تمثل الكليات الخمس التي حرص الإسلام ومنذ أول لحظة بزغ فيها نوره على حفظها، والدفاع عنها ليشيع الأمن والاستقرار في المجتمعات الإنسانية، وعمل الإسلام على صيانتها من أن يعتدي عليها المعتدون، ويعبث بها العابثون، وأول هذه الحقوق، أو الكليات الخمس هي حرية الاعتقاد، أي إن للإنسان الحرية الكاملة في أن يعتقد ما يشاء، يقول تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة / 256.
هذا هو المبدأ الأول من مبادئ الإسلام، والذى حمى فيه الإسلام حرية العقيدة، يقول سبحانه: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف / 29.
والكليات الخمس ذكرها الًعلماء، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب، ومن الممكن استخراج تفريعات، أو تشريعات من هذه الكليات الخمس بحيث يتكون من مجموع أصولها، وفروعها ما يسمى بـ(الدستور الإسلامي) أو الإعلان الإلهي لحقوق الإنسان، وهذا الإعلان يستمد قوته وبقاءه من خلال كتاب الله تعالى، القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ولقد ذكرت آنفًا الدليل من القرآن على حرية الاعتقاد أما حفظ النفس، فقد جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرًا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) المائدة / 32.
وقوله سبحانه: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيما) النساء / 93.
وأما الكلية الثالثة، وهي حماية العقل فقد تضمنتها الآيات التي تحرم كل ما يذهبه، ويؤثر في موازينه العقلية الراشدة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة / 90. وأما اتباع الهوى، وما كان عليه الآباء والأجداد، فقد جاء التحذير منه في قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) الجاثية / 23.
وحفظ المال هو الكلية الرابعة من كليات الإسلام الخمس، والتي حرص الإسلام على حمايتها، والدفاع عنها، وسد باب الذرائع إليها، وجعل من وسائل حفظها أن حَرَّم السبل إليها، فحرم السرقة، والرشوة، والربا، وأكل أموال. الناس بالباطل -أي باطل- وكما حرم الإسلام كسب المال من الأوجه غير مشروعة كذلك حَرَّم إنفاقه حتى في الأوجه غير المشروعة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
ونختم بالكلية الخامسة، وهي حفظ النسب، فحرم الزنا الذي يفضي لا محالة إلى اختلاط الأنساب، وتمزيق أواصر الأسر، يقول الله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) الإسراء / 32. وقال سبحانه وتعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيما) (70) الفرقان.
انظروا إلى هذه المنزلة العظيمة، إنه لا يغفر السيئات بمحوها فقط، بل يبدل السيئات حسنات، فيمحو رصيد العبد من السيئات، ويزيد رصيد الحسنات بإعادة تدوير الحسنات بعوائدها مرات.. ومرات إذا اجتنب الكبائر، ولَم يصر على الصغائر ولقي ربه سبحانه على ذلك.
لقد حرص الإسلام أشد الحرص على تحريم الزنا، وما يفضي إليه من علاقات محرمة يستنكرها الإسلام على أتباعه، والسالكين صراطه المستقيم.
ولندرك خطورة الزنا وما يجره على المجتمع المسلم من مصائب وآفات انظروا إلى المجتمعات الغربية، وما فيها من اختلاط الأنساب في الأسرة الواحدة بسبب الحرية المطلقة في علاقة النساء بالرجال.. صحيح أنه محرم عليهم تعدد الزوجات، لكنهم في مقابل ذلك يتساهلون في تعدد الخليلات، فتدخل المرأة على زوجها أطفالًا ليسوا من صلبه، وكذلك يفعل الرجال، لكن الإسلام حين أباح تعدد الزوجات في الحلال بشروطه حافظ على نقاء الأنساب، وبراءتها من أن تدنس كان ذلك حلًا لمشكلة العنوسة حين يزيد عدد النساء على عدد الرجال.
إذًا، فرعاية الإسلام للكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، المال، والنسب، هي دستور الإسلام العظيم، ومن الممكن أن يتفرع عن كل واحدة من هذه الكليات الخمس تشريعات كثيرة تنظم حياة المسلمين، بل البشرية وتيسر لها التصالح مع الذات قبل التصالح مع الآخر في ظل إعلان إلهي لحقوق الإنسان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك