل منها على وجه الخصوص:
أولا: إن روسيا الاتحادية اليوم أقوى من قبل بدء العملية العسكرية الخاصة وأكثر تضامنا ووحدة من ذي قبل حتى إن شعبية الرئيس بوتين ونظامه السياسي أصبح في أعلى المستويات مقارنة بما قبل ذلك حيث استطاع الرئيس الروسي بسياسته وقراءته لمستقبل روسيا أن يعيد مجد روسيا الاتحادية السياسي والعسكري والصناعي والتنموي رغم العقوبات الجائرة وغير الشرعية التي فرضها الغرب على روسيا ورغم حرب الاستنزاف التي تمارسها دول الناتو مجتمعة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة دولة واحدة وهذا تأكيد إضافي على أن روسيا الاتحادية تمضي قدما في الاتجاه الصحيح.
ثانيا: إضافة إلى الطابع الاحتفالي الذي طغى على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والردود التي قدمها أمام عدد من المراسلين العسكريين الروس عبَّر عن حتمية انتصار روسيا في معركتها السياسية والعسكرية في مواجهة الهجمة الهمجية الأطلسية الشرسة مذكرا في هذا السياق بأن معارضي بلاده هدفهم الأساسي هو تفكيك روسيا الاتحادية وتدميرها والعمل على مراجعة النتائج التي ترتبت على الحرب العالمية الثانية ومحاولة هدم منظومة الأمن العالمي الجماعي والتي كانت روسيا جزءا رئيسيا منها حيث تسعى دول حلف شمال الأطلسي إلى التوسع أكثر فأكثر نحو روسيا حيث لم يبقَ اليوم دول ذو أهمية إلا أوكرانيا التي حولها حلف الناتو إلى ساحة لتدمير هذه الجمهورية السوفيتية السابقة وساحة لاستنزاف روسيا ومحاولة لإضعافها مشيرا إلى أنه من المؤسف أن النخب الغربية التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش والتسامح تعمل على زرع الكراهية ضد روسيا الاتحادية وتحويل هذا البلد الكبير إلى صورة غير صورته الحقيقية فالدول الغربية هي التي ترتب للانقلابات وتأجيج الصراعات وتدمير الدول المستقلة مثلما فعلت في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها وتدمير القيم الإنسانية والأخلاقية التي تعد من الثوابت التي يجب الدفاع عنها خاصة نشر ثقافة المثلية التي من شأنها أن تؤدي إلى تدمير المجتمعات الإنسانية قاطبة.
ثالثا: التأكيد والإصرار على الاستمرار في العملية العسكرية الخاصة حتى تحقق أهدافها المعلومة والمعلنة وهي تحييد أوكرانيا بعدم انضمامها إلى حلف الناتو ونزع أسلحة الدمار الشامل منها ومنع وضع أي أسلحة نووية على أراضيها والقضاء على التيارات النازية في أوكرانيا والسماح للمواطنين الأوكرانيين من أصول روسية بحقوقهم الثقافية واللغوية المشروعة مشيرا إلى أنه لا يوجد في الأفق أي توجه غربي نحو السلام وإيقاف هذه الحرب.
ولعل النقطة الأكثر خطورة في خطاب الرئيس بوتين أن روسيا الاتحادية قد تضطر إلى أن تغير استراتيجيتها العسكرية بجعل شريط أمنى فاصل أو منطقة عازلة بين أوكرانيا والأراضي الروسية بما فيها الأراضي المنضمة حديثا إلى روسيا الاتحادية بما من شأنه أن يبعد خطر الصواريخ والقذائف عن المواطنين الروس وعن مدنهم وقراهم وهذا من شأنه طبعا أن يؤجج الصراع الذي لا يبدو أن نهايته قريبة إضافة إلى التهديد المبطن بأن روسيا مستعدة لخوض حرب عالمية ثالثة إذا ما فرضت عليها أو تعرض كيانها الاتحادي إلى التهديد بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية وذلك وفقا للعقيدة العسكرية الروسية ما يؤشر باحتمال حدوث تطورات خطيرة في المرحلة المقبلة على مستوى الحشود العسكرية من ناحية دول الناتو والاستعداد الروسي للمواجهة على الحدود مع أوكرانيا وغيرها.
وتوجد نقاط أخرى عديدة في هذا الخطاب الممنهج الذي جعل منه الرئيس بوتين رسالة إلى الداخل الروسي ورسالة إلى الغرب وحلف شمال الأطلسي «الناتو» تحديدا ما يؤكد أن هذا الرجل هو اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى وإن فشل الهجوم الأوكراني الأخير وتدمير أغلب أسلحة الناتو تزيده قوة على قوة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك