أن يحتفل العالم بيوم مخصص لسلامة الغذاء فهذا أمر جيد ومطلوب، ولكن أن يمر هذا اليوم الحيوي على الناس من غير أن يشعروا به فإن هذا أمر غير جيد ويحتاج إلى إعادة نظر، فموضوع سلامة الغذاء لا يقل أهمية عن أي يوم آخر يمس الإنسان وصحته بصورة مباشرة، فللغذاء أهمية قصوى في حياة الإنسان، فهو يمكن أن يشفي الإنسان ويمكنه أن يؤدي به إلى الهلاك والأمراض المستعصية.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن المحافظة على سلامة الأغذية تنقذ الأرواح، فهي ليست فقط مكونًا حاسمًا للأمن الغذائي، بل تلعب أيضًا دورًا حيويًا في الحد من الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية. ففي كل عام يتعرض نحو 600 مليون شخص للإصابة بالأمراض نتيجة لحوالي 200 نوع مختلف من الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية. ويقع عبء الإصابة بهذه الأمراض بشكل كبير على الفقراء والشباب، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية مسؤولة عن 420 ألف حالة وفاة يمكن الوقاية منها كل عام.
وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن:
{ في المتوسط يصاب حوالي 1600000 شخص بالمرض في يوم واحد بسبب الأغذية غير المأمونة.
{ نحو 340 طفلا دون سن الخامسة يلقون حتفهم يوميا في المتوسط بسبب أمراض منقولة بالأغذية يمكن الوقاية منها.
{ تُسبِّب الأطعمة غير الآمنة التي تحتوي على بكتيريا، أو فيروسات، أو طفيليات، أو مواد كيميائية ضارة أكثرَ من 200 مرض، تتراوح بين الإسهال والسرطانات.
* ما يُقدَّر بنحو 600 مليون – ما يقرب من 1 من كل 10 أشخاص في العالم – يصابون بالمرض بعد تناول طعام ملوث، ويموت منهم 420 ألفا كل عام، ما يؤدي إلى فقدان 33 مليون سنة حياة صحية (DALYs).
{ أمراض الإسهال هي أكثر الأمراض شيوعًا الناتجة عن استهلاك الأطعمة الملوثة، وتتسبب في إصابة 550 مليون شخص بالمرض ووفاة 230 ألف شخص كل عام.
{ ترتبط سلامة الأغذية والتغذية والأمن الغذائي ارتباطًا وثيقًا؛ حيث يتسبب الغذاء غير الآمن في حلقة مفرغة من سوء التغذية، ويؤثر بشكل خاص في الرضع، وصغار الأطفال، وكبار السن، والمرضى.
لمثل هذه الأسباب ولأسباب عديدة أقرت منظمة الصحة العالمية أن يكون السابع من يونيو من كل عام يوما لسلامة الغذاء وذلك منذ عام 2018، ولكن يبقى السؤال الذهبي: ماذا حققت الدول من هذا؟ ونحن هنا لا نود أن نتحدث عما نشر وينشر في الجرائد ووسائل الإعلام بمختلف أنواعها وإنما نتحدث عما يجري في أرض الواقع.
نعتقد أن سلامة الغذاء لم يعد مصطلحا صغيرا بحيث يمكن تعريفه في كلمات أو حتى سطور، إنما سلامة الغذاء منهجية متكاملة هدفها المحافظة على صحة الإنسان والكائنات الحية التي تعيش معه سواء في الحقول أو الوديان أو البساتين، فالغذاء السليم ليس مجرد أن تأمن الغذاء الموجود على الطاولة، وإنما هي عملية متكاملة مترابطة تبدأ من لحظة وضع البذور في الأرض أو تنمية المواشي والدواجن حتى تصل إلى طاولة الطعام مرورًا بخط الإنتاج كله، فكيف تصنع الأغذية المحتوية على اللحوم؟ ومما تتكون تلك اللحوم؟ وما المبيدات التي رشت بها تلك الحقول؟ وكيف حصدت تلك الحبوب؟ وكيف صنعت؟ كل هذه الأمور يجب أن تفكر فيها الدول قبل أن تأتي لتضع الغذاء على طاولة الطعام.
ولكن للأسف نعتقد –حسب اطلاعنا– أن سلامة الغذاء تُعد من الأمور المهمشة في الوطن العربي، ودليلنا في ذلك كثرة المخالفات والمشاكل التي نقرأها أو نشاهدها بين الفينة والأخرى في وسائل الإعلام، فتلك المنشآت الغذائية تستعيض لحوم الأبقار بلحوم الحمير أو القطط، وتلك المنشآت لا تهتم بنظافة العاملين فيها فلا توفر لهم المغاسل ولا الحمامات المناسبة المطهرة، وتلك المنشآت يمكن أن ترضى أن يقوم العاملون بها بخلط المواد الغذائية مع بعضها البعض عن طريق اليد ومن غير استخدام أي أجهزة ميكانيكية، وما إلى ذلك من أمور كثيرة، ما تضطر فيها الجهات الرسمية أن تضع عقوبات على تلك المنشآت، وللأسف هذه العقوبات لا تحقق النتائج المرجوة التي وضعت من أجلها، وذلك لأن العاملين وأصحاب تلك المؤسسات لا يعرفون الأسباب التي بسببها وقعت عليهم العقوبات.
لذلك نجد أنه في اليوم العالمي لسلامة الغذاء فرصة مناسبة من أجل توصيل فكرة – ولو فكرة واحدة كل عام – تهدف إلى زرع فكرة مفادها أن موضوع الغذاء الآمن قضية أمن وطني تحتاج إلى اهتمام، سواء على مستوى المنشآت الغذائية بمختلف أنواعها وأحجامها، أو المدارس أو المنازل، فنحن نعتقد أن الموضوع يستحق الاهتمام، بالإضافة إلى ذلك فإننا نقترح التالي:
فحص وتدريب العمالة الوافدة: عدد كبير من العمالة الوافدة تدخل البلاد لوظائف معينة ليس لها علاقة بالعمل في المطاعم أو المنشآت الغذائية، ويكتب في بطاقته الشخصية بجانب الوظيفة: اسم الوظيفة التي دخل البلاد من أجلها، وبعدها بفترة زمنية تتحول هذه العمالة من وظيفة إلى أخرى، ومن أخرى إلى أخرى حتى يتحول بطريقة ما إلى عامل في مطعم أو مصنع غذائي أو حتى فندق، فيقوم بصنع الطعام ويقدمه للزبائن، وقد يتعامل هذا الإنسان مع الغذاء كما كان يتعامل مع المخلفات أو القمامة عندما كان يعمل بتلك الوظيفة.
وهذا لا يقتصر على العمالة السائبة فقط وإنما حتى خدم المنازل، فهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الغذاء وبأي طريقة يمكن التعامل مع هذا المكون. لذلك فإننا نرجو أن تقوم الجهات ذات العلاقة بتدريب هذه الفئة – كما طالبنا بذلك مرارًا – وألا يتوظف أي شخص في أي منشأة غذائية – أيًا كانت وظيفته أو عمله – إلا وهو مرخص بشهادة لسلامة الغذاء، وقد يقول قائل إن الجهات الرسمية تقوم بذلك، ونحن هنا لا ننكر وإنما نتحدث عن التشديد والجدية، ليس للعامل فقط وإنما حتى صاحب المنشأة، فهو يجب أن يعاقب قبل العامل.
التشديد على الأغذية المحورة جينيًّا: المئات من الأغذية المستوردة التي تدخل البلاد يوميا، هل يتم فحصها من حيث التلاعب الجيني؟ فمنذ فترة ليست بالبعيدة أثيرت قضية أن بعض الأغذية تحتوي على جينات من الحشرات، وعندما تم توجيه سؤال برلماني إلى وزارة الصحة كان الرد: «إنه وفقًا إلى سجلات ترخيص المنتجات لا يوجد أي منتج غذائي أو مكمل غذائي مرخص تحتوي مكوناته الرئيسية على الحشرات، حيث أكدت أن مملكة البحرين لا تسمح بدخول مثل هذه المنتجات ووجودها في الأسواق المحلية، وتخضع هذه النوعية من الأغذية لمتطلبات المواصفة القياسية الخليجية (GSO 2696/2022)».
هذا رد جميل، ولكن يبقى السؤال المهم: هل هذه الإجابة جاءت بناء على المواصفات والسجلات الورقية أم كانت نتيجة تحاليل مختبرية؟ فإن كانت نتائج تحاليل مختبرية فإننا نرجو أن تنشر هذه النتائج حتى نراها ونقرأها، فنحن في عصر الشفافية.
ثم بعد ذلك، فكيف يمكن للمستهلك أن يتعرف وأن يفرق ما بين الأغذية الطبيعية والأغذية المحورة جينيا؟ فلم نجد أي مطبوعات ورقية أو رقمية توعوية تتحدث عن هذا الموضوع.
الدراسات التي تربط ما بين الأورام وتلوث الغذاء: في الوطن العربي نحتاج اليوم إلى تخصيص فريق عمل أو فرق عمل مهمتها الأساسية عمل دراسات ميدانية لعمل ربط وترابط ما بين الأورام السرطانية والأغذية الملوثة وخاصة بالمواد الكيميائية المختلفة، مثل الأفلاتوكسين والديوكسين والبنزو بارين والمبيدات وغيرها من المكونات، بالإضافة إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى مثل الزهايمر بسبب الألمنيوم والتسمم النحاسي والزئبق وما إلى ذلك.
اليوم العالم العربي بأمس الحاجة إلى مثل هذه الدراسات وخاصة في ظل هذا التعاظم الكبير من المواد الملوثة المنتشرة في الكرة الأرضية، والهدف من ذلك تقليل نسبة الإصابات إن أمكن.
الإعلام والتوعية والتربية: نرجو ألا يقتصر اليوم العالمي لسلامة الغذاء على اجتماع واحد يجري في الغرفة المغلقة، وإنما سلامة الغذاء يحتاج إلى إعلام لتوصيل كل هذا الكم من المعلومات التي يحتاج إليها أي إنسان، يحتاج إلى عمل مطبوعات وأفلام ونشرات علمية بسيطة يمكن من خلالها أن تُصل المعلومة إلى عقل أي شخص، بدلاً من ترك كل من هب ودب يتحدث عن هذا الموضوع وينشر في وسائل التواصل الاجتماعي وكأن الأمر لا يهم الجهات المنفذة، وكذلك يجب التركيز على تربية الأطفال وكل الأجيال بموضوع سلامة الغذاء، فهذه الفئات هي من أكثر الفئات عرضة للأغذية غير الآمنة، فهم الذين يتناولون الأغذية المكشوفة أو المليئة بالملونات والسكريات وما إلى ذلك.
الموضوع – أيها السادة – ليس تحديا ولا يحتمل أي شيء أو أي تكهنات، وإنما الموضوع جاد، علمًا بأن إهمال سلامة الأغذية وتقديم الطعام للجمهور وهو غير آمن، لا يقل أهمية عن تهريب المخدرات والاتجار به، لذلك يجب أن يصدر فيه قانون يجرم صاحبه، نعم، أقولها نحتاج إلى قانون صارم ورادع لتجريم كل من يقوم بالتلاعب بالغذاء الذي يقدم للإنسان والذي يمكن أن يؤدي إلى إصابته بأي مرض، عندئذ يمكن أن نحتفل بسلامة الغذاء.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك